يؤرقني و يؤرق كل حر و كريم قول الله يهيب به صباح مساء : (( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )) [الممتحنة11]
فإن مما يغيظ المرء و يملأ جوفه حزناً و كمداً أن ترجع المؤمنات إلى الكفار ليفتنونهن عن دينهن الذي ارتضى الله لهن و ارتضين ؛ و أغيظ منه و أشق على النفس أن تقف الملايين المملينة من المسلمين وقوفاً ذليلاً و أن تسكت سكوتاً مهيناً ؛ فلا تتحرك لاستنقاذ مؤمنة من الأسر في سجون الصليبين الجدد و لا لمنع تسليمها من أحلافهم القدامى !!
اللهم إلا أصوات خافتة كالصمت ؛ و ملامح شاحبة كالأشباح ؛ من فتية صغار خرجوا و لا معين لهم إلا الله على خوف من فرعون و ملأهم أن يفتنهم ؛ يتوارون خشية أن تتخطفهم الطير ؛ و لا يستطيعون الظهور في ضوء الشمس لئلا يبيتوا في غيابة الجب ..
و المتأمل للمشهد الإسلامي اليوم لا يخفى عليه حالة الانزعاج و التململ الشديدة في مرحلة ما بعد اليقظة , و هي حالة ناشئة عن العودة المفاجئة للوعي التي تسود الشارع المسلم ؛ و التي هي في حقيقتها نتيجة للشعور بنزيف الكرامة ؛ و مهانة الخنوع ؛ و الإحساس بتجبر البعيد الغادر ؛ و خيانة القريب الضعيف الذي باع كل شيء من أجل مصالح ضيقة , وسلم كل الأوراق دون أي مقابل حقيقي .
تمثلت حالة اليقظة و التململ هذه في النداءات المتصاعدة و التظاهرات الصاخبة ـ و التي أخذت الطابع السلمي حتى الآن ـ و النشاط الفاعل وغير المسبوق في ساحة الإنترنت و مئات المقالات و الكتابات بل و اللقاءات المتلفزة و غيرها من صور الغضب و الحراك ؛ و التي تعبر في حقيقتها عن مرحلة جديدة و لا شك و إن جاءت متأخرة نوعاً ما .
و لكن هل تكفي هذه الفعاليات و تلكم التحركات لصنع واقع مختلف و الخروج بمكاسب ملموسة في أرض الواقع ؟!
لا شك عندي أنها لا تكفي إلا أن تكون إرهاصات و بشائر فقط لفترة ما قبل تحقيق الانتصارات ؛ و لا شك أيضاً أن هناك الكثير من الحراك الغائب و المفقود ؛ بل لا أبالغ إذا ما قلت أن ما لم نفعله أعظم بكثير جداً مما فعلناه !!
و دعوني أتساءل معكم ؛ لماذا لا يتحرك آلاف المحامين من المسلمين في الداخل و الخارج لرفع القضايا قانونياً و تدويلها حقوقياً كما فعل ممدوح إسماعيل و نزار غراب و رفاقهما الأحرار الكرام ؛ فإذا كان خمسة من المحامين فقط قد استطاعوا لفت أنظار منظمات الحريات الدولية إلى مظلومية أخواتنا الأسيرات لدى النصارى و إحراج الكنيسة و الحكومة في آن واحد دولياً و سياسياً فماذا يا ترى يستطيع أن يفعل خمسمائة أو ألف محام فقط من ضمن عشرات ومئات الآلاف من المغيبين عن أمتهم و قضاياها إذا تحركوا ؟
و إذا كان ما يسمى بـ ” أقباط المهجر ” يتظاهرون أمام البيت الأبيض حاملين صور أخواتنا المعذبات و المغتصبات في العراق و أفغانستان و غيرها ليصوروا للعالم أنهن قبطيات ” مغتصبات ومقتولات في مصر ” , فلماذا لا يتظاهر الآلاف والملايين من العرب و المسلمين في كل أنحاء أوربا و أمريكا حاملين صور أخواتنا ـ الحقيقية لا المزيفة ـ و موضحين لمعاناتهن ؛ ليزلزلوا العالم بأسره و يشهروا قضايا أخواتنا أمام الاتحاد الأوربي و الكونجرس الأمريكي و وسائل الإعلام الغربية و غيرها من المؤسسات السياسية و الإعلامية و الاجتماعية علها تحرك الضمائر الغائبة و تضغط على الرأي العام العالمي إن كان مازال يرتجى منه خير ..
و لماذا لا نتواصل مع منظمات حقوق المرأة ـ المزعومة ـ بحيث تراسلها الجمعيات و الجماعات و الهيئات الإسلامية المستقلة بل و الأفراد للتدخل في قضية أخواتنا و رفع الضيم عنهن ؟ و لا بأس من الإشارة الواضحة إلى قرارت هذه المنظمات السابقة بمنع ختان الإناث و تنظيم الأسرة و الحريات الجنسية و غيرها ؛ و نشر صور هذه المناشدات و تلكم القرارات على و سائل الإعلام سواء تحركت تلك المنظمات أم لم تتحرك ؛ فيكون هذا ساعتها وضعاً للعقدة في المنشار و كشفاً لزيف تلكم الشعارات المغرضة على الأقل ..
ولماذا لا يتحرك جيراننا و إخواننا من العرب و المسلمين و خاصة منهم دول الطوق حول ” جمهورية مصر القبطية ” , و كذلك دول الخليج العربي للاحتجاج و مطالبة السفارات المصرية بالإغلاق أو إطلاق سراح الأسيرات ؟!
و لماذا لا يتحرك علماء المسلمين في كل مكان لاستصدار الفتاوى وتحريك الشارع المسلم والنكير على المجرمين والمتواطئين معهم في صد الناس عن الإسلام و امتحانهم ـ خاصة النساء ـ في دينهم ليعودوا أو يموتوا بعد عذابات كعذابات قريش الأولى ؟! أم أن دين و عرض المسلمات الجدد هو مسئولية المسلمين في مصر فحسب؟!.
بل قل لماذا لا نشكل ـ عاجلاً غير آجل ـ رابطة عقد اجتماعي يتصدر في قيادتها نفر من الشخصيات الاجتماعية المحترمة , و الرموز الفكرية المخلصة , و الشيوخ الصادقين , و المحامين المشهورين , و غيرهم ؛ نسميها : ” رابطة كاميليا لرعاية حقوق المسلمين الجدد ” ؛ ينضوي تحت لوائها كل مسلم صادق غيور يرغب في نصرة المؤمنين والمؤمنات الجدد , و يكون من أهم واجباتها حماية هؤلاء و توفير سبل الحياة الكريمة لهم , و تصعيد قضاياهم حقوقياً ؛ و استرداد حقوقهم مدنياً و قانونياً ..
إن بعض هذه الفعاليات و غيرها مما لم يتسنى لي استيعابه في هذه العجالة لكفيلة بوضع القضية في مسارها الصحيح , و ترجمة كل الجهود السابقة إلى نتائج ملموسة و مكتسبات و اقعية بدلاً أن تذهب أدراج الرياح .
التعليقات