بسم الله والحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ ملكَ المَوتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ ، قَالَ : فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ ، فَفَقَأَهَا ، قَالَ : فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فقالَ: [يا ربِّ!] إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه]، قَالَ : فَرَدَّ إِلَيْهِ عَيْنَهُ ، قَالَ : ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي ، فَقُلْ لَهُ : الْحَيَاةَ تُرِيدُ ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: [أي ربِّ!] ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ : فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، قَالَ : رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ.
وفي مواجهة هذه الشبهة عدة مسائل :
ظهور ملك الموت وفقء عينه العلاقة بين الأنواع الثلاثة الإنس والجن والملائكة قائمة بحكمة الله بأن يكون لكل خلق مجاله الكوني وذلك من خلال أحكام قدرية ضابطة لتلك العلاقة.وقد خلقت الأرض للإنسان (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)، فكان وجود الإنسان على الأرض هو الأصل، وكان وجود الملائكة والجن مرتبط بأحكام هذا الوجود الإنساني بصفته وجودا أصلياً.وأساس ذلك هو خفاءهما عن الإنسان بحيث لا يكون ظهورهما إلا استثناءا لا يخرج عن سنن الوجود الإنساني، لأن الإنسان لا يطيق ولا يتحمل ظهور الملائكة والجن بالصورة التي خلقهما الله عليها.ولنضرب مثلا لظهور الملائكة والجن كليهما في الخضوع لأحكام الوجود الإنساني:
– ظهور الملائكة كان في غزوة بدر حين جاء جبريل ومعه الملائكة راكباً فرساً يلبس ثياب الحرب وبأعداد بلغت خمسة آلاف..وقد كان يكفي جبريل وحده الذي دمر قوم لوط ورفعهم إلى السماء بطرف جناحه ثم أسقطهم على الأرض، ولكن ظهور الملائكة في غزوة بدر أخضعها لأحكام الوجود الإنساني فجاء بصورة الحرب المعروفة لدى البشر بكل عناصرها الأساسية الخيل.. زي الحرب.. العدد الكبير.. الضرب فوق الأعناق
أما مثل ظهور الجن فكان حادثة أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: وكلني رسول الله صلي الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلي الله عليه وسلم: “يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟”
ولعلنا نلاحظ عجز الجن عن الفرار من يد أبي هريرة واعتباره أسيراً عنده.وبذلك يتبين أن تمثل ملك الموت لموسى يجعله داخلا بصورته لأحكام البشر فتفقأ عينه لما لطمه موسى عليها ولكنه بطبيعته كان خارج تلك الحدود..وثبوت الطبيعة الملائكية هو الذي يفسر قدرة الملك على الصعود إلى السماء رغم فقء عينه حيث صعد الملك بطبيعته الملائكية القادرة على الصعود إلى السماء وبصورته البشرية التي فقأت فيها عينه.وقبل ذلك كان الملك بطبيعته قادرا على مواجهة موسى ولكنه وضع اعتبارا لمكانة موسى عند الله بدليل قول الملك: “ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه”
كراهية موسي للموت:
وشأن موسى شأن جميع العباد في كراهية الموت فعن عائشة قالت قالرسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقلت يا نبي الله أكراهية الموت وكلنا يكره الموت قال ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه”
الحكمة من تخيير الأنبياء عند الموت:
ولحياة أي نبي اعتبارين اعتبار شخصي واعتبار الرسالة, وهذا هو السبب في تخيير الأنبياء عند الموت بدليل قول النبي صلي الله عليه وسلم: ”مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ”. وقول النبي صلي الله عليه وسلم عند وفاته: ”إنَّ الله خيَّرَ عبدا بين الدنيا وبين ما عندَه، فاختار العبد ما عنده”. وكان النبي يقصد بذلك نفسه عليه الصلاة والسلام, فعندما تتم الرسالة يكون هذا إيذانا بأجل النبي, ودليل ذلك قول عمر: ما قولكم في قول الله: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) .السورة فقال ابن عباس: ينعي بها الله أَجَل النبي عليه السلام.
وعندما تتم الرسالة لا يبقي في حياة النبي إلا الاعتبار الشخصي, وفيه يُخير الأنبياء، وهي الحالة التي كان فيها موسى عليه السلام وهذا هو السبب في رجوع الملك عن موسى، إذ لو كان الأمر غير ذلك لكان لزاما على ملك الموت أن يقبض روحه.
