لا يجيز البعض النزول في المظاهرات بحجة أن الراية ليست نقية.. ويستدل بقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّة)
فأحببت أن أنقل لكم من نفائس كلام أهل العلم في شرح الحديث ما يدل على تهافت حجتهم.. وأن الانقلابيين أولى بالراية العمية من رافضي العلمانية العسكرية..
قال أحمد بن حنبل : هو الأمر الأعمى كالعصبية لا يستبين ما وجهه ، وقال إسحاق : هذا في تهارج القوم ، وقتل بعضهم بعضًا ، كأنَّه من التعمية ، وهو التلبيس .
وفي حاشية السندي على ابن ماجة: قَوْله ( تَحْت رَايَة عِمِّيَّة ) بِكَسْرِ عَيْن وَحُكِيَ ضَمّهَا وَبِكَسْرِ الْمِيم الْمُشَدَّدَة وَمُثَنَّاة تَحْتِيَّة مُشَدَّدَة وَهِيَ الْأَمْر الَّذِي لَا يَسْتَبِين وَجْهه كَقَاتِلِ الْقَوْم عَصَبِيَّة.. وَقَوْله تَحْت رَايَة عِمِّيَّة كِنَايَة عَنْ جَمَاعَة مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْر مَجْهُول لَا يُعْرَف أَنَّهُ حَقّ أَوْ بَاطِل..
قال النووي في شرح مسلم: وَمَعْنَاهَا : أَنَّهُ يُقَاتِل لِشَهْوَةِ نَفْسه وَغَضَبه لَهَا ، وَيُؤَيِّد الرِّوَايَة الْأُولَى الْحَدِيث الْمَذْكُور بَعْدهَا : يَغْضَب لِلْعَصَبَةِ ، وَيُقَاتِل لِلْعَصَبَةِ ، وَمَعْنَاهُ : إِنَّمَا يُقَاتِل عَصَبِيَّة لِقَوْمِهِ وَهَوَاهُ .
وفي شرح السيوطي وغيره لسنن ابن ماجة:
والعصبية معاونة ظلم للتعصب والمحاماة والموافقة عمن يلزمك امره أو تلتزمه لغرض وقوله فقتلته جاهلية أي من صنيع أهل الجاهلية والكفر والجاهلية زمان الفترة بين نبينا وعيسى عليهم الصلوات..
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين:
والعصبية: نصرة القوم على هواهم وإن خالف الشرع.
قال ابن حجر في فتح الباري:
ذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين..
وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق… وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك…
قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء انتهى.
وقال محمد رشيد رضا في الخلافة:
والعمية بضم العين وكسرها ( لغتان ) وتشديد الميم وفسروها بالكبر والضلال والمراد بها عظمة القوة والبطش ، والتغلب الذي لا يراد به الحق ولذلك بينه بأنه يغضب للعصبة وهي بالتحريك قوم الرجل الذين يعصبونه ويعتصب بهم أي يقوي ويشتد ، وفي رواية العصبية وهي نسبة إلى العصبة..
وأنت تعلم أن المتغلبين ما قاموا ولا يقومون إلا بالعصبية ، المراد بها عظمة الملك العمية ، لا يقصدون بقتالهم إعلاء كلمة الله ، ولا إقامة ميزان الحق والعدل بين جميع الناس ، وما أفسد على هذه الأمة أمرها ، وأضاع عليها ملكها إلا جعل طاعة هؤلاء الجبارين الباغين واجبة شرعا على الإطلاق ، وجعل التغلب أمراً شرعيا كمبايعة أهل الاختيار من أولي الأمر ، وأهل الحل والعقد للإمام الحق ، وجعل عهد كل متغلب باغ إلى ولده أو غيره من عصبته ، لأجل حصر السلطان والجبروت في أسرته ، حقا شرعيا وأصلا مرعيا لذاته.
التعليقات