لا شك عندي أن كل ما يجري في المشهد المصري اليوم هو الحلقة قبل الأخيرة من حلقات الثورة المضادة التي تقودها دولة نظام مبارك العميقة، بل لا أبالغ إذا ما قلت أنها قد تكون الأخطر والأبهظ تكلفة خاصة إذا كان الثمن من دماء أبناء مصر وعلى حساب مستقبل أجيالها القادمة.
الإنقاذ والبلطجية والإخوان والنور والفلول والشرطة والألتراس وأصحاب المبادرات وحزب الكنبة؛ كلهم يشتركون في رسم خريطة الواقع ومحاولة تحديد مشهد النهاية فيه، لكنه من الواضح أن الأمر لن يكون بهذه السهولة فلن تستطيع قوة من تلكم القوى أن تتفرد برسم مسارات الواقع ولا حسم نتيجة لصالحها حتى وإن بدا أن القوى المعارضة ومن تحالف معها صارت قريبة من حسم الموقف بعد توفر الدعم المادي لها والتخطيط وبعض المجموعات على الأرض وكذلك بعدما استيقن غالبية المتابعين من تراجع وتردد مؤسسة الرئاسة ومن يدور في فلكها أو تدور هي في فلكه في مواجهة تحركات الإنقاذ الفاعلة .
وفي ظني أن المشهد تحكمه عوامل من داخله ومن خارجه لم يتم التطرق إليها كثيراً، فالمتابع لما يجري في تونس ـ باعتبارها مفتاح المغرب العربي اليوم ـ من تحركات القوى العالمانية الموالية للغرب ضد حكومة النهضة يكاد أن يرى تطابقاً بين ما يجري هناك وما يجري هنا وفي تقديري أن هذا ليس من قبيل المصادفة ولا تشابه المعطيات بقدر ما هو وحدة الفاعل والمحرك.
ويغلب على ظني أن الهيمنة الأمريكية ليست حريصة في هذه المرحلة على إسقاط تجربة الإخوان في مصر بقدر حرصها على ابتزازها لأبعد مدى ممكن عن طريق إدارة الفوضى على الأرض، وذلك لأن وجودها بما لها من بعد إسلامي قد يكفل نسبة من الاستقرار في الحالة الإسلامية والتي قد تنفجر إذا ما سقط النظام الإخواني مهما كانت درجة عدم الرضا عنه باعتبار مرجعيته الإسلامية، إلا أن هذا لا يعني عدم إمكانية انفلات الأمور من عقالها وانفجارها في اتجاهات غير محسوبة.
وفي نفس السياق قفز حزب النور من السفينة المتأرجحة والتي طالما تعلق بها ومضى في ركابها خلال عامين من عمر مصر الثورة اللهم إلا في بعض المحطات الغائمة كانتخابات الرئاسة وما تخللها من لقاءات وتفاوضات مع الفريق شفيق، وقد تعجل حزب النور فلم يسبك جيداً سيناريو القفزة هذه المرة ربما لتسارع الأحداث وخطورة الموقف وربما لإثبات اعتداله للقوى العالمانية أو طرح نفسه كبديل محتمل في حال السقوط الإخواني والذي سيعني سقوط الدولة كدولة من وجهة نظري وتأخر المشروع الإسلامي في المنطقة بأسرها وليس في مصر فحسب.
وجدت قوى النظام البائد الكامنة في مفاصل الدولة العميقة التسعة فرصتها الذهبية لتطل برأسها لامتلاكها ماكينة الإعلام وخزينة الأموال وسيطرتها على عصابات الإجرام وميليشيات البلطجية
وفي الوقت نفسه وجدت قوى النظام البائد الكامنة في مفاصل الدولة العميقة التسعة فرصتها الذهبية لتطل برأسها لامتلاكها ماكينة الإعلام وخزينة الأموال وسيطرتها على عصابات الإجرام وميليشيات البلطجية التابعة للحزب الوطني المنحل وأمن الدولة المعدل، تحركت الخلايا النائمة والخائفة حيناً من الدهر في وزراة الداخلية لتعاود السيطرة على الأوضاع في ظل حالة التذمر الشعبي والغفلة عن تلكم التحركات، بدليل أن الإضرابات والاعتصامات لم تحدث في قطاع الأمن الوطني الذي يعمل ليلاً ونهاراً والذي بدأ بالفعل في عمل بعض المداهمات والذي يسب ضباطه الرئيس مرسي والإخوان والإسلاميين عامة بأقذر الألفاظ في تحقيقات خلية مدينة نصر المزعومة، بل والثورة ومن قاموا بها والتهديد لكل من شارك فيها، ولو كانت احتجاجات الداخلية هذه حركة من التذمر العام في صفوفها لشملت هذا القطاع الذي مازال طامحاً في العودة لسلطته القديمة في استذلال المصريين واستخفافهم وهيهات.
وأخيراً
وأخيراً فقد نسي الجميع الكتلة السائلة الهادرة من أبناء التيار الإسلامي والتي لم تتحرك بعد كما لم تقنع تحركات حزب النور إلا هامشاً محدوداً منهم بأن مصلحتهم هي في سقوط الإخوان، تلكم الكتلة التي مازالت تتململ في مكانها وتكاد أن تنفجر سيلاً عارماً لا يمنعه حتى الآن إلا بعض السدود في أدنى مصب السيل وبعض التردد الذي ورثته من عهود سابقة وربما ترقب ساعة الصفر لتذود عن حاضرها ومستقبلها المأمول وربما كي لا تعود أبداً إلى ماضيها الأليم
التعليقات