في هذه الجائحة ظهرت سلوكيات لم تكن معتادة للحيوانات التي تلاصق بني الإنس، أصبحت أكثر حرية، وأكثر اطمئنانا على حياتها، ويبدو أن الإنسان هو الكابوس الذي يسيطر على مخيلة الكائنات الأخرى، حتى إنه لما اختفى قليلا؛ تغيرت سلوكياتها!
فعندما أمر أجد أن القطط تقف وسط الشارع، وبالرغم من اقتراب سيارتي منهم؛ إلا أنهم لا يتحركون إلا بعد أن أقترب منهم كثيرا! ولمحت نظرة من أحدهم وهو ينظر إلي في عيني، نظرة يقول فيها: هل ما زالتم موجودين؟! ثم يتحرك في رعب ومفاجأة، وكأنه اطمئن، وحلم بعدم وجود جنسنا، وأفاق على صوت محرك سيارتي!
إن الآدمي بحر هادر، كلما ظننته هادئًا أظهر لك عُنفًا يفوق خيالك، وإذا وَضَعْتَ قواعد التعامل مع عنفه؛ فوجئتَ برد فعل رقيق، يجعلك تخجل من نفسك، وكيف تعاملتَ معه بقواعد لا تلائمه!
واليوم .. كان المشهد مأساويا، رأيت عصفورا قد دهسته عجلات سيارة، فاستوى بالأرض، وتناثرت دماؤه وأشلاؤه.. يا له من منظر!
تُرى .. هل اعتقد هذا العصفور أننا فعلا فنينا، وأننا لم يعد لنا وجود على هذه الأرض؟
كيف تخلى عن آليات الهروب من عجلات السيارة التي دهسته؟
كيف اطمئن كل هذا الاطمئنان الذي أورده هذه المهلكة، وهذه النهاية الأليمة؟!
العجيب أن له آليات أقوى وأسرع من آليات القط الذي هرب مني في اليوم السابق، لكنه اطمئن.. وثق فيما هو ظاهر، ولم يضع احتمالات تقلب الأحوال، وأن الاطمئنان (للآدمي) قد تكون عاقبته خُسرًا..
إن الآدمي بحر هادر، كلما ظننته هادئًا أظهر لك عُنفًا يفوق خيالك، وإذا وَضَعْتَ قواعد التعامل مع عنفه؛ فوجئتَ برد فعل رقيق، يجعلك تخجل من نفسك، وكيف تعاملتَ معه بقواعد لا تلائمه! فتستلم مرة أخرى، وتطمئن، فيفاجئك، وقد وضعتَ أشرعتك، وتركتَ مجدافك، أنك في بحر متلاطم، لا يرحم، ويكون (أول) من يلطمك بعد أن أفضيتَ إليه، وأخذتَ منه ميثاقًا غليظًا! مُتَقَلِّبٌ مُتَلَونٌ، ولهذا إذا مَسَّه الضُّرُّ دعا لجنبه أو قائمًا أو قاعدًا، أي في كل حال، وعلى أي وضع، وعند هذه النظرة لابد أن تؤكد أنه قريب، فيظهر وجهه الآخر لما يكشف الله عنه ما هو فيه، كأن لم يدع الحق إلى ضر مسه!
لم تكن إذًا مشكلة العصفور إلا في كونه عصفورا، يغرد، ويمتلك أحلاما (رومانسية)، ويحلق في فضاء بعيدا عن الأرض، و(يطمئن)، و(يفضي)، ثم يفيق على كارثة تودي بوجوده ذاته، ولو كان يمتلك نفسا كنفس الآدمي؛ ربما استعمل (آلته) وطار قبل أن تدهسه عجلات السيارة، لكن مشكلته أنه .. عصفور!
والمشكلة الأكبر أن بعضا من بني آدم لهم أبدان أترابهم، وأرواح العصافير، فهل يكون مصيرهم كمصير هذا العصفور القتيل؟!
التعليقات