لن أقف كثيراً عند التغيير الوزاري الجديد والذي يبدو متماسكاً بعض الشيء وتجديدياً في بعض نواحيه، إذ يظهر أن المعول الأساسي في الاختيار كان على المهنية (التكنوقراط) والاقتصاد رغم أنه يغلب على أكثر السادة الوزراء الجدد الجانب الأكاديمي ولم يعرف عن أغلبهم أية إنجازات عملية من قبل إلا أننا نفضل عدم استباق الأحداث والتسرع في الحكم على كفاءتهم قبل ان يبدءوا كما يفعل البعض.
ومن الملاحظ أيضاً أنك لا تكاد تجد منهم من يحسب على جماعة الإخوان إلا الدكتور بشر وهو يصنف على أنه مقرب من الجماعة لا أنه منتمي إليها وإن كنت شخصياً لا أرى بذلك بأساً وهو أن يشكل حزب الأغلبية الحكومة وأرى أن كل الضجة المصطنعة التي نصبت في مصر منذ تولي ” الرئيس مرسي “ ربيب جماعة الإخوان المسلمين هي من قبيل اللعب بالأعصاب والتشويش السياسي والضغط على جماعة الإخوان والتي يبدو أن البعض صار يفهمها جيداً وأنها إذا ضُغطت انضغطت، على أي حال فالأعراف الغالبة سياسياً في دول العالم هي أن أحزاب الأغلبية هي من تشكل الحكومات، بل إن هذا أدعى للاستقرار السياسي في الدولة، وعلى كل فالدستور المصري المستفتى عليه بالأغلبية يضبط كلا النقطتين إذ يشكل حزب الأغلبية في مجلس النواب الحكومة كما وأن من عيوبه أنه يجعل معظم القرارات مشروطة بموافقة الرئيس والبرلمان وأحياناً الحكومة أيضاً وهو ما يجعل الأمور مرشحة للفوضى في حالة عدم التوافق بين الجهات الثلاثة أو في حالة عدم وجود أغلبية!!
وكان من أهم الوزارات التي تم استبدال وزيرها هي وزارة الداخلية والعجيب أن من اعترضوا على تولي الوزير أحمد جمال الدين للمسئولية هم أنفسهم من اعترضوا على إقالته استكمالاً ـ على ما يبدو ـ لمسلسل الاستغماية السياسية التي تلعبها الأطراف جميعاً في اللحظة الراهنة، كما زعم البعض أنه أقيل ترضية للأستاذ ” حازم ابو إسماعيل “، وهي عجيبة الدنيا “الثامنة” على ما يبدو؛ إذ أن الرجل على خلاف شديد مع جماعة الإخوان المسلمين يعرفه القاصي والداني.
جاء إذن الوزير محمد إبراهيم (الثاني) ليثير تساؤلاً قديماً جديداً، وهو:
ما الذي سيقدمه للوطن والمواطنين بل والداخلية نفسها؟
فليس المهم هو تغيير الأشخاص في الحقيقة بل إننا ينبغي أن نعرف بالفعل في مصر ما بعد الثورة لماذا أقيل الأول و لماذا جاء الثاني وما هي مسوغات تعيينه إن جاز التعبير؟
إن وزارة الداخلية تحديداً هي مفتاح رضا المواطن عن أي نظام في أية دولة تعاني حالة ثورية كمصر؛ ولابد هنا من الاستفادة من التجارب السابقة فنظام الرئيس عبد الناصر قد نجح في أقل من سنتين في القضاء على نفوذ جهاز البوليس السياسي أو “المخصوص” التابع للملك حيث تم القبض على قياداته كمحمد ابراهيم ومحمد يوسف، وإحالة الباقين للتقاعد، كما نقل صغار الضباط لأماكن متفرقة، وعلى إثرها عمد إلى تشكيل الجهاز الجديد وبناء منظومته الخاصة من عناصر شابة تنتمي لإدارات أخرى بالداخلية برئاسة ضابط كفء اسمه أحمد النحاس وكان يعمل مأموراً لقسم روض الفرج؛ وبالتالي ضمن ولاء عناصر الجهاز الجديد للثورة قبل أن يستعين بعدها بعام واحد بعدد من ضباط المخصوص للاستفادة من خبراتهم؛ كعبد العظيم فهمي الذي عين بديلاً للنحاس، دون أي تهديد لولاء الجهاز الجديد لقيادة الثورة.
ولم تزل التجربة الجورجية ماثلة للعيان حيث أقيل أكثر من ثمانية عشر ألف شرطي من جهاز المرور الأكثر فجاجة واحتكاكاً بالمواطن بشكل يومي مزعج واستعيض عنهم يآخرين مدنيين أو شرطيين من إدارات أخرى مع رفع اجورهم ورواتبهم وذلك كمقدمة لتطهير جهاز الشرطة ككل وبأقل تكلفة ممكنة رغم نصيحة الأجهزة الأمنية الأمريكية بان الأمر سيستغرق سنوات أو تعم الفوضى، ولا ينبغي أن تغيب التجربة التشيكية التي حوكم فيها آلاف الضباط والجنود من الشرطة للجرائم في حق الوطن والمواطنين لتتم عملية التطهير في أقل من ثلاثة سنوات.
التعليقات