لم تتسق حتى الآن تحليلات كثير ممن حاولوا تفسير إقالة وزير الداخلية وهل هي خطوة إيجابية أو محاولة للوصول لحالة مستتبة لنظام السيسي كبداية لصفحة جديدة واستجابة لضغوط سعودية ودولية؟ حتى كاد بعضهم أن يسبشر خيراً !!
بينما ظن آخرون أنها بداية لمرحلة مختلفة فقط من القمع والبطش والتنكيل بفريق من المصريين؟!
ثم جاءت بعدها بأيام فاجعة قتل الشهيد المظلوم محمود رمضان لترجح أو تكاد الخيار الثاني حتى خاض بعضهم أنها بداية لمرحلة تنفيذ أحكام الإعدامات التي تجاوزت الألف وعلى رأسها الرئيس الشرعي والقانوني للبلاد د.محمد مرسي وقيادات الإخوان والإسلاميين.
وفي الحقيقة ولقراءة مشهد بهذا التعقيد أجد أنه من الواجب أن نتناوله أو نحيط به من جميع جوانبه، وبكافة معطياته مع تنحية المشاعر الحالمة أو المصدومة؛ فكلتاهما لا تصمدان في ميدان التحليل المنطقي أو السياسي السليم، ولا تؤديان أبداً إلى نتائج صحيحة.
فمن وجهة نظري فإن إقالة محمد إبراهيم إنما هي خطوة طبيعية تماماً، بل ومتأخرة جداً، ولا تقل طبائعية عن إقالة صدقي صبحي بعد تعديل الدستور بالبرلمان القادم، إذ يعد الرجلان هما شريكا السيسي الرئيسيين في انقلابه، والرجل لا يريد شركاء له في ملكه، وهذا هو المعتادً في جميع النظم الديكتاتورية على مر التاريخ؛ أن يقصي الطاغية جميع أصدقائه الذين أوصلوه إلى سدة الحكم؛ قبل أن يتخلص من بقية أعدائه.
فأما إقالة إبراهيم فهي ضرورة لكسر أنف الداخلية لصالح جماعة الجنرالات، فالداخلية تعيش حالة من الزهو والمنة على النظام بأنها استطاعت إعادة الشارع لحالة التدجين ما قبل ثورة 25 يناير، ونسيت في ذلك أن هذا التدجين إنما هو أثر عارض حدث تحت القمع المسلح والجريمة ويوشك أن ينتهي قريباً على يد جيل حلم بالعزة والكرامة يوماً ما، كما نسي أنه لولا دعم وحماية ومشاركة قوات الصاعقة والمظلات وال 777 لما استطاعت الداخلية المهزومة والمهزوزة والمنكسرة في 28 يناير أن تنزل الشارع مرة أخرى لتمارس هوايتها غير الحميدة في قتل وذبح وتعذيب وسجن المصريين.
ومعلوم أن محمد إبراهيم من الأنبياء كما أفتى سعد الدين الهلالي مقابل ظهوره في حلقة متلفزة، وأنا على يقين بنبوته فلابد للدجال من مبعوثين في آخر الزمان، ويبدو أنه كان قد نسي نفسه فبدأ يتصور أنه شريك في الملك أو الحكم بالاصطلاح الحديث، ولذا كان قد شرع في تدشين “مراكز قوى” كتثبيت لوضعه على عينة مراكز القوى في عهود سبقت.
كما يواجه السيسي ضغوطاً متزايدة من السعودية والغرب للتعجيل بحلحلة الأزمة التي توشك أن تودي بالمنطقة كلها، أو أن تلقي بآلاف من الشباب المطارد والمكلوم والمسجون والمقتول في أحضان الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي يسمونها “داعشاً”!!
كان لابد من كبش فداء سمين في حجم محمد إبراهيم إذاً، ترضية للغرب وتهدئة مع السعودية؛ لا مع الإسلاميين ولا الثوار ولا الإخوان، كما أن تعيين خلفه مجدي عبد الغفار جلاد أمن الدولة؛ هو محاولة يائسة لبدء مرحلة مراجعات أو توقيع اتفاقيات الخنوع وتدشين مرحلة سلام الضعفاء، مع قوى الوطن وعلى رأسها الإخوان، وهذه بالضرورة تستلزم تكسير العظام بصورة فعالة وموضعية وهو ما يجيده جلادوا الأمن تماماً، ولذا فلابد في هذه المرحلة من تصعيد إجرامي أملا في الوصول إلى التركيع الكامل للقوى الحية الباقية في مصر، ومن هنا ارتكبت عن سبق العمد والترصد جريمة إعدام الشهيد الحي محمود رمضان فجر الأحد 8 مارس 2015م.
جاء سعد الحريري في زيارة مفاجئة إلى مصر عشية إعدام شهيد مصر محمود رمضان، ومن الواضح أن الرسالة بهذه الصفة عاجلة؛ وهو المقرب من دائرة الأسرة السعودية، وحامل الرسائل الخاصة والسرية التي لا يريد ابن سعود إرسالها بنفسه، وفي ظني أن للأمر علاقة بحادثة الإعدام الإجرامية، ولكن ليس في هذا ما يعنينا بالمرة، فالسيسي الذي بدأ يقدم التنازلات ويلعب بآخر أوراقه، يبدو مهتزاً ولا يملك مشروعاً لإدارة الدولة سوى المصابيح الموفرة وسيارات الخضار وجهاز الكفتة ومشروع قناة السويس الجديدة التي أوقفها الثعبان الضخم، طبعاً إضافة إلى القمع العسكري الدموي وتسول دول الأرز أو دول الخليج.
وأنا أجزم بأن الورطة الحالية أنه ليس من الممكن أن تقوم اية اتفاقيات أو تسويات إلا بزوال النبي أو المبعوث الثاني للدجال، والذي يمثل رأس المرحلة الثالثة لدولة الإجرام، فقد بدأت الدولة العسكرية بما يمكن أن نسميه بـ”الدولة الفاشلة”، ثم تدرجت لتصبح ما اصطلح عليه بـ”الدولة العميقة” ثم ارتقت اليوم لمرحلة الدولة المجرمة، وبهذا الاعتبار فإن مؤسسات هذه الدولة المجرمة لن تستسلم هذه المرة لسقوط النظام الجديد، لا لصالح السعودية ولا أمريكا، بل ستخوض حربا شعواء لتدمير ما تبقى من بنية المجتمع إذا أيقنت بالزوال، وسيعمدون لتحقيق ذلك إلى عمل حالة اخلاء مفاجئة وفوضي شاملة تتم إدارتها بما يكفل تصفية بقايا الرموز والقيادات السياسية والاجتماعية من كافة التيارات بغية تقويض المجتمع ذاته!!
بدأ السيسي يقدم تنازلاته إذن كما بدأ ورقة الإعدامات بينما يقول لوزرائه الجدد أن الدولة ليس فيها جنيهاً واحداً وليدبروا أنفسهم كما يشاؤن، الصمود والتصعيد السلمي الذي يحافظ على ما تبقى من البلد هو عنوان المرحلة وهو الذي سيدفع النظام للرضوخ شاء أم أبى لإرادة الأمة وهو الذي سيفشل خطة التفريغ والتدمير التي “ينتوي” النظام هدم المعبد بها إذا أيقن بالنهاية.
التعليقات