كنت في حديث يفيض بمشاعر الحب النادر والأخوة الصادقة مع صفوة من رجال صعيد مصر .. فعقد أحد المشايخ الحضور مقارنة بين حال المتدينين في السبعينيات ومابعدها وبين حالهم اليوم..
وكيف كان الأوائل أقل عددا ولكن أكثر تأثيرًا في الشارع بخلاف اليوم حيث زاد العدد وقل التأثير؛
وشكى من حالة التعايش مع المنكر الذي أصاب الكثير من المتدينين.. فتذكرت محاضرة خاصة لفضيلة الشيخ أشرف عبد المنعم .. استطاع فيها أن يوقف كل واحد من الحضور أمام مرآة نفسه، ليراها على حقيقتها بدون زينتها الاجتماعية..
وكيف أن الكثير منا دون أن يشعر قد يقبل بأن يعقد الشيطان معه هدنة، يرضى فيها الشيطان (مؤقتا) بما احتله من قلبه، في مقابل أن يوقف هجومه المتواصل لكسب مساحات جديدة.. فيظن العبد آنذاك أن أمره قد استقر بعد مسلسل الفتن الذي أنهكه إبان حربه للثبات على تدينه..
وتكون النتيجة: أن يقيم الأخ على معصية من المعاصي كتكرار الجلوس على المقاهي أو التوسع في النظر إلى وجوه النساء وعدم غض البصر أو التعود على استماع الموسيقى والغناء في الفضائيات ووسائل المواصلات… الخ..
ولا ينحصر الأمر في الإقامة على بعض المعاصي، بل الصورة الأشهر هي ترك الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الدعوة إلى لا إله إلا الله، والتي لا يكمل الإيمان بها إلا بالدعوة إليها، أو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة أعداء الدين والتي لا يفهم كثير من الناس الفرق بينها وبين اتباع سنته حتى الآن فضلًا عن القيام بها،
ويتضح ذلك بالمغايرة بينهما في قوله تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).. إلى غير ذلك من واجبات الدين الضائعة في غمرة الانشغال بتحسين المعاش في الدنيا..
وأول العلاج في الاستجابة لأمر الله عز وجل في منابذة الشيطان العداء، قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)..
وثاني خطوة في العلاج: الحفاظ على الأوراد من الصلاة والقرآن والذكر فهي الضوء الكاشف لهجمات الشيطان على القلب..
وثالثها: جعل هم الدين هو الهم الأول وإلا كان من المحرومين الداخلين في قوله: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)..
ورابعها: أخذ الدين بقوة.. لا انبطاح ولا خور.. ولا تمييع ولا أنصاف حلول.. قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)..
خامسها: لزوم صحبة الإيمان والثبات على أمر الله.. وهما متلازمان.. بلا غلو ولا تفريط قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ).
وأخيرا
سؤال الله.. (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)..
التعليقات