الحمد لله العزيز الحكيم؛ رفع أهل التقوى والإيمان فهم أعزة، ووضع أهل الظلم والطغيان فهم أذلة، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، فهو مبتدئ النعم ومتممها، وهو دافع الضراء وكاشفها (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ توكل على الله تعالى فكفاه، وركن إليه فآواه، واعتز به فأعزه، واستنصره فنصره (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ تركوا الدنيا طلبا للآخرة، ففازوا بالدارين، ونالوا الحسنيين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد.. فقد رضيتم لأصواتكم أن تكون تقوية لصوت الظالمين ورضيتم لأعدادكم أن تكون عزوة للقتلة والمجرمين ، يدفعكم إلى ذلك استهتارٌ بالحق وأهله وأمن من عقوبة الله وسخطه ورجاء في سراب الظالم ووهمه ، فأبشروا بخسارة الدنيا والآخرة فقد قال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم :”سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه ، وهو وارد علي الحوض“.
فأي شيء ينفعك وقد تبرأ منك الرسول وتوعدك بعدم الورود على حوض الكوثر يوم الحسرة ؟! أنتم أيها المساكين قد غركم الشيطان الغرور فظننتم أن تصويتكم للظالم ليس كجرم الظالم ، ولكن الله تعالى جمع بين الظالم وأعوانه في كل موضع عذاب،فقال عن فرعون { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } فأدخل أعوانه في وصف الظالمين ولم يفرق بينهم في عذاب الدنيا.. ثم في المحشر ينادى عليهم جميعاً قال تعالى [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ] وفرعون لم يكن له ولد وزوجته كانت مؤمنة، ولكن المقصود بـ”آله” هم أعوانه وأتباعه والمناصرين له ، فانتظر يوم ينادي يوم القيامة عليك مع من اخترتهم وأعنتهم لتحشر معهم وتنال مما سينالهم ، فكل ظلم لهم ستجد منه كفلاً في أعمالك ، ثم لن تنفعك حسناتك فمثلك كالمفلس ـ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ـ يأتي بحسنات كالجبال ليوزعها على المظلومين ثم يحمل من أوزراهم بعد.. وقد أخبر سبحانه أنه لا يقبل تعللكم بالضعف بل سيجمعكم مع أسيادكم ليكون بعضكم عذاباً على بعض، قال تعالى: {وَبَرَزُواْ للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} ، وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} ، فلن ينجيكم من عذاب الله أنك أتباع ، فأتباع الظالمين مع الظالمين كما أتباع الصالحين مع الصالحين.. ولقد جاء خياطٌ إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان (وكان ظالما)، فهل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط !! ، وقال أهل العلم من السلف:” أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلما ومنهم من كان يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين فى الآية فان المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الاثم والعدوان من أهل ذلك” ، وهذا وقد استقر للظالم ملكه.. فما بالكم بمن أعان الظالم على التمكن والنصر؟! ولا تحسبوا أن كلامي شدةً أو تهويل بل ما ينتظركم عند الله أشد وأعظم ـ والله ـ من أن تصفه الكلمات ، فلقد قال صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ ، أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ » …
وتعجز الكلمات عن وصف سخط الله إذا نزل فإنه إن نزل لا يرفعه شيء.. بل روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم:«من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله و ذمة رسوله» فأي عذاب تتحملوه إذا برئت منكم ذمة الله؟! …أتظنون الظالمين ينفعوكم وقتها أو يذكرون لكم أصواتكم التي أقمتم بها ؟! فأنتم يا من انتخبتم الفلول قد أقدمتم على أمرٍ عظيم مالكم به قبل، فهذه الأمة حية كتب الله أن يبقى فيها الخير إلى قيام الساعة، فسنن الله غلابة ، وسنته في الظالمين وأعوانهم أن يقصمهم لا أن ينصرهم ، قال تعالى: [وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إنَّا كُنَّا ظَالِـمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ] ، وقال سبحانه وتعالى:[وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون] ، فسنته سبحانه أن يسلط الظالم على أعوانه ثم يعمهم جميعاً بعذابه .. ولا عجب من شدة الوعيد وعظم العذاب المتنزل على أمثالكم ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود: “ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل” فجعل الانكار القلبي على الظلم أضعف الإيمان فكأن ما وراء ذلك النفاق والعياذ بالله، فلا عجب أن من أعان الظالمين بصوته يظن الأمن والرزق في أيديهم فلو صحح إيمانه ما أعان أمثالهم.. لقد جاء في الحديث الشريف : “إذا رأيتَ أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تُودِّع منهم” فانظروا الفارق الشاسع بين قوله “تًٌودِّع منهم: أي لا خير فيهم” لمن ترك الوقوف أمام الظلم وبين حال المناصرين للظلمة والمقيمين لبنيانهم أمثالكم.. وأخيراً أقول لأعوان الظالمين ستفرحون قليلا وتبكون كثيراً ، وإنما الأمن في حقكم استدراج ، فلا يغرركم حالكم ففي الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسولُ الله: “إنَّ الله يملي للظالم فإذا أخذَه لم يفلته“، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ].. وأقول للساكتين والصامتين الذي أوهموا أنفسهم بأن الصمت نجاة ، اسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :”انصر أخاك ظالما أو مظلوما“، قالوا: يا رسول الله؛ ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ فقال: “تحجزه – أو تمنعه – من الظلم، فإن ذلك نصره” ، فليس في دين الله سلبية فالساكت عن الحق شيطانٌ أخرص ، فإما أن تنصروا مظلوما أو تمنعوا ظالماً وإما الإثم والعقوبة ، نسأل الله ألا يسلط علينا بذنوبنا من لا يخافه فينا ولا يرحمنا.. وأقول للواهمين الساعين خلف سراب الاستقرار والأمن إن من أخافكم وهو في حاجة لأصواتكم لن يحميكم وقد ملك رقابكم، وقد ساقكم من قبل طاغية بوعود كاذبة ـ كتلك ـ فما زادتكم إلا خوفاً وفقراً ، فعودوا إلى مولاكم فإن الظالمين لا يملكون رزقاً ولا أمناً بل هو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين .. وأقول للظالمين قد جاءتكم سنن أمثالكم فكنتم كالمقاتلين على جبل الذهب كلما قتل واحد قال آخر لعلني من سينجو، أو أنتم كمن هو على شفا جرف هاو فانهار به في نار جهنم ، فانتظروا فإنا منتظرون وإلى الله عاقبة الأمور ،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
التعليقات