هذه الكلمات اليسيرة ،ليست محصلة كتب تفسير قرأتها، ولا نتاج دروس لبعض أهل العلم سمعتها ، بل هي خلاصة معاناة واقعية، وتجربة عملية، رأيت خلالهما آيات الوحي وهى تكشف الحقائق وتجلي الأمور ، فكانت هذه التأملات الخاطفة والسريعة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
” الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)” .
جو الآيات:
تتحدث الآيات عن أجواء الفتنة والإبتلاء , فتوضح الحكمة الكامنة وراء الفتنة، وكيفية التعامل معها، والخروج منها فائزاً ، كما تبين مصير المجرمين الفاتنين للمؤمنين عن دينهم، وتكشف أسباب وقوع بعض المؤمنين في الفتنة واستجابتهم لها .
مع الآيات:
– في اللحظات الأولى لبداية الفتنة يثور تساءل في ذهن الإنسان ألا وهو ما الحكمة من هذه الفتنة ؟ ولم تقع هذه الأحداث لي ؟ ألم يكن في وسع الانسان أن يعيش في الحيز الآمن كما يعيش الاخرون بعيدا ًعن بطش الظالم وأعوانه؟!!.
فتجيب الآيات “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)” فتبين الآيات أن الفتنة أمر مطرد يتعرض له المؤمنون عبر الزمان لتتمايز الصفوف، ويتبين الصادق من الكاذب، فتثير الآيات بذلك في نفس الإنسان عوامل الصبر والثبات ليكون من الصادقين أمام الله عز وجل.
– ثم بتصاعد الأحداث، واسفار المجرمين عن وجههم الحقيقي والوحشي ، يثور تساؤل آخر: ما هو مصير هؤلاء المجرمين الذين يفتكون بالمؤمنين ويذيقونهم أعتى ألوان العذاب ؟ فهل ستمضي بهم الحياة هكذا دون عقاب؟.
فتجيب الآيات ” أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)” و”يسبقونا” معناها “يفلتوا منا” فيطمئن القلب بأنهم لن يهربوا من العقاب.
– ثم عندما يشتد البلاء ويصل الإنسان إلى مرحلة حرجة تفقد فيها الحياة قيمتها، تكون أمنية الإنسان الوحيدة آنذاك أن يموت ويلقى الله عز وجل ليستريح مما يعانيه، فتجيبه الآيات “مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) ” وكل ما هو آت قريب، فيصبر الإنسن أكثر ويرجو رحمة الله الذي يسمع ما يحدث ويعلمه.
– ويدخل الشيطان آنذاك بكل ثقله موسوساً للإنسان قائلاً له” ما عليك بكل هذا؟! لم لا تحيا لنفسك فقط؟!!، وتترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم كتاب الله للناشئة وغير ذلك من أفعال الخير المتعدية النفع وتقتصر على الصلاة والصيام والزكاة و برالوالدين ومعاملة الناس بخلق حسن وعلى سائر العبادات التي لا تستثير أحداً ضدك….. فتجيب الآيات ” وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) “.
– ثم تتوقف رحى البطش المباشر ويبدأ البطش النفسي وهو الأشد خطراً وتأثيراً، ويحين لقاء الأسرة في الزيارات , وتبدأ الأسرة في الإلحاح على ابنها ليترك طريق الإلتزام ويعيش كفرد في القطيع….. فتجيب الآيات مبينة منهج التعامل مع هكذا موقف “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)”.
– ثم بعد مرور مدة من الإعتقال تبدأ “الحكمة البالغة” في التنزل على عقول بعض المظلومين ،ويزين لهم الشيطان النكوص عن طريق الحق، تحت ستار العقل والإستفادة من التجربة ومراجعة الأخطاء وتصحيحها …. فتجيب الآيات موضحةً السبب الحقيقي لتراجع هؤلاء ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) “.
– ثم تدخل شياطين الإنس على الخط وتزين للمؤمنين التراجع عن العمل الجاد لنصرة الدين تحت عنوان شعارات براقة مثل ” الوسطية والاعتدال” والتي لا يُقصد بها في مفهومهم سوى التخلي عن رفض الظلم والظالمين والسعي لتغيير الواقع المؤلم في بلاد المسلمين ،… فتجيب الأيات ” (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)”، فليحملن الظالمون أثقال كل من فتنوهم عن دينهم على مر السنين ، وليفوزن كل من ثبت وصبر وواصل السير في الطريق لإعلاء راية الله في الأرض.
ورحم الله ابن تيمية إذ قال ” إن الأسير من أسره هواه ،والمحبوس من حبُس قلبه عن ربه تعالى ”
التعليقات