عن عائشة قالت :كان رجالٌ من الأعراب جفاة ً يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول {إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم ] قال هشام يعني موتهم
الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم – (4 / 98)
في البداية يجب الانتباه إلى طبيعة السائل وهو من الأعراب حيث يكشف الحديث تلك الطبيعة كما قالت عائشة رضي الله عنها ” كان رجالٌ من الأعراب جفاة ً يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة ” مما يدل على إختصاص الأعراب بهذا الجواب وهو خطاب قائم على هذا أساس حسي وهي قاعدة ظاهرة في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل الأعراب
ودليل ذلك هو تصرف الأعرابي صاحب السؤال الذي بينته رواية أخرى
-عن عبد الله قال : جاء أعرابي إلى النبي e شيخ كبير فقال : يا محمد متى الساعة ؟ قال : « ما أعددت لها ؟ » ، فقال : لا ، والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من كبير صلاة ولا صيام إلا إني أحب الله ورسوله ، قال : « فأنت مع من أحببت » ، قال : فوثب الشيخ فبال في المسجد ، فقال رسول الله e: « دعوه فعسى أن يكون من أهل الجنة وصب على بوله ماء »
وكان قبل ذلك كما تقول رواية أبي هريرة – رضي الله عنه – : «أنَّ أعْرَابيّا دخلَ المسجدَ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جَالِس ، فصلَّى ركعتين ، ثم قال : اللَّهُمَّ ارْحمني ومحمدا ، ولا ترحمْ معنا أحدا ، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- : لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعا ، ثم لم يَلْبَثْ أن بالَ في ناحية المسجد ، فأسْرَعَ [إِليه] النَّاسُ ، فنهاهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ، وقال : إِنما بُعِثْتُم مُيَسِّرِينَ ، ولم تُبْعَثُوا مُعسِّرِينَ ، صُبُّوا عليه سَجْلا من ماء ، أو قال : ذَنُوبا من ماء».-[86]- أخرجه الترمذي، وأبو داود، وفي رواية البخاري ، والنسائي مُفرَّقا في موضعين.
هذه هي العقلية التي يتعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحسن أن نضرب لتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا ، باعتبار أن هذا التعامل هو أساس فهم الموضوع ، مثل سؤال الأعرابي رسول الله صلى الله علي وسلم عن الحوض .
عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : قَالَ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا حَوْضُكَ هَذَا الَّذِي تَذْكُرُ ؟ قَالَ :{ مِنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى ، ثُمَّ يُمِدُّ لِيَ , عَزَّ وَجَلَّ , فِيهِ بِمَا شَاءَ}. إتحاف الخيرة المهرة – (8 / 250).
فنلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبتعد بالرجل عن الواقع فوصف الحوض بمسافة يعرفها الأعرابي في الدنيا ” مِنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى ” ثم بعطي رسول الله الوصف الحقيقي للحوض بعد تقريبه للأعرابي ” ثُمَّ يُمِدُّ لِيَ , عَزَّ وَجَلَّ , فِيهِ بِمَا شَاءَ ”
ومثلما خاطب الأعرابي الذي سأله عن الجنة
{ فقال الاعرابي يا رسول الله فيها فاكهة ؟
قال : ( نعم و فيها شجرة تدعى طوبى هي تطابق الفردوس )
فقال أي شجر أرضنا تشبه ؟ فقال : ( ليس تشبه شيئا من شجر أرضك و لكن أتيت الشام ؟ ) فقال : لا يا رسول الله قال : ( فانها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد ثم ينتشر أعلاها )
قال فما عظم أصلها ؟ قال : ( لو ارتحلت جذعة من ابل أهلك لم يدر بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما )
قال فيها عنب ؟ قال ( نعم )
قال فما عظم العنقود منها ؟
قال ( مسيرة شهر للغراب الا يقع و لا ينثني و لا يفتر )
قال و ما عظم الحبة منه قال : ( هل ذبح أبوك شيئا من غنمه عظيما ؟ ) قال نعم قال : ( فسلخ اهابها فأعطاه أمك فقال ادبغي هذا ثم افري لنا منه دلوا نروي به ماشيتنا ؟ ) قال نعم قال : ( فانه كذلك ) قال : فان ذلك يسعني و يسع أهل بيتي قال النبي صلى الله عليه و سلم : و عامة عشيرتك }
صحيح الترغيب للالباني .
خطاب حسي بسيط قريب إلى عقله وواقعه هو نفسه منطق الخطاب في سؤال الأعرابي الآخر عن الساعة.
ومن هنا جاء في شرح هذا الحديث قال الداودي:{ المحفوظ أنه صلى الله عليه و سلم قال ذلك للذين خاطبهم بقوله تأتيكم ساعتكم يعني بذلك موتهم لأنهم كانوا أعرابا فخشي أن يقول لهم لا أدري متى الساعة فيرتابوا }(فتح الباري)
ومن هنا كانت إجابات رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعراب عن الساعة قائمة على هذا الإعتبار ، ومن مجمل إجابات الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة نجدها تقوم على حقيقتين :
ـ إنقضاء الأجيال وتوالي القرون الدال على حتمية قيام الساعة
ومنها حديث أبي سعيد الخدري حيث قال لما رجعنا من تبوك سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم متى الساعة قال لا يأتي على الناس مائة سنة وعلى ظهر الأرض نفس منفوسة اليوم ، باعتبار أن القرن مائة سنة وأن توالي القرون من أدلة قيام الساعة
كما قال الله سبحانه {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ ِمُعْجِزِينَ }[الأنعام : 133 ، 134]
ـ وباعتبار أن إنقضاء القرون على مدى الزمان دليل على قيام الساعة فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخبار الله له أن من بين هذه القرون ما ينقضي جميع أفراده في مئة عام بحيث لايتجاوز أي فرد من هذا القرن حدود هذا الزمن
كدليل زائد على مجرد إنقضاء القرون على مدى الزمان كله .
مثلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عْنَ أَنَسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، قَالَ : لاَ يَأْتِي مِئَةُ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ.
ـ وقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد
وكان الأمر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق ممن كان موجودا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد وكان آخر من رأى النبي صلى الله عليه و سلم موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة كما ثبت في صحيح مسلم
وهذا دليل زائد على موت الأجيال الدال على الساعة وهي حالة خاصة بالجيل الذي تكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخبار الله له
ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الناس تحديدا “إنْ يَعِشَ هَذَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ عُمْرَهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”.رَوَاهُ أَحْمَدُ
ومما يجب فهمة في قيام الساعة هي أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم معناه قيام الساعة بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بعثت في نفس الساعة وإن كادت لتسبقني ”
ولكن إرتباط قيام الساعة ببعض الأمور إنما يكون لإثبات حقيقة منهجية تفسر معنى قيامها مثل حقيقة توالي الأجيال التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة أن جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يبقى منه أحد بعد مائة عام ومنهم هذا الغلام الذي ورد ذكره في الحديث موضوع البحث
والله يقول الحق وهو يهدى السبيل
التعليقات