فوضى المقاييس…!!

المقياس أو الأصل أو الأساس هو أهم ما يوضح تقييم الأشياء، سواء حسية أو معنوية، وإذا فسد المقياس انهار التقييم، ولم يوضح الحقيقة، بل قد يكون مُضللا، والإنسان بطبيعته قد تَفَهَّمَ – على الجُملة – أهمية المقياس، ووضع لها عددا من الشروط التي يجب أن تشتمل عليها، فمثلا اختار الإنسان الماء ليكون مقياسا لحرارة الأشياء، فاعتبر أن نقطة تجمد الماء هي صفر، ونقطة غليانه هي 100، وبينهما وضع التقسيم، وعندما نقول أن درجة غليان زيت الزيتون هي 300 فإن ذلك يعني أن زيت الزيتون يحتاج إلى ثلاثة أضعاف ما يحتاجه الماء ليصل لنفس درجة الغليان التي يصل لها الماء عند 100.

وتظهر فوضى المقاييس في مجالات متعددة ولا تتوقف على البسطاء أو العامة؛ وإنما تمتد لكل المناحي، فكل من يتكلم في غير فنه فهو عامي فيه، لكنه يستدعي (تفوقه) في مجاله ليسحبه إلى المجال الذي لا يفهم فيه.. فعندما تقول مثلا أن السبرتو أو الكحول نجس، وبغض النظر عن الراجح من الناحية الفقهية؛ فإنك تفاجئ بمن يقول: كيف يكون نجسًا ونحن نستعمله كمطهر للجروح؟!! نعم .. قد يكون مُطَهِّرًا في المجال الطبي، لكنه نجس في المجال الفقهي، وبغض النظر أيضا عن مدى جواز استعمال النجاسات في الطب .. لكن السؤال الاستنكاري يوضح فوضى المقاييس التي يعانيها السائل…

إننا نحتاج إلى معرفة المقاييس، ونضبطها، وعندما نتكلم في مجال ما لابد أن نلتزم بمقاييسه، أو بأعراف أهل صنعته، ومصطلحاتهم، ولا نسحب أعراف ومصطلحات من علوم وفنون أخرى لإدخالها و(حشرها) في كل فن هي أجنبية عنه.

وفي المقابل فإن الماء المستعمل في الطب غير الماء المستعمل عند الفقهاء، فالمستعمل عند الأطباء قد يكون في توصيف الماء غير المعقم، أو الذي تم استعماله كمُعَقِّم، فهو طهور في ذاته مطهر لغيره من الناحية الفقهية، وإن كان مستعملا في نظر الطب، بينما الماء المستعمل في عرف الفقهاء ومقياسهم هو الماء المستعمل في طهارة كاملة، وهو طاهر غير طهور على الراجح، أي أنه طاهر في ذاته، لكنه غير مطهر لغيره.

وعندما تقول أن السيسي صاحب قدرات عقلية محدودة، وهذا واضح بَيِّن من خلال أمور تواترت؛ تُفاجأ بمن يتكلم في قدراته على المناورة وخداعه للرئيس مرسي والإخوان، وخداعه للمصريين، وفي الحقيقة فإن وظيفته كرئيس للمخابرات الحربية قد عمل على استعماله لطرق وأساليب معروفة ومتبعة في أجهزة المخابرات، وتعتبر بدائية وغبية بالنسبة لها، لكنها بالنسبة للعامة في منتهى الذكاء..

فأجهزة المخابرات تتعامل من هذه الخطط النمطية التقليدية بنوع من البرود، ولا تعتبرها طرقًا إبداعية، ويعرف ذلك من لامس هذا الفن، هذه الطرق البدائية – في نظر علم المخابرات وأجهزته – تعتبر طرقا مبهرة بالنسبة للعامة، فمن السخف أن يتم نقض القدرات العقلية المحدودة له بناء على خطط نمطية مُعَدَّة سلفًا في جهاز كان على رأسه، ولا يمكن أن يظن أنه كان غافلا عما يجري في الجهاز! لأن فرض المسألة والادعاء فيها: أنه صاحب قدرات محدودة .. وليس مجنونًا!!

إننا نحتاج إلى معرفة المقاييس، ونضبطها، وعندما نتكلم في مجال ما لابد أن نلتزم بمقاييسه، أو بأعراف أهل صنعته، ومصطلحاتهم، ولا نسحب أعراف ومصطلحات من علوم وفنون أخرى لإدخالها و(حشرها) في كل فن هي أجنبية عنه.


التعليقات