دارت أحداث هذه الواقعة في مدينة الزقازيق بمصر؛ ففي يوم 22 فبراير عام 2014 فوجئ ضابط الأمن الوطني المقدم “محمد عيد” بشاب يطلق النيران عليه أثناء قيادته لسيارته متوجها إلى عمله، مما أدى إلى مقتله في الحال.
الحادث كان ملفتا للانتباه، فالقتيل ضابط مخضرم يبلغ من العمر 39 سنة، وسبق أن تولى قبل ثورة يناير رئاسة قسم “الشؤون الإدارية وأمن العاملين” بفرع أمن الدولة بمحافظة الشرقية، واستمر في الخدمة بجهاز الأمن السياسي العتيد عقب تحول اسمه من أمن الدولة إلى الأمن الوطني، وأشرف عقب الثورة على تأمين منزل الرئيس المصري د. محمد مرسي بمدينة الزقازيق، وهو المنزل الذي طالما تعرض للاعتداءات من قبل بعض المأجورين طوال السنة التي حكم فيها مرسي.
زاد من خطورة حادث الاغتيال أنه وقع عقب أسبوع دموي، مطلع شهر فبراير، شهدته محافظة الشرقية، إذ قام شاب مجهول الهوية رفقة زميل له يقود دراجة نارية باغتيال 6 أمناء شرطة في 5 حوادث متفرقة بإطلاقه رصاصة واحدة من مسدسه على رأس ضحاياه، مما دفع وزارة الداخلية إلى إيفاد وفد رفيع المستوى إلى المحافظة يضم مساعد وزير الداخلية للأمن، ومساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة الأمن العام للإشراف على التحقيقات في تلك الحوادث الغامضة.
ومن ثم أصدر مدير أمن الشرقية قرارا في 8 فبراير بمنع ارتداء عناصر الشرطة للزي الرسمي خارج مقار عملهم، وحظر ركوب أكثر من شخص على الدراجات النارية، ونشر 14 دورية أمنية راكبة على مختلف الطرق لتأمين عناصر الشرطة وإحباط أي محاولة لاستهدافهم.
عقب التشديدات الأمنية الأخيرة توقف مسلسل الاغتيالات لبضعة أيام ثم عادت الهجمات بشكل أكثر عنفا يوم 20 فبراير، إذ هاجم الشاب المجهول سيارة شرطة بالقرب من معسكر قوات الأمن بالزقازيق مما أسفر عن مقتل شرطي بطلقة في الرأس وإصابة 3 آخرين، ثم هاجم في نفس اليوم قوة جيش مما أسفر عن إصابة اثنين من العسكريين، ثم بعد ذلك بيومين نفذ حادث استهداف المقدم محمد عيد.
استمرت تلك الهجمات بشكل مكثف ووتيرة متسارعة إلى أن وقع حادث يوم 9 مارس وكشف منفذها، ففي ذلك اليوم هاجم الشاب المجهول أمين شرطة أثناء تنظيمه لحركة السير بالزقازيق فأرداه قتيلا، فطارده الأهالي رفقة أمين شرطة آخر بقطاع الأمن الوطني يركب دراجة نارية، فأطلق الشاب عليه رصاصات من مسدسه أصابته في رقبته، ولكن تمكن شرطي ثالث تصادف وجوده بالقرب من مكان الحادث -لشراء مستلزمات من محل خردوات- من إطلاق 3 رصاصات على ظهر الشاب فأرداه قتيلا. ومن ثم تعرفت الشرطة على هويته، وتكشفت أبعاد الحوادث التي نفذها.
تبين أن هذا الشاب المجهول هو “أحمد عبد الرحمن” الطالب بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وسبق له الارتباط قبل الثورة ببعض معتنقي الأفكار الجهادية، مما دفع جهاز الأمن الوطني لمداهمة منزله بواسطة قوة يقودها المقدم “محمد عيد” والذي عند عدم عثوره على “أحمد” قبض على والده بعد أن صفعه على وجهه أمام زوجته واحتجزه لمدة شهر، ليتوفى الوالد بعد خروجه من الاحتجاز بمدة يسيرة، مما دفع الابن للانتقام من المقدم “محمد عيد”.
