إن من أخطر النجاحات التي حققها المجرمون نجاحهم في إفقاد كثرة من المسلمين إحساسهم بذواتهم وبقدرتهم على الفعل والتأثير في مسار الأحداث وتغيير مجريات الحياة، مما حدا بقطاعات واسعة إلى الانكفاء على المصالح الدنيوية والأمور الحياتية وقصر الاهتمام على ممارسة الشعائر التعبدية دون العناية بشئون المسلمين العامة وقضاياهم الكبرى والمصيرية.
وعند تأمل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وشواهد التاريخ نجد أن بعض دواء هذا الداء الخطير يكمن في حسن تصور وفهم قضية الاستطاعة .
1- يقول تعالى ” لا يكلف الله نفساً إلا وسعها” ( البقرة – 86). فإن من آثار رحمة الله عز وجل بعباده أنه لا يكلفهم بما هو خارج نطاق استطاعتهم أو فوق طاقتهم ، ولا يبتلي العباد إلا بما يستطيعون تحمله من إبتلاءات فعَنْ سَعْدِ بْنِ أّبِي وّقَّاصٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: “الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ”.الترمذي (رقم 2398) – وصححه الألباني (المشكاة ، رقم 1562) .
وإدراك هذا الأصل لا يدع مجالاً لأحد للزعم بأن تغيير واقع المسلمين للأحسن مستحيل ، لأن كل اختبار يمر به المسلمون يكون في حدود قدراتهم وإمكاناتهم ويستطيعون تجاوزه إذا بذلوا ما في وسعهم وصبروا ففي الحديث “واعلم أن النصر مع الصبر …… ، ومن يزعم غير ذلك إنما ينسب الظلم لله عز وجل ، و الله عز وجل من نسبة الظلم إليه برئ ،يقول تعالى “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” ( يونس-44) وفي الحديث القدسي” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ” (مسلم).
2- يقول النبي صلى الله عليه وسلم” أوك سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عوداً” (متفق عليه)- وفي لفظ أبي داود” فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء”.
فالحديث يأمرنا بتغطية الآنية ولو بعود ،مما يمنع الشيطان من قربانها بالرغم من أن العود لا يغطيها كليةً ، ولكن الله يعلم عجزنا وعدم استطاعتنا أكثر من ذلك فيجعل العود حاجزاً للشيطان، ولهذا أمرنا الله بإعداد ما نستطيع من العدة ولم يأمرنا بان نعد ما يكافئ قوة العدو ، يقول تعالى “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ” (الأنفال-51).
ولما أدرك نفر من أصحاب موسى هذه الحقائق قالوا “ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” ( المائدة- 23). فبتوكل المؤمنين على الله عزوجل ويقينهم بوعده بالنصر وبأخذهم بما يستطيعون من الأسباب ، يبارك الله في أعمالهم ويلقي الرعب في قلوب أعدائهم وينصرهم دون أن تتكافئ موازين القوى المادية بينهم وبين أعدئهم .
وهاهي أحداث التاريخ تروي لنا قصة غلام الأخدود إذ ورد فيها أن الغلام (أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس).
ختاماً: إن الشيطان يسعى في أوقات الشدائد والمحن لإلقاء الهزيمة النفسية في قلوب المؤمنين ، ويخوفهم بأولياءه ، ويوهمهم أنه وجنده ذوو بأس وشدة ، مما يزرع الضعف في النفوس، والخور في القلوب، ويفقد الإنسان إحساسه بذاته، وبقدرته على المدافعة يقول تعالى ” إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” ( آل عمران- 175).
وهذا الأسلوب الشيطاني نستطيع التغلب عليه بحسن التوكل على الله عز وجل واليقين بوعده بالنصر لعباده المؤمنين وبحسن تصور وفهم قضية الاستطاعة وباستحضار أن كل شئ في هذا الكون خاضع لله عز وجل وأن الشيطان وأولياءه لا يملكون شيئاً من أمر الدنيا ، وأن كيدهم مهما كبر وعظم فهو في النهاية ضعيف” فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا” ( النساء-76).
التعليقات