العقل … عدو المستبد

يخشى المستبد من العقل والعقلاء!

لكن مهلا .. العقل هنا لا يقابله الجنون، يعني المستبد لا يتبعه مجموعة من المجاذيب الذين يُقَطّعون شعورهم وملابسهم، بل على العكس، هم عقلاء بهذا المعنى، وليسوا بمجاذيب، وليسوا من أرباب (العباسية)، أو المتأهلين لدخولها.

إن العقل هو اللطيفة الإلهية التي خاطب الحق تبارك وتعالى عباده بها، ووبخ بعضهم لعدم استعمالها على ما خُلقت له

إن العقل المقصود يعني استخدام الآلة الربانية واللطيفة الإلهية في فهم ما نراه، فهما حقيقيا، وقد يكون دقيقا، وهذا ما يخيف أي مستبد، فهو يعمل دائما على (تحييد) دور العقل في الفهم، بحيث يكون العقل فقط متوجها لسماع ما يقوله، وتنفيذه، والذود عنه، والدفاع باستماتة، هذا هو دور العقل الذي ينشده، ولهذا يقول الحق تبارك وتعالى عن حال فرعون (فاستخف قومه فأطاعوه)، فصاحب (الآلة) العقلية غير المستغلة لما خُلقتْ له: خفيف، سطحي، لا يفهم إلا جانبا من الجوانب، ولا يرى (الأبعاد الثلاثة)!

بل قد يرى البعد الواحد على غير حقيقته، في حالة من التوهم، ولهذا وصفهم الحق تبارك وتعالى بأنهم (صم بكم عمي، فهم لا يعقلون)، ولم يقل لا يسمعون، ولا يتكلمون، ولا يرون، بل يحدث هذا كله منهم، فهم أصحاب لسان وآذان، وعيون، لكنهم … لا يعقلون! وهذا هو الغرض من هذه الآلات، أن تعقل، وأن تفهم!

إن العقل هو اللطيفة الإلهية التي خاطب الحق تبارك وتعالى عباده بها، ووبخ بعضهم لعدم استعمالها على ما خُلقت له، ولعل من يمسخون تلك العقول يدخلون في عموم قول الشيطان (وليغيرن خلق الله)، فتغيير (وظيفة) العقل وحقيقته، أكبر من تغيير الصفة الظاهرية والتشريحية للأعضاء.

والعجيب أن المستبد (عاقل)، ويعي ذلك جيدا، وكلما زادت وارتفعت (حساسية) آلة العقل، ووظّفها صاحبها للفهم الصحيح؛ اتخذه المستبد عدوا، حتى وإن لم يقربه، وحتى إن التزم ببعض القيود التي وضعها، ولم يتجاوز خطوطه الحمراء، لأنه يعلم أن المعادلة بينه وبين العقل صفرية، فكان الواجب اتخاذ المستبد عدوا من أصحاب العقول (إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا)، وهو ما يشير إلى أن بعض (العقلاء) يهادن، ولا يتخذ المستبد عدوا، فكان الملائم (أمره) أمرا شرعيا باتخاذ المستبد عدوا، كما هو حاله وديدنه، لأن المعادلة لا تقبل القسمة، إما المستبد، وإما العقلاء.


التعليقات