تداعيات كورونا على عمل الأجهزة الأمنية

في ظل انتشار فيرس كورونا عالميا بوتيرة متسارعة، بدأت تداعياته على عمل الأجهزة الأمنية تتزايد لتحظى بتغطية إعلامية في الإعلام الغربي، فمجلة تايم الأمريكية نشرت تحقيقا في 24 مارس بعنوان (الجواسيس يعملون من المنزل: كيف آثر فيرس كورونا على شبكات الاستخبارات الأمريكية عبر العالم)، فيما نشرت مجلة انتيليجنس أونلاين في عددها الأخير عدة أخبار عن تداعيات كورونا على أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية والإسرائيلية.

فحسب مجلة تايم نقلا عن مسؤولين أمريكيين، فإن انتشار كورونا أثر على لقاءات ضباط الاستخبارات الأمريكيين بجواسيسهم حيث صار من الصعب عليهم عقد اجتماعات مباشرة مغطاة في ظل فراغ المتاجر والبارات والحافلات والحدائق والمطاعم المزدحمة من روادها، مما جعل أي لقاء أمرا مثيرا للشك. كما أن اللقاءات نفسها تحولت إلى مخاطرة تهدد السلامة الصحية لكل من الضباط والجواسيس وعائلاتهم.

تخشى الأجهزة الأمريكية حسب مجلة تايم من الاعتماد على أسلوب العمل من المنزل، نظرا للحاجة إلى حماية المعلومات السرية، خاصة وأن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرها لديهم مهارات قرصنة متطورة.

فرغم ما وفرته أقمار التجسس الصناعي وغيرها من التقنيات ذات القدرات غير المسبوقة للمراقبة والمتابعة من إمكانات لجمع طوفان يومي من المعلومات من مصادر مفتوحة بأكثر من 150 لغة، فإن الاستخبارات البشرية تظل لها محورية في الاطلاع على ما يدور في قلوب وعقول الخصوم والمنافسين، وهو ما يتطلب تواصلا مباشرا مع الجواسيس، فضلا عن البحث المستمر عن عملاء جدد لتجنيدهم وتقييمهم وتشغيلهم، وهو الأمر الذي جعله كورونا أكثر صعوبة.

وكذلك فإن تأثيرات كورونا امتدت إلى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية الذي يشرف على عمل 17 وكالة استخبارات أمريكية متنوعة، حيث اضطر المكتب إلى اتباع إجراءات عمل جديدة تقوم على تقليل الاتصال بين الموظفين من خلال مجموعة متنوعة من الخيارات تشمل اعتماد جداول زمنية مرنة، وتنفيذ ممارسات التباعد الاجتماعي من أجل الحفاظ على سلامة وأمن وصحة قوة عمل المكتب مع الاستمرار في تلبية متطلبات العمل.

تخشى الأجهزة الأمريكية حسب مجلة تايم من الاعتماد على أسلوب العمل من المنزل، نظرا للحاجة إلى حماية المعلومات السرية، خاصة وأن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرها لديهم مهارات قرصنة متطورة. وفي حين يمكن إجراء بعض المحادثات على الهواتف المحمولة المشفرة التي يحتفظ بها المستخدمون معهم، فإن الشبكة السرية التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية وغيرها من المؤسسات لتبادل المعلومات، والتي يطلق عليها SIPRNet، تعتمد على شبكة راوتر بروتوكول سري للإنترنت، وهي غير مخصصة للاستخدام المنزلي.

وكذلك في أميركا، أرسل روبرت آشلي، مدير “وكالة الاستخبارات الدفاعية”، مذكرة إلى الموظفين خلال شهر مارس يخبرهم فيها أن الاختصاصيين النفسيين التابعين للوكالة جهزوا مقطعا مرئيا حول كيفية التعامل مع التوتر والقلق الحادثين أثناء جائحة كورونا. كما شجع أشلي الموظفين على مراقبة تنفسهم، وممارسة الرياضة والضحك قليلا خلال الأزمة.

