مدخل:
لقد بعث الله رسوله فهدى به من الضلالة ، وأكمل به الدين فكانت النعمة السابغة العظيمة التامة ،ونزل قوله تعالى : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا..]، فما من خيرٍ إلا وقد جاء في كتاب الله وسنة رسوله وما من شرٍ إلا وقد نُهَّى عنه، وعلى هذا تجتمع الأمة فهو أمرها ودينها، والعقول الصحيحة تتوافق مع النقول الصريحة، والنفوس السوية والقلوب الطاهرة تُقبل على هذا الحق وترى فيه خيرها وهداها، ولكن هناك من تحركه نوازعه أن يُحدث وينشأ في دين الله ما لا دليل عليه من كتابٍ ولا سنةٍ ، فهل يظن هؤلاء أن الرسول لم يبلغ الدين كما أنزل عليه، أم يظنون أن الله أنزله ناقصاً؟!، إن ما يفعله هؤلاء لجريمة عظيمة في حق أنفسهم وفي حق أمتهم ودينهم ، والأمة لا تستفيد بذلك إلا تفرقاً وتناحراً ، فهم بذلك قد احتملوا أوزاراً فوق أوزارهم وأعمالهم التي أحدثوها لن تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة ،ففي الدنيا لهم الذلة لمخالفة أمره وسنته، وفي الآخرة يأتون سود الوجوه ويُردَّون عن الحوض ويقول لهم ( سحقاً سحقا ً لمن بدل بعدي ) ، فإذا لجأوا لأعمالهم وجدوها كسرابٍ بقيعة فإذا أتوها لم يجدوا إلا الظمأ والعذاب الأليم ذلك لأنها أعمالٌ مردودة غير مقبولة ، وهم مأزورون غير مأجورين ..
– والأصل عند الكلام عن البدعة أن نبدء بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) ([1]). وفي رواية مسلم : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) ([2]).
– قال أحمد – رحمه الله – : (أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة رضي الله عنها (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وحديث النعمان بن بشير (الحلال بين والحرام بين)، وذلك لأن الدين كله يرجع إلى فعل المأمورات وترك المحظورات والتوقف عن المشتبهات (حديث النعمان) وهذا لا يتم إلا بأمرين:
(1) قصد الله بالعمل (النية الصالحة) (حديث عمر)، (2) موافقة السنة (حديث عائشة).
– قال النووي – رحمه الله – (هذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به)([3]).
– قال ابن رجب – رحمه الله – (وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها ، كما أن حديث (الأعمال بالنيات) ميزان للأعمال في باطنها ، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى ، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله) ([4]).
– ومن الأحاديث التي تعضد وتكمل معنى هذا الحديث: حديث العرباض بن سارية : ((صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه الموعظة موعظة مودع فماذا تعهد إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) ([5]).، وفي حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً وفيه ((وشر الأمور محدثاتها)) ([6]).
– تعريف البدعة:
البدعة في اللغة ترجع إلى معنيين :
الأول: ابتداء شيء وصنعة لا على مثال سابق ، ومنه قوله تعالى : [بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]،
والثاني: الانقطاع والكِلال: فالعرب تقول: أبدَعت الإبلُ: أي كلَّت وعَطِبت ،
وهما متفقين مع المعني الشرعي فالبدعة إحداث في دين الله ما لم يأتي به الشرع، وهي انقطاع عن السير في طريق الهدي وميلٌ عن السنة.
– وفي الشرع يعرفها الشاطبي بأنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) ([7]).
فقوله (طريقة) : أي كل ما رسم للسلوك عليه أو اتخذ للتعبد به سواءً كان في المسائل العلمية أو العملية.
وقوله (في الدين) : لأنها لو كانت في الدنيا لم تكن بدعة ، وفي الحديث قال : ((في أمرنا هذا)).
وقوله (تضاهي الشرعية) : أي تشابهها من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضاهاة للشرع وتكون المضاهاة بالالتزام أو المنع ، كمن يُلزم نفسه بما لم يلزمه الشرع به أو يمنع نفسه من شيء لم يمنع منه الشرع على وجه القربة والديانة، وتكون كذلك بتخصيص زمان أو مكان أو هيئة بصفة أو عمل لم يخصصها الشرع وغير ذلك من صور المضاهاة.
وقوله (يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) : فالشريعة تُقصد لمصالح العباد في الدنيا والآخرة ، وهو ما يقصد المبتدع ببدعته، وهذا واضح في العبادات ، وإما بالنسبة للعادات فإن الابتداع يدخلها من حيث أنه لابد في كل عاديٍ من شائبة تعبد فالبيع والشراء والطلاق والإجارات والجنايات تعتبر كلها عاديات ، ولابد فيها من تعبد إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها سواء كانت واجبات أو مستحبات أو مكروهات أو محرمات أو كانت تخييراً للمكلف في المباحات. فإذا جاء الابتداع من هذا الوجه صح دخوله في العادات كالعبادات وإلا فلا.
