إن ما يجري من أحداث في خلفية المشهد السياسي المصري ليستدعي كل الغيورين والحريصين على أمن وسلامة هذا البلد، ولكن كل ما أرجوه من هؤلاء جميعاً أن يركزوا أقلامهم بين اثنتين؛
الأولى: إثبات الحقائق كما هي دون تزييف فآفة بعض دعاة الاعتدال التوهين وتخنيث الحقائق
والثانية: إطفاء الحريق ما استطاعوا؛ فآفة أكثر دعاة الحقائق إيقاد الحرائق.
إن رفضنا للمد الشيعي الصفوي ليس تخوفاً منه كما يزعم البعض فإنما يخاف الضعيف الجبان
أقول هذا بمناسبة زوبعة إيران التي ثارت ومازالت في فنجان مصر منذ زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى المحروسة ثم قيامه بجولة سياحية “دينية” إلى مراقد وقبور آل البيت النبوي الشريف الذين امتن الله على مصر باستقبال علومهم وفهمومهم أحياءً ثم احتضان ثراهم الشريف وأبدانهم أمواتاً.
إن رفضنا للمد الشيعي الصفوي ليس تخوفاً منه كما يزعم البعض فإنما يخاف الضعيف الجبان؛ ونحن في مصر الحضارة والأزهر والسنة لا يمكن أن نكون كذلك.
كما لا يمكن أن يكون هذا الرفض عنصرية ضد العنصر الفارسي القابع خلف الخليج العربي الذي يحلو لأنظمة الملالي المتتابعة أن تسميه بالخليج الفارس لتؤكد ثقافة يتوارثها القوم مازالت تُحيي حتى الملاحم الفارسية القديمة المعادية للعرب بما فيها تلك الراجعة إلى القرن السابع الميلادي أبان دخول الإسلام إلى بلاد فارس على يد جُند الله المخلصين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.
فنظرة سريعة على أدبيات كتاب إيران المعاصرين تكشف بسهولة تلكم النزعة العنصرية المُبغضة للعرب، تستوي في ذلك حقبتي ما قبل وما بعد ثورة الخميني، من أمثال مثل: صادق هدايت، أشهر كتاب إيران في القرن العشرين و محمد علي جمال زاده والشاعر مهدي إخوان ثالث، ونادر نادربور ويتلخص فكر أولئك في أنهم يرون أن حقبة ما قبل الاسلام هي عصر إيران الذهبي، وأن العرب أفسدوا كل جانب من جوانب الحياة فيها؛ فالقوم إذاً يجيئون إلينا بأحقاد فارسية وإحن القادسية وثارات يزدجردية.
وليس رفضنا لهذا المد الخطير طائفية أيضاً ضد الطائفة الإمامية رغم خلافنا العميق مع معتقداتها الضالة
وليس رفضنا لهذا المد الخطير طائفية أيضاً ضد الطائفة الإمامية رغم خلافنا العميق مع معتقداتها الضالة؛ كما قد يتوهم البعض فمصر يزورها جميع البشر من كافة الأجناس والثقافات والمذاهب، إذ أن الإسلام علمنا – كما علمتنا مصر- كيف تكون مضيافة تستقبل الناس على تنوع أجناسهم واختلاف عقائدهم إلا أننا نرفض ولابد؛ أي وافد يحمل “مشروعاً” توسعياً، لذا كان من الواجب أن نرفض السياح الصهاينة لأنهم يحملون مشروعهم العنصري التوسعي العالمي البغيض ويحتلون أرضنا المقدسة؛ قبل أن نرفض “مشروع ولاية الفقيه” الإقليمي الطائفي.
وليس أدل على دعوانا هذه برفض العنصرية والطائفية من استنكارنا الكامل لما فعله نظام ولاية الفقيه بشعبه الفارسي الشيعي في أغلبيته؛ حيث سفك دمائهم واعتقل حرياتهم في أحداث ما سُمي بالثورة الخضراء منذ أعوام بعد اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية الماضية.
إن المشروع التوسعي الإيراني ليس وهماً في رؤس البعض ولكنه حقيقة واقعة في الجناح الشرقي من بلاد العرب في الأحواز والبحرين وشرق السعودية والكويت والعراق وسوريا ولبنان
إن المشروع التوسعي الإيراني ليس وهماً في رؤس البعض ولكنه حقيقة واقعة في الجناح الشرقي من بلاد العرب في الأحواز والبحرين وشرق السعودية والكويت والعراق وسوريا ولبنان؛ والتي كانت أقلياتها الشيعية موجودة من قبل لكنها أصبحت قنابل موقوتة ومثار فتنة فيها فقط أربعة وثلاثين عاماً ومنذ قيام ثورة الخميني، ويبدو أنه قد آن للقوم أن يقفزوا إلى الجناح الآخر، ليحققوا مشروعم فيه من جهة ومن جهة أخرى ليكسروا الحصار السياسي والاقتصادي العالمي عليهم.
إن مصلحة بلادنا المتعثرة اقتصادياً وسياسياً – وبصفتها الدولة العربية والإسلامية التي كانت يوماً ما كبرى – ليس في التواصل مع إيران الآن وخاصة إذا أردنا أن تعود لدورها والذي لن يكون بالتغاضي عن بعدها الإسلامي والعربي والذي تنتهكه إيران كل يوم خاصة في أفغانستان والأحواز والعراق وأخيراً في سوريا التي تسلم نظامها المجرم خمسين مقاتلاً من الحرس الثوري وحزب الله منذ شهرين فقط من ثوار سوريا الأحرار.
وأخيراً
فإن قضية الشيعة والتشيع لها حساسية خاصة في مصر ليست لغيرها بحال من الأحوال إذ أن مصر هي أكثر دولة إسلامية تضم في ثراها الشريف قبوراً ومراقداً لأهل بيت رسول الله سلام الله عليهم؛ احتضنهم وأحبهم أهل مصر كما أحبوا رسول الله وأصحابه الذين نصروه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ولم يفرقوا بين أحد منهم، وأخشى ما أخشاه أن يأتي من يغلو في بعضهم ويسب الآخر فيفسد الود والسلام في هذا البلد الآمن أو ينشر البدع المنكرة كالمتعة والدماء وهذا أقصى ما قد يصبون إليه فمصر قد استعصت عليهم أكثر من ثلاثمائة عام بحضارتها ووسطيتها وسنيتها.
التعليقات