في حالة الثورة الليبية كنا نترقب جميعاً وبفارغ الصبر سقوط القذافي الشخص والنظام إذ أن ذلك كان يعني في الحقيقة انتصاراً للثورة هناك؛ ولم يكن ذلك متوقعاً إلا بانهيار الكتائب واجتياح معاقلها الأخيرة كما كان ممكناً ومتصوراً لمن يعرف الحالة الليبية فالنظام كان في حقيقته متهاوِ؛ ولا يمتلك جيشاً ولا تسليحاً يذكر؛ إلا من بعض الشباب المغيب ضمن مجموعات ما يسمى “باللجان الثورية” بالإضافة إلى بعض المرتزقة الأفارقة الذين جاءوا ليذبحوا الشعب الليبي المسكين بأمواله المنهوبة، بل كان هذا الوضع المهلهل متعمداً لحماية النظام من جيش قوي قد يعمد إلى الثورة والتغيير يوماً من الأيام.
لكن المتأمل للحالة السورية يعرف أن الأوضاع هناك عكسية بشكل كامل فسقوط النظام وفرار الأسد أو قتله ربما يكون هو بداية اندلاع المعركة الحقيقية لا نهايتها كما قد يتصور البعض!!
الجيش السوري هو السادس عشر من حيث الترتيب بالنسبة لجيوش العالم إذ يبلغ تعداده ما يزيد على الربع مليون جندي وتسليحه متميز إلى حد ما
فالجيش السوري هو السادس عشر من حيث الترتيب بالنسبة لجيوش العالم إذ يبلغ تعداده ما يزيد على الربع مليون جندي وتسليحه متميز إلى حد ما، وهذا الجيش يقوم على حماية النظام والدفاع عنه حتى الآن، وسقوط النظام سيعني في الحقيقة أن يقاتل كل هؤلاء دفاعاً عن أنفسهم وعائلاتهم في معادلة أحادية النتيجة بين الحياة أو الموت؛ خاصة إذا علمنا أن المجتمع السوري يختلف في تركيبته تماماً عن المجتمعين الليبي و المصري المتجانسين عرقياً ودينياً؛ إذ أن المجتمع السوري يتكون عرقياً: من العرب والأكراد والآشوريين والسوريان والأرمن بالإضافة إلى مكونات أخرى متعددة ولكنها محدودة، كما تتعدد مكوناته عقدياً: فمنها السنة والعلويون والمرشديون والدروز والشيعة الجعفرية والإسماعيليون واليهود والمذاهب المسيحية المختلفة؛ حتى أن المذهب الواحد يتعدد باختلاف أصوله ومنابعه كالأرثوذكس مثلاً!!
وإن المترسم لخريطة الساحة السياسية اليوم في سوريا ليجد أن الوضع حقاً اخطر مما قد يظن، فليس التعقيد الإثني والعرقي فقط هو المعضلة الوحيدة وإنما التعدد الثوري والسياسي أيضاً والذي قد يصبح هو الداء بدلاً من كونه الدواء يوماً ما، فالجيش السوري الحر يضم مجموعات غير متجانسة وليست في الحقيقة تحت السيطرة بشكل كامل ولا يدرى تماماً مآرب كل من فيه بل وعندي معلومات مؤكدة عن انحرافات هنا وهناك من بعض من ينتسبون إليه وكذلك بعض من يمولونه ـ أو يفترض بهم هذا ـ من بعض المنتسبين للدين الذين كانوا يروجون للظلم والظالمين تحت دعوى طاعة أولياء الأمور ثم صاروا فجأة من أشد أنصار الثورة والخارجين على أوليائهم!!
وأما الفصائل الأخرى ككتائب الفرقان وجبهة النصرة وأحرار الشام فهي متفرقة وبعضها قليل العدد والعدة ومنحاز في مناطق بعينها وقد استحر فيهم القتل، بينما يخزن الأكراد السلاح ويرفعون العلم الكردستاني ولا يشتركون في القتال بل وبدأوا بالفعل في مناوشة تركيا؛ مما يجعل سيناريو الفيدرالية ما بعد الثورة مرشحاً بقوة في ظل معطيات كهذه.
غير أن هذا السيناريو بات مقبلاً على النهاية إذ لولا سلاح الطيران والمدفعية بعيدة المدى لكان النظام في ذمة التاريخ، إذ تتركز المعارك الآن في مناطق الزبداني وحمص وريف دمشق بينما تخرج مناطق أخرى بشكل كامل عن سيطرة النظام كإدلب أو شبه كامل كحلب إذ يسيطر فيها النظام على القصر الجمهوري ومبنى الإذاعة الذي تم تدميره حين حاول بعض الثوار اقتحامه.
ومن الواضح أن الغرب يراهن على الوقت في مواجهة نظام بائد لا محالة فلا يمكن له أن يستمر في التربع على سقف شعب قتل كل هذا العدد من أبناءه ولكنه يترك الأمور ليصفي بعضها بعضاً أملاً في الوصول إلى سوريا ضعيفة ومقسمة ليضمن حدوداً شمالية هادئة لربيبته إسرائيل.
التعليقات