تفسير وضع موسى يده على متن ثور
“ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي ، فَقُلْ لَهُ : الْحَيَاةَ تُرِيدُ ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ”.وأمر الله إلى موسى يتحدد في وضع موسى يده على ظهر ثور..فلماذا الثور ؟ ولماذا يضع يده ؟الثور رمز للحياة ولذلك جاء تفسير السنين السبع بالبقرات السبع في رؤية الملك التي فسرها يوسف: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ) (يوسف:43).ولما كانت الرؤى من الوحي كان تفسيرها موافقا للقرآن، ومن هنا جاء تفسير القنطار بأنه “ملء جلد الثور ذهباً” وهو ما ورد عن أبي سعيد الخدري في تفسير قول الله عز وجل: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ” (آل عمران: 14). ولما كانت الرؤى قائمة على الرمزية كان تفسير من رأى ثوراً هو الرزق، وهو ما ورد في تفسير الرؤى:“وإذا حلمت بثور سمين في مرعى أخضر فإن هذا يعني الثروة والحظ وبلوغ مناصب لم تكن تحلم بها”. ومن هنا كان تفسير من رأي جلد ثور هو بركة لمن إليه ينسب الثور.ولهذا كان من المناسب لأهل الجنة الذين: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) (الدخان:56) أن يكون أول طعامهم هو أن: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا».والحديث يثبت أن أول ما سيأكله أهل الجنة تحديدا هو زيادة كبد الثور والحوت.وفي تفسير ذلك يقول الألوسي: “وسر تخصيص الكبد: أنه بيت الدم وهو بيت الحياة ومنه تقع قسمتها في البدن إلى القلب وغيره، ولذلك يعبر العلماء عن الدم بالروح السائلة، ففي كونه طعاماً لأهل الجنة بشارة بأنهم أحياء لا يموتون”.وهذا القول يتفق مع القاعدة الشرعية للتفسير الشرعي للرمزية ومنه الرؤى، فمن رأى أنه يأكل شيئا يكون التفسير مرتبط بحال الشيء، حيث فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكل الرطب” بأن الدين قد طاب.وكذلك يكون الأمر مرتبط بنوع الشيء الذي يؤكل والجزء الذي يؤكل منه، فجاء في تفسير الرؤى: الكبد في المنام مال مكنوز مدخر ويعبر، ومن أكل كبدا نال قوة ومنفعة.أما اليد فتدل على العمر المحدود من الدنيا التي يرمز إليها الثور، ودليل ذلك ما جاء في تفسير سورة القيامة – حيث أن موضوع سورة القيامة هو الدليل الإنساني على القيامة- وقول الله عز وجل: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة:4):أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه. فالمنتهى والمحدودية في خلق الإنسان بصورته التفصيلية الدقيقة في اليد والأصابع دليل علي المنتهى العام للخلق، وهي القيامة.وخصها (أي البنان) لأنها أطرافه وآخر ما يتم به خلقه، ولذلك جاء بعدها: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) الدالة على أمل الإنسان الذي يريد أن يخرج به عن أجله.ومن هنا أورد القرطبي عن الضحاك في قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) هو الأمل يؤمل الإنسان، أعيش وأصيب من الدنيا كذا، وأصيب كذا، ولا يذكر الموت.وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يركب رأسه في طلب الدنيا دائباً ولا يذكر الموت. هذا هو الأمل يحدده الأجل والذي يرمز له باليد.كما أن العلاقة بين اليد ومحدودية الحياة تأتي من عدة نواحي
1- دلالة اليد على الإنسان كله، كما قال ابن كثير في تفسير سورة القيامة: “فتسوية البنان كناية عن تسوية جميع البنيان”.
2- دلالة اليد على الملكية، وفيها جاء التعبير القرآني (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
3- حتى العلاقة من الناحية التشريحية، يقول القرطبي: “الأكحل”، عرق الحياة، ويقال له: “نهر البدن” ، وهو عرق في اليد ووسط الذراع، وفي كل عضو منه شعبة، لها اسم على حدة، ومن هذا المعنى جاء المصطلح الفقهي المعروف: “وضع اليد” ومعناه استحواز الشيء بغير ملكية.
4- ومنه دلالة اليد على الحرص، ومنه قبض اليد دليلا على البخل والإمساك: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29)ولهذا جاء معنى “الكف” في تفسير الرؤى: دنيا الرجل، وقبضه انقباض الدنيا عنه، وبسطها انبساط الدنيا.