والبدعة نوعان باعتبار تعلقها بالدليل الشرعي وعلاقتها بالعمل من حيث الالتصاق والانفراد:
1- بدعة حقيقية : (هي التي لم يدل عليها دليل شرعي ، لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم ، لا في الجملة ولا في التفصيل) ([8]).
2- بدعة إضافية : (هي التي لها شائبتان : إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكن من تلك الجهة بدعة ، والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية ، فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي (البدعة الإضافية) أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل ، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء.
والفرق بينهما من جهة المعني أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها،مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة) ([9]) ،وأمثلة ذلك :
(1) الصلاة على الرسول قبل الآذان بدعة حقيقية إذ ليس لها أصل ، أما الصلاة بعد الآذان فسنة، أما الجهر بالصلاة عليه مع رفع الصوت بعد الآذان فبدعة إضافية.
(2) قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنة مستحبة، ولكن الجهر بها في المسجد بدعة إضافية.
(3) ومن ذلك من حرم على نفسه النساء ، أو أوجب على نفسه القيام بلا نومٍ والصيام بلا فطر ، كما قال لمن ظن أنه يسعه فعل ذلك مع أن هديه خلافه: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني )
ولقد ذكر الشاطبي من أنواع البدع الإضافية : المتشابهات – التبرك بالصالحين وآثارهم – و(أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل ،توهماً أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل ،وذلك بأن يقيد إطلاقها أو يطلق تقييدها ) وهو ما ضرب له مثلاً بتخصيص زمان أو كيفية زائدة بقصد التعبد لعبادة شرعت على العموم كالنفل المطلق من الصيام والصلاة إذا خصص له زمان بقصد التعبد
حكم الابتداع:
التحريم لأمر الشرع بالاتباع وشدة ذمه للابتداع ،ومن الذم الوارد للبدعة كون:
1-البدعة ضلال عن الحق يهدي إلى النار :
قال تعالى : [فماذا بعد الحق إلا الضلال]، [وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله]، ويقول : ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) ([10]).
2-البدعة خروج عن اتباع النبي :
وقد قال تعالى : [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ]، فبدون الاتباع يخسر المرء حب الله ومغفرته.
3-البدعة تتضمن طعناً في الإسلام:
لأن الكامل لا يحتاج إلى إضافة لكن الناقص أو القاصر هو الذي يحتاج إليها.
4-البدعة تضمن طعناً في الرسول:
لأنه إما أن يكون جاهلاً بها أو كاتماً لها وكلاهما طعن فيه صلى الله عليه وسلم .
5-البدعة سبب تفرق الأمة :
[كل حزب بما لديهم فرحون]، فتجد التفرق يدب في الأمة بسببها.
6-أن انتشار البدعة سبب لضعف الالتزام بالسنة:
فما من بدعة تحيا إلا أماتت سنة مقابلة لها مكانها.
– وجوب الاتباع:
– قال ابن تيمية (وأنتم تعلمون – أصلحكم الله – أن السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها: هي سنة رسول الله في أمور الاعتقادات وأمور العبادات وسائر أمور الديانات ، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في أقواله وأفعاله وما تركه من قول وعمل ثم ما كان عليه السابقون والتابعين لهم بإحسان) ([11]).
– قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] ([12]).
– ولقد قال : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي، قيل: ومن يأبي يا رسول الله؟!، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي)) ([13]).
والعمل يجب أن يكون موافقاً للشرع في ستة أمور وإلا دخله الابتداع:
1-السبب :
كالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فسبب هذا العيد لم يرد في الشرع فهو احتفال بدعي، وكإحياء ليلة السابع والعشرين من رجب ، فالتهجد عبادة ولكن لما قُرِنَ بهذا السبب كان بدعة لأنه سبب لم يرد في الشرع.
2-الجنس :
كأن يضحى إنسان بفرس فهذا بدعة، لأن الأضاحي تكون من جنس الأنعام فقط (الإبل والبقر والغنم).
3-القدر :
كما لو صلى أحدهم الظهر ستاً.
4-الكيفية:
فلو نكس إنسان الوضوء أو الصلاة لما صح وضوءه أو صلاته لأن عمله مخالف للشرع في الكيفية.
5-الزمان:
كتخصيص ليلة الجمعة بعبادات خاصة أو تخصيص أيام معينة بصيام خاص بدون دليل.
6-المكان:
كما لو وقف أحدهم في مزدلفة يوم عرفة، لم يصح وقوفه وكان بدعة وكذلك لو اعتكف مثلاً في منزله بدلاً من المسجد.
مناقشة أدلة أهل البدع:
– بعضهم يستدل بحديث ((من أحدث)) على أن التحريم واقع في أول من أحدثها فقط وليس من اتبعه وفي رواية ((من عمل عملاً)) رد على هذه الشبهة ، ففيها التصريح بأن كل المحدثات سواء أحدثها الفاعل أو سبقه أحد بإحداثها مردودة غير مقبولة.
– وأهل البدع يستدلون بحديث ((من سن سنة حسنة وله أجرها وأجر من عمل بها)) وأثر عمر ((نعمت البدعة هي))
فأما الحديث فