عند الحديث عن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، لا بدَّ أن نذكر في البداية أننا كنّا أول من بادر بإطلاقها، بفضل الله تعالى، شراكة مع آخرين، لهم نفس المرجعية العلمية، وهي مدرسة السلفية بالقاهرة، كالشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ فوزي السعيد، وغيرهم من مشايخنا الكرام، ولا يخفى على أحد أن هؤلاء يشكّلون جزءًا أساسيًا من منظومتنا الفكرية والعلمية، فكان معنا إخوة أفاضل كالأخ م.أحمد السروي، وم.نضال حماد وم.إيهاب شيحة وم.محمود فتحي. فنحن وكل هؤلاء، اجتمعنا في البداية لإنشاء أول حزب إسلامي ذي توجّه سلفي، وهو ” حزب الفضيلة “. ثم حدثت فيه إشكالات ليس هذا محلّ الحديث عنها، أدت لإضعافه، مع أنه كان قد حقق زخمًا كبيرًا جدًا، واحتوى الواقع في بدايته، حتى إننا أنهينا جمع توكيلات الحزب في الوقت الذي كان مؤسّسو حزب النور ما زالوا متحيّرين في أمرهم، وكان ذلك خلال شهرين، بدءًا من مارس وحتى مايو 2011م حيث أعلن عن تأسيس حزب النور.
وأذكر حينها أن إحدى القيادات الكبرى فيه، جلست مع بعض المؤسسين في الفضيلة، لتشجّعهم على خيار الانفصال، واعدةً إياه بالدعم لاستكمال تأسيس الحزب مرة أخرى، وهو ما لم يحدث، بالإضافة لأشياء أخرى، لا داعي لذكرها الآن. تأسّس حزب النور إذن بإمكانيات مادية هائلة، ودعم غير مسبوق، ليشارك في الانتخابات النيابية بمجلسيها، ودعمته جميع القوى الإسلامية، باعتباره ممثلًا للحركة الإسلامية، وخاصة أصحاب المرجعية السلفية. على أساس أن الحرية والعدالة ذات مرجعية إخوانية، وهذا خيار إسلامي، لكنه ليس خيار أغلب السلفيين من الناحية الاجتهادية على الأقل.وعليه فإن حزب النور قد حظي بدعم كل القطاعات السلفية على مستوى الجمهورية، ولم تكن هذه القطاعات أصلًا ممثلة في الدعوة السلفية، الجماعة التي أطلقت الحزب.
دخل حزب النور المجلسين بنسبة 27%، مما أعطاه ثقلًا سياسيًا كبيرًا. ومباشرة بدأت مجموعة من الأخطاء الرهيبة والجسيمة جدًا
وتسبّب هذا الدعم وما بُني عليه من نسبة تمثيل في مجلسي الشعب والشورى في شيء من الزيف للواقع السياسي المصري عامة، والإسلامي منها خاصة، إذ تصدّر النور كمعبر – سياسي على الأقل- عن السلفيين، وهو ما أحدث نوعًا من الغرور لقادة الحزب والدعوة السلفية من ورائه، حتى أقنعوا أنفسهم وأرادوا أن يقنعوا الواقع بأن كل هذه الأصوات وهذا الثقل السياسي، تابع لهم بشكل عضوي. كما غرّ هذا الأمر الواقع العلماني، وربما بعض الواقع الاسلامي، أن هذا الثقل كله لحزب النور، مع أنه لم يدخل بثقله منفردًا، بل بثقل السلفيين جميعًا، وليس فقط الدعوة السلفية، والتي تعتبر حزب النور ذراعًا سياسيًا لها. دخل حزب النور المجلسين بنسبة 27%، مما أعطاه ثقلًا سياسيًا كبيرًا. ومباشرة بدأت مجموعة من الأخطاء الرهيبة والجسيمة جدًا، في كل الممارسات السياسية، رغم ادّعاء مؤسّسيه الحكمة وبُعد النظر، وكان أسوأ ما في الأمر هو السقوط في الاختبار الأخلاقي أمام الجماهير، فخرج فيه من يدعو لتحريم تدريس اللغة الإنجليزية، وتصدّر المشهد البلكيمي وبعض المتهمين بأفعال غير أخلاقية. كما غلب على أدائه عدم اعتبار نبض الجماهير والتفاعل مع آلامهم في مواطن عدّة، إذ خذلوا أهالي الشهداء والجرحى في أحداث محمد محمود، فخرج أحد نواب الحزب ليتهم المتظاهرين -وهم أهالي الشهداء والأسرى وغيرهم- بأنهم جميعًا بلطجية، ويتعاطون الترامادول. كما لم يكتفوا بعدم الذبّ عن أعراض البنات اللاتي تعرّين في ميدان التحرير، أو مورست عليهن كشوف العذرية، بل راحوا يتساءلون:
وما الذي ذهب بهن إلى هناك؟ أو لماذا لبسن اللباس الفلاني دون غيره؟!
