إن القول بأن (الأحكام قطعية الثبوت والدلالة) هي فقط التي لا اجتهاد معها وما سواها من أحكام فيسع كل من هب ودب (من نواب البرلمان) الاجتهاد وتبني خلافها طبقا لما تقتضيه المصلحة التي تتغير بتغير الأزمان والبلاد (قول مبتدع في دين الله)..
ولكن قبل التعرف على وجه البدعية فلنتعرف أولا على المراد بقطعية الثبوت والدلالة:
أولًا: القرآن قطعي الثبوت كله لأنه نقل إلينا بالتواتر.. ولكنه غير قطعي الدلالة كله.. فمنه القطعي (الذي لا احتمال معه).. ومنه الظني.. ولكن (الخدعة) هنا أن الظني معناه في أصول الفقه ما غلب على الظن وترجح (مع وجود احتمالات أخرى في اللغة ولكنها مرجوحة) .. ولهذا وجب العمل بما دل عليه كالقطعي سواء بسواء..
مثال القطعي الدلالة قول الله تعالى: (فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).. فهو نص قطعي الدلالة لأنه حدد نصيب كل واحد بعدد معين من الجلدات فلا احتمال في اللغة غير ما نصت عليه الآية..
مثال الظني الدلالة قول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ).. فالقروء في اللغة جمع قرء وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الطهر كما تستعمل بمعنى الحيض.. ولذلك اجتهد البعض فرجح أن العدة ثلاث حيضات.. ورجح البعض الآخر أنها ثلاثة أطهار.. فهذه الأحكام تسمى أحكام ظنية أي غلب على ظن المجتهد رجحان أحد الاحتمالات.. ولكن الجميع متفق على عدم الخروج عن هذين الاحتمالين لأن اللغة لا تحتمل غيرهما..
وإنما يستفاد من التفريق بينهما (القطعي والظني) عند توهم التعارض فقط فيقدم القطعي على الظني.. لكن لا فرق بينهما من جهة العمل عند عدم التعارض.
ثانيًا: السنة منها ما هو قطعي الثبوت وهو الحديث المتواتر وهي أحاديث معدودة.. أما باقي الأحاديث (الصحيحة) التي تقدر بالآلاف فهي ظنية الثبوت أي (يغلب على الظن ويترجح صحتها).. وتسمى أحاديث الآحاد..
ولهذا وجب العمل بما دلت عليه سواء كانت الدلالة قطعية (لا حتمال معها) أم ظنية (تحتمل في اللغة عدة احتمالات ولكن يغلب على الظن أحدها)..
وقد أفرد الإمام الشافعي في كتاب (الرسالة) أول مؤلف في أصول الفقه جزءا كبيرا من كتابه للكلام على حجية أحاديث الآحاد ووجوب العمل بها شرعا..
فبدعية هذا القول تتلخص في الآتي:
1-هذا القول يخالف المتفق عليه من أنه لا اجتهاد مع النص (قطعي الدلالة) فقط.. دون النظر في قطعية الثبوت إلا حين التعارض مع دليل آخر فيجب الجمع بينهما إن أمكن إعمالا للدليلين.. فإن لم يمكن الجمع صرنا إلى الترجيح وكان من المرجحات تقديم قطعي الثبوت على ظني الثبوت.
2-الاجتهاد لا يجوز إلا لمن حصل آلة الاجتهاد المنصوص عليها في علم أصول الفقه والتي لا تنطبق على المحكمة الدستورية فضلا عن أعضاء البرلمان.. ولذلك كان الواجب ألا يسن قانون إلا بإشراف هيئة كبار العلماء التي تشكل لتقوم بما تقوم به المحكمة الدستورية وزيادة.. ويكون رأيها ملزما وليس استشاريا.. فهم أمراء الأمراء وأولي الأمر المأمور بطاعتهم في كتاب الله.
التعليقات