الرعب.. من أخطر نظريات الحروب.. كانت تمارس قديمًا بأساليب مختلفة؛ مثل: لبس جلود الوحوش ونشر الإشاعات المرعبة. كما كانت تمارس بأشد وأفظع الأساليب مثل التمثيل بالجثث وحرق الأحياء وبقر بطون النساء. وفي حروب الإسلام كانت نظرية الرعب أكمل صيغ الرحمة.. ذلك أن الرعب يكون بقذفه في قلوب الأعداء ولا يكون بالأساليب المشار إليها والمعروفة في الحروب الكافرة. وفي ذلك رحمة!!
وحدوث الرعب قبل الحرب يكون مانعًا للأعداء من الدخول في القتال أصلا بما يترتب على ذلك من تجنب كل آثار الحروب.. وفي ذلك رحمة!! ومن هنا كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»[1] ولم يقل قاتلت بالرعب؛ لأن الرعب هو الذي يمنع الاقتتال الذي يموت به الناس على الجهل والكفر، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مسيرة شهر» وهي المدة الكافية لأن يأتي المسلمون إلى هؤلاء الناس وهم عاجزون عن الوقوف أمام المقاتل المسلم؛ فيؤثرون السلامة ليكون النصر بأقل خسائر إنسانية.. وفي ذلك رحمة!!
وقذف الرعب في الحرب يكون باستحقاق الطرف المسلم لأن يقذف الله في قلوب أعدائه المهابة منه بتقواه وحفظه للدين فإن تخلي عن ذلك نزع الله المهابة من قلوب أعدائه منه كما في حديث ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا». قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ في قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»[2]. والغثاء: ما يحمله السيل من زبد ووسخ.
أما استحقاق الطرف الكافر للرعب فيكون بشركه بالله. ومن هنا جاء في البخاري باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {سَنُلْقِى في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران:151] .. وقول الله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الحشر: 13].
وتبقي العبرة هي الموقف الذي يمارسه من ينتصر.. ليكون التعامل الإنساني للمسلمين المنتصرين بالعدل والرحمة مع أعدائهم حيث لا ينشأ عن الرعب الذي يقذفه الله في قلوب المحاربين للإسلام أي استكبار من المسلمين عليهم أو أي ظلم لهم بل سيكونون في غاية الرأفة بهم، والحرص عليهم؛ فينقلب الرعب منهم إلى طمأنينة لهم وإلى دعوتهم.
وهنا يظهر المعنى الإنساني للإسلام: أن يترفق وهو قادر، ويتودد وهو غالب. وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح مكة فيدخلها ساجدا لله على ناقته.. ثم يعفو ويقول: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»[3]. فكان التحول إلى التفكير في الدعوة وتدبر قضاياها بعد أن أصبح الرعب مجرد ضرورة عارضة تمكن بها المسلمون من النصر ليملكوا فرصة التعامل بالرحمة والعدل… والإسلام.
الهوامش
[1] صحيح البخاري (335).
[2] مسند أحمد (49/29)
[3] سنن البيهقي (18055).
التعليقات