لكن أصحابه ضيعوه!

إنها عبقرية الشافعي رحمه الله في كلمات لخصت ضياع علم، وحضارة، فالإبداع الحضاري يحتاج إلى (بطانة) لا تقل في أهميتها عن إبداع المبدع ذاته، تحتاج إلى عمل جماعي لضبط عمل المبدع، وإلا ضاع جهده، وضاع انتاجه الفكري والحضاري، ولعل الشافعي رحمه الله قد تعلم الدرس جيدا من شيخه مالك رحمه الله عندما قال له: (لا تسكن الريف فيضيع علمك)، فشخص من هذا المنطلق آفة ضياع علم الليث بن سعد المصري رحمه الله .. إذًا فنحن أمام وصية لإمام، ترجمها إمام، ونزلها على إمام، والعلم رحم بين أهله!

إننا نحتاج أن يستشعر كل فرد بأنه مسؤول عن نشر علم الباحث أو العالم، ويبدع في هذا الطريق، ويعتبر أن هذا الإبداع العلمي هو نتاجه هو الذاتي، فينشط في ذلك، ويعمل عليه..

وقد كان الأصوليون أكثر (عملية) وأبعد عن العواطف عندما منعوا من تقليد العالم الذي لم تنضبط أصوله بسبب عدم التدوين أو النقل، ولم تلتئم فروعه وتطرد، فنظروا إلى النتيجة، بغض النظر عن السبب، فمحله موضع ونقاش آخر.

وكم في حضارتنا من ضياع لجهد عالم وباحث، والذي يتابع الاستكشافات العلمية والجغرافية فقط لعلماء الأندلس يدرك كيف تعرضت حضارتنا (للسرقة)، ونسبتها إلى أوربيين لأننا ضيعنا علماءنا، ولم نحتفل بهم، ولا باستكشافاتهم وإنجازاتهم، ولم ننشرها في الآفاق، ليمتنع اندثارها، أو نسبتها إلى غيرنا، إنه (كسل) الأتباع أو العامة، عن حمل رسالة العالم والباحث، وعن القيام بالدور الذي سيعود عليهم بالفائدة، وإذا بغيرنا يتهمنا بعدم وجود (إرث) حضاري علمي وإبداعي، وما ذاك إلا لعدم قيام الأتباع بالدور الإعلامي واللوجستي لجهود علمائنا.

إننا نحتاج أن يستشعر كل فرد بأنه مسؤول عن نشر علم الباحث أو العالم، ويبدع في هذا الطريق، ويعتبر أن هذا الإبداع العلمي هو نتاجه هو الذاتي، فينشط في ذلك، ويعمل عليه، فإذا انتشر كان شريكا للعالم في هذا العلم، من دون أن ينقص من أجره شيء، وهذه خصيصة لهذه الأمة، فما من حضارة إلا وتعتمد على المردود (المادي) الدنيوي لأي عمل، في حين إن المردود الأعظم في حضارتنا هو طلب من عند الحق تبارك وتعالى.


التعليقات