والآن نعود للحديث: “فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ”، والعلاقة بين الشعر والعمر هي نفس العلاقة بين الثور و”السنين”، ومن هنا كان تفسير رؤية الشعر في المنام هي طول العمر”.وبجانب التفسير الرمزي يكون التفسير النفسي للموقف حيث عالج الحالة النفسية لموسى الكرة للموت والراغب في الحياة حيث أشبع الموقف إحساسه بالكثرة وطول العمر.. من خلال مس الشعر الكثيف الكثير باليد، التي يجس الإنسان بها الأشياء ليدركها ويحس بها. ليشعر أنه بعدد هذا الشعر الكثيف يمكن أن يعيش حتى أن موسى يسأل: أي رب! ثم مه؟!.. فيقول الله له: ثُمَّ تَمُوتُ، فيقول موسى: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، ليكون اختياره لنهاية عمره تخفيفاً عنه ومعالجة لوطأة الموت على نفسه.
أجل موسى ورجوع ملك الموت عنه:
وإذا قال قائل إذا كان ملك الموت قد نزل ليقبض روح موسى فكيف تأخر أجله؟والجواب أن الأقدار مكتوبة في أم الكتاب.. والأحداث تتغير وفقا لما هو مكتوب في أم الكتاب، فنزول ملك الموت ثم ردِّ موسى له.. أمر كتبه الله كما كتب سبحانه كل ما كان بعد ذلك حتى رجوع ملك الموت وقبض روح موسى، ليكون الأجل المقدر لموسى هو ما كان في الرجوع الثاني للملك.يقول الإمام ابن حبان في تعليقه على الحديث: “وبذلك يتبين أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، كما وأمره أن يقول له: أجب ربك، أمر اختبار وابتلاء لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه كما أمر خليله إبراهيم -صلى الله على نبينا وعليه- بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم”.فالموقف أَنَّ أَجَلَهُ قَدْ كَانَ قَرُبَ حُضُورُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا مِقْدَارُ مَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ الْمُرَاجَعَتَيْنِ ، فَأُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ أَوَّلًا مَعَ سَبْقِ عِلْمِ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .ولكن.. هل كان موسى يعلم أنه ملك الموت ؟سواء كان يعلم أو لم يكن يعلم فالأمر سواء..ولكننا نعالج ما يقال بخصوص كل افتراضفبافتراض أنه كان يعلم: قالوا كيف يتجرأ موسى على ملك الموت وهو يعلمه؟!والحقيقة أن الحدة التي كانت في موسى لم تمنع ما هو مثل ذلك، ولذلك جاء في حادثة الإسراء: ” فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ فَقَالَ: يَا رَبِّ هذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخلُ مِنْ أُمَّتِي “!!!وقال: ” رب ما أظن أن ترفع عليَّ أحد”. وفي رواية: “ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا موسى بن عمران يعاتب فيك، قلت: ويرفع صوته ؟ قال: إن الله قد عرف له حدته”.. هكذا (إن الله قد عرف له حدته)، ومن قبل ذلك وكز القبطي فقتله (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (القصص:15).وكذلك عندما ألقى التوراة: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (لأعراف:154)أما افتراض أنه لم يكن يعرفه فهو أمر جائز حدث بين الأنبياء والملائكة، وقد جاءت الملائكةُ خليل الله إبراهيم ولم يعرفهم ابتداءً حتى أعلموه أنهم رسل ربهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ} إلى {خيفة} [هود: 69، 70] ولو علم إبراهيم في الابتداء أنهم ملائكة الله لكان من المحال أن يقدم إليهم عجلاً، لأن الملائكة لا تطعم، فلما وجس منهم خيفة، قالوا: لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط، وقد أخبر الله أن رسله جاءت لوطًا فسيئ بهم وضاق بهم ذرعًا، ومحال أن يعلم ابتداءً أنهم رسل الله ويضيق بهم ذرعًا، أو يسيئ بهم وقد ماثل في ذلك إبراهيم الخليل حينما أتته الملائكة بعذاب قوم لوط فلم يعرفهم.وقد جاء الملك إلى مريم فلم تعرفه، واستعاذت منه، ولو علمت مريم ابتداءً أنه ملك جاء يبشرها بغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويكون نبيًا ما استعاذت منه.ولعلنا نلاحظ في رد هذه الشبهة إظهار التصور الإسلامي المحكم حيث كشف الرد حقيقة تخيير الأنبياء ورمزية وضع موسى يده على متن ثور وتفسير أجل موسى المكتوب عند الله ليكون هذا الإحكام أساساً في رد أي شبهة .
التعليقات