انفضّت عنه أغلب القواعد السلفية، ولسان حالهم: ما لهذا دعمناك! وإنما لكى تنصر المظلومين وتفتح الأفق الإسلامي على مصلحة الوطن لا الحزب
مع أنّه، وبفضل الله، كانت هناك قوى إسلامية أخرى عريضة، تظاهرت هناك، وفي كل هذا المواطن، مثلتها قوى الإسلام الثوري وقطاعات من السلفيين غير المؤطّرين في جماعات بعينها، رغم دعم بعضهم لحزب النور يومًا ما، فانتصروا للبنات وللأعراض، وكنا معهم هناك، فتظاهرنا أمام مجلس الدولة ضد ” كشوف العذرية “، وشاركنا أهالي الشهداء والمصابين في ” محمد محمود “ ومجلس الوزراء. وللإنصاف فإن ما سبق لم يكن خطأ حزب النور وحده، وإنما الحرية والعدالة أيضًا. وترتّب على أفعالهم هذه حينها إخلاء ميادين الثورة، مما أسهم وعجّل بتفتيت الصف الوطني الثوري، وعجّل بإجهاضها. لكن حزب النور حينما خاض هذه الممارسات، انفضّت عنه أغلب القواعد السلفية، ولسان حالهم: ما لهذا دعمناك! وإنما لكى تنصر المظلومين وتفتح الأفق الإسلامي على مصلحة الوطن لا الحزب. ولكن للأسف، جاء هذا الانفضاض متأخرًا، وبعدما بدأ كثير من الناس ينفضّون عنا جميعًا.
المحطة الثانية :
ثم كانت المحطة الثانية والأخطر، عندما ترشّح الأستاذ ” حازم أبو إسماعيل “ ، ورفع قضية الشريعة بشكل واضح، وبأنقى راية ممكنة، وعبّر عنها بأنسب صياغة ممكنة، ومحض هذه القضية، وكان سبّاقًا إليها، فهو أول من ناشد الجميع وجوب ترشّح ممثل عن القوى الإسلامية للرئاسة، فترشّح منفردًا مع رفض واضح من النور والحرية والعدالة، ثم تلاه ترشيح ” د.عبد المنعم أبو الفتوح “ . لكن كثيرًا من القوى الإسلامية خذلته خذلانا عميقا، فخذله الإخوان لأنهم توهّموا أن وضوح الراية يضرّهم، لئلا يتكالب علينا الداخل والخارج، كما زعموا، وقبل أن يغيّروا وجهتهم. وكان موقف حزب النور أكثر غرابة، فالسلفيون هم أكثر الناس مطالبة بالشريعة، وحديثًا عنها، وقد انتخبهم الناس من أجلها. كما أوقعه هذا في تناقض آخر، فرفضوا ترشّحه بزعم أنه طلب للولاية، بينما ترشّحوا هم وبقية القوى الإسلامية بنسبة كبيرة في البرلمان، وهي نوع من الولاية أيضًا! ثم دعم الحزب الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية، وكانت هذه هي القاصمة لحزب النور، إذ تنحّت الغالبية العظمى من القواعد السلفية عنه، حتى أوشك أن يكون خاويًا على عروشه. ثم أرادت قيادات جماعة الدعوة السلفية أن تركّز قيادة حزب النور بيد أصحاب العصبية والطاعة لقيادة الجماعة بالإسكندرية فقط، فانفضت أغلب القواعد في الغربية والجيزة، ومن قبلهما كفر الشيخ، وهي الأماكن الرئيسية لتمركز الدعوة المؤسسة لحزب النور. ثم انشق رئيس الحزب نفسه ” د.عماد عبد الغفور “ ، والمتحدّث باسمه ” د.يسري حماد “ ، وقواعد كثيرة جدا، ليتشكل ما عُرف لاحقًا بحزب الوطن. وهكذا، لم يبق في الحزب إلا مجموعة معينة، قابلة لكل المفاوضات والمساومات، حتى وصلت الأمور إلى محطتها الأخيرة، بمخالفة عموم التيار الإسلامي، ودعم ما تسمّى بجبهة الإنقاذ العلمانية، حيث حاول حزب النور نزع الشرعية عن الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة، بصفته حزبًا ذا مرجعية إسلامية.
التعليقات