تداعيات كورونا على الأجهزة الأمنية الفرنسية

أما في فرنسا، فعلى غرار المؤسسات الأخرى بالدولة، أغلقت أجهزة الاستخبارات الفرنسية مقارها في محاولة للحد من انتشار وباء كورونا. وبموجب مرسوم صدر في 17 مارس، أجّلت “المديرية العامة للأمن الخارجي [وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية] اختبارات القبول والترقية الخاصة بها، والمفترض عقدها خلال الفترة من إبريل إلى يونيو، ولن تجري مقابلات حتى سبتمبر. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تكافح فيه الوكالة من أجل تعيين موظفين جدد وتثبيتهم.

وكذلك برزت مشاكل لوجستية كبيرة في مقار المديرية بسبب انتشار الوباء. حيث تترتب على العمل من المنزل تعقيدات متعلقة بحاجة العملاء إلى الولوج إلى وثائق مصنفة على أنها سرية ولا يُسمح بالاطلاع عليها سوى عبر أجهزة الحاسوب الموجودة في المقار. كما تتعرض “الاستخبارات البشرية الفرنسية” لأزمة في الخارج، لاسيما في الدول الأكثر تضررا بالعدوى مثل الصين وإيران حيث يُفرض الحجر أو العزل المنزلي.

تداعيات كورونا على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية

كانت الحكومة الانتقالية الصهيونية، برئاسة بنيامين نتنياهو، أول حكومة تطلب من أجهزة استخباراتها تعقب حاملي الفيروس المحتملين أو الذين كانوا على اتصال بأشخاص مصابين. وقد تولى جهاز الشاباك (جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي) زمام المبادرة في نشر أدوات تقنية وسيبرانية متطورة للغاية لتنفيذ المهمة. حيث تجمع البيانات عبر تقنية تحديد الموقع الجغرافي من الهواتف المحمولة، ولقطات كاميرات المراقبة، ومراقبة الشبكات الاجتماعية.

الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تتعرض لتحديات حقيقية تهدد قدراتها على مواصلة أداء مهامها بفعالية في ظل انتشار وباء كورونا، وهو ما يتثقل كاهل الدول الكبرى والفاعلة بمزيد من الأعباء.

كما زودت وزارة الصحة جهاز الشاباك بمعلومات عن الأشخاص الذين دخلوا المستشفيات أو أصيبوا بالعدوى. وبدوره، يستخدم الشاباك البيانات التي يجمعها لمتابعة المسار الرقمي لكل مريض لتحديد تفاعلاته الاجتماعية وتحديد الأشخاص الذين تواجدوا على بعد مترين من المريض لأكثر من بضع دقائق. ثم يرسل الشاباك أسماء الأفراد الذين تم تحديدهم إلى وزارة الصحة، التي تتواصل بدورها مع حاملي الفيروس المحتملين لفحصهم، وإذا لزم الأمر، يتم عزلهم.

ومن جانب آخر، تولى جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) أمر جلب شحنات الأقنعة الواقية “الكمامات” من نوعية “FFP2” من دول الخليج الصديقة للكيان الصهيوني.

كما عرضت شركة “NSO” المساعدة في تعقب الأشخاص المصابين بالفيروس في ظل تأثر صناعة الاستخبارات السيبرانية الصهيونية بشكل خطير جراء الجائحة. حيث شهدت الصناعة التي تعتمد بشكل كبير على الأعمال الدولية والتصدير، انخفاضا في عملياتها مع بدء إغلاق الدول لحدودها. وتم تعليق عقود العديد من الشركات مع وكالات الاستخبارات الأجنبية، وبدأت بعض الشركات في تسريح الموظفين.

كما تجد الشركات صعوبة في تشغيل العقود الحالية، وبخاصة تقديم خدمات ما بعد البيع للأدوات شديدة الحساسية. وفي الوقت نفسه على الصعيد المحلي، أُغلقت حاليا قواعد الجيش الإسرائيلي ومقار أجهزة الاستخبارات المختلفة في أنحاء البلاد.

من خلال ما سبق يتضح أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تتعرض لتحديات حقيقية تهدد قدراتها على مواصلة أداء مهامها بفعالية في ظل انتشار وباء كورونا، وهو ما يتثقل كاهل الدول الكبرى والفاعلة بمزيد من الأعباء.

المصدر: موقع البوصلة

التعليقات