ذهبنا للعباسية لحماية المعتصمين من الذبح
لا تزال تفاعلات أزمة إقصاء حازم أبو إسماعيل تلقي بظلالها القاتمة حول الأوضاع السياسية في مصر بغض النظر عما يمكن أن يقال في معطيات هذا الإقصاء وجوداً أو عدماً، ثم ما تلاها من عودة الفريق شفيق مباشرة بالمحادة للقانون المصدق عليه من مجلس الشعب بل وإحالة القانون نفسه إلى المحكمة الدستورية العليا من جهة غير ذات اختصاص في سابقة هي الأولى من نوعها ـ وأحسبها ستكون الأخيرة ـ إذ تنصب فيها اللجنة الرئاسية نفسها منصب رئيس الجمهورية نفسه!!
“المكتسبات الهشة” وهي تلك تلك التي تعرف في العلوم السياسية بأنها المكتسبات الزهيدة التي يمنحها لك الخصم بمقابل باهظ كما يمكنه أن يسحبها منك في أية لحظة
تزامنت هذه القضية مع تزايد الشعور بالخطر لدى بعض الفئات السياسية خاصة منها الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين بعد بوادر احتمالية لحل مجلسي الشعب والشورى خاصة وأن هذه القوى كانت قد أمنت جانب المجلس العسكري الحاكم وربما لم تنتبه إلى نوعية المكتسبات التي منحها لهم بموجب الشرعية الثورية لكنها كانت ولا زالت تحت سيطرته وهيمنته والتي تعطينا الأحقية أن نسميها “بالمكتسبات الهشة” وهي تلك تلك التي تعرف في العلوم السياسية بأنها المكتسبات الزهيدة التي يمنحها لك الخصم بمقابل باهظ كما يمكنه أن يسحبها منك في أية لحظة. وكان لزاماً أن تحتشد تلك القوى مع بقية القوى الوطنية والسياسية مرة أخرى في ميدان التحرير وإن تباينت الرؤى هذه المرة وساءت الظنون مما أعطى للميدان واللاعبين عليه طبيعة الصفيح الساخن وبدا المشهد فوضوياً بين قوى الأغلبية المستقوية المهرولة نحو الميدان مرة أخرى وبين قوى الأقلية المعطلة التي استطاعت أن تثبت فعاليتها كرة ثانية في قضية اللجنة التأسيسية وتداعياتها بينما بقي متراوحاً بينهما فصيل آخر بدا ثورياً جماهيرياً زاخماً محبطاً بعد تنحية زعيمه الكاريزمي وملهمه المفوه وإن بدأ يتوارى شيئاً فشيئاً وهم الحازمون أو من صاروا يسمون بأبناء أبو إسماعيل !! كانت مطالب الجميع واحدة وهي سقوط حكم العسكر وتسليم السلطة الشاغرة كمطمع للجميع والمتنازع عليها للمدنيين ولشعب مصر صاحب الثورة وكذلك إلغاء عربون التزوير أو المادة 28 من الإعلان الدستوري وإسقاط اللجنة المطعون عليها ـ تقريباً ـ من الجميع، قبل أن ينحو إخواننا من الفريق الداعم لحازم أبو إسماعيل فجأة منحى مفاجئاً بالدعوة المنفردة إلى الاعتصام !! ورغم ان مطالبهم كانت كبقية الثائرين هناك إلا أن مطلبهم المنفرد بإعادة الشيخ حازم إلى السباق الرئاسي حيَّز الدعوة والداعين إليها وحشرهم بادئ الأمر في خانة الفئوية أو مربع التأطير. كما لم تكن تلك هي المثلبة الوحيدة فقد نقصت الأعداد المغذية لهذه الظاهرة الإسماعيلية الجديدة بشدة بعد تذبذب كثير من الناس حول قضة الهوية الأمريكية وغيرها بفضل الدعاية السوداء الهائلة التي واجهت المرشح المزاح قصراً كما افتقد الاعتصام الميداني للقيادة شكلياً وموضوعياً، بالإضافة إلى خطأ آخر في منتهى الخطورة وهو إعلان أكثر من عشرة مطالب يصلح تقديمها في هيئة كتيب صغير للتسلية وليست مطالب ثورية يجتمع عليها الناس كمطلب ثورة يناير مثلاً: “الشعب يريد إسقاط النظام” كلمات سهلة يسيرة يفهمها الجميع ويجتمعون عليها.
وبناء على هذه المعطيات
وبناء على هذه المعطيات ناصحنا المعتصمين هناك بعدم جدوى الانفراد والبقاء في الزخم الأسبوعي الثوري داخل الإجماع الذي كاد أن يعود أخيراً أمام عجرفة الجهة المسئولة عن إدارة الفترة الانتقالية بمنتهى الفشل وبجدارة. وكاد أن يحدث تعديل ما في الموقف ليلة الاثنين من الأسبوع الماضي خاصة مع النقص الحاد في العدد إلا أن فريقاً من المعتصمين رفض ترك الميدان وأراد أن يعالج هذه الحالة الحرجة بخطأ آخر وهو الدعوة لمليونية يوم الأربعاء خاصة أنه من أيام العطلات الرسمية ظناً منهم أن هذا سيعالج أزمة المحدودية وبالفعل نزلت اعداد قليلة للميدان في ذلك اليوم ولكن الداعين لهذه المليونية ـ المئوية ـ نسوا أن هذا سيؤثر على أعداد الجمعة التالية مباشرة وهو ما كان بالفعل مما حدى بهم لخطأ جديد تمثل في الهروب إلى الأمام نحو العباسية والدعوة للاعتصام هناك في موقع غير استراتيجي بالمرة وقد تغيرت مطالبهم هذه المرة لتصبح أكثر موضوعية وواقعية وأبعد عن شبهة الفئوية.
وهنا تبدأ فصول ملحمة جديدة من الهجوم الهمجي والبلطجي الذي تديره “كتائب مبارك” من المرتزقة المسرحين من الحجوزات بالأقسام المختلفة
بالإضافة إلى من زعم البعض أنهم جنود من الأمن المركزي يلبسون الملابس المدنية مما قد يصدقه مواعيد الدوام الرسمية التي يبدأون فيها حفلات القتل والتدمير بالإضافة إلى جهوزيتهم العالية وتسليحهم المميز تحت سمع وبصر الشرطة العسكرية ووزارة الداخلية. وعلى الفور دعت العديد من الفصائل الثورية والوطنية ومن بينها “الجبهة السلفية “ الجميع للنزول لحماية المعتصمين من الذبح رغم أننا لم نكن مع هذا المسلك من الأساس خاصة في غياب ملهم هذه الأحداث ومحورها وهو الأستاذ حازم أبو إسماعيل الذي روجت أنباء قوية عن إصابته بالساق اليسرى وهو ما أصبح مدعاة للتساؤل؟! والعجيب والجديد في هذه الحالة هو الإجهاز المتعمد على الجرحى في المستشفيات التي أغلق بعضها أبوابه في وجه الجرحى والمصابين، في بادرة تعد هي الأولى من نوعها منذ قيام الثورة!! وبينما مازالت أزمة وزراة الدفاع مائجة تبرز الحكمة الواقعية ظاهرة للجميع بعدم جدوى الانفراد أو التغريد خارج السرب وحكمة أخرى ينبغي الالتفات إليها وهي أن الخروج من هذه الجولة لا يعني نهاية النضال السياسي ولا يعني أيضاً أننا سندمر البلد من أجل بقاء أحد أو إقصائه من سباق الرئاسة لأن البلد تبقى والجميع يذهبون.
التعليقات