وكشفت التحقيقات مع أصدقاء وأقارب “أحمد” أن نشاطه لم يقتصر على محافظة الشرقية بل امتد إلى محافظة بني سويف التي نفذ فيها عدة اغتيالات بمعاونة بعض أصهاره المقيمين في تلك المحافظة. كما نفذ عمليتين أيضا بمحافظة الجيزة في يوم واحد، إذ استهدف أمين شرطة يركب سيارته الخاصة بطلقة نارية في رأسه، وظنت الشرطة أن الحادث من تنفيذ “مسجلين خطر” حاولوا إيقاف سيارة الشرطي بالإكراه، فلما لم يمتثل لهم، أطلقوا النار عليه وقتلوه.
ولكن لم تمض 3 ساعات إلا ووقعت حادثة أخرى دقت ناقوس الخطر في أرجاء مديرية أمن الجيزة، إذ أطلق “أحمد” من مسدسه 4 رصاصات على سيارة شرطة بمنطقة طموه، مما أسفر عن مقتل شرطي وإصابة اثنين آخرين إصابات حرجة في الرأس، ما دفع القيادات الأمنية بالمحافظة إلى عقد اجتماع عاجل أورده موقع المصري اليوم في 4 مارس 2014 قائلا “عقدت القيادات الأمنية بمديرية أمن الجيزة اجتماعات موسعة بحضور العشرات من ضباط المباحث مساء أمس الأول، وجهت خلالها القيادات الأمنية بتطوير جهود البحث عن المتهمين، والتنسيق بين فرق البحث لتحديد هويتهم وضبطهم، بعد أن كشفت التحريات أن منفذي الواقعتين محترفون أطلقوا النيران من طبنجات، وأصابوا جميع الضحايا بطلقات نارية قاتلة في الرأس والرقبة… وناقشت الاجتماعات.. ضرورة احتياط الضباط والأفراد لإجراءات الأمن الذاتي، خاصة عقب حصولهم على الإجازات أو عقب انتهاء مهامهم المكلفين بها”.
كشفت التحقيقات أيضا أن “أحمد عبد الرحمن” كان قبل ثورة يناير متأثرا بالفكر الجهادي دون أن ينخرط في أي عمل مسلح، ورغم ذلك تعرض للاعتقال والتعذيب لمدة وجيزة في مطلع يناير 2011 كعقاب على قناعاته الفكرية فقط، وعقب اندلاع الثورة خرج من المعتقل، واهتم بالعمل الخيري والاجتماعي، وساهم في توزيع أنابيب الغاز على سكان منطقته بأسعار رمزية، ولكن ما أحدث تغيرا جذريا في حياته هو الانقلاب العسكري منتصف عام 2013 وما تلاه من مجازر جماعية مروعة ضد الأبرياء واعتقالات للنساء والفتيات، إذ لعبت تلك الأحداث الدموية دورا محوريا في تحول “أحمد” ورفاقه نحو العمل المسلح تحت اسم تنظيم “أنصار الشريعة في أرض الكنانة”.
تبين قصة هذا الشاب أثر الواقع في دفع معتنقي الأفكار الجهادية للانتقال من الإطار العقائدي الفكري إلى الممارسة العملية، مما يؤكد الحقيقة التي يسعى البعض للتغاضي عنها، والمتمثلة في أن إرهاب الدولة وقمعها للمواطنين هو السبب الأساسي في توليد ردود الأفعال العنيفة، فالأمن والأمان لا يتحققان أبدا في ظل منظومة حكم استبدادية طاغوتية تمتهن كرامة الإنسان وتسلبه حقوقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
أحمد مولانا- دراسة (تنظيم أنصار الشريعة في أرض الكنانة)- ط. المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية.
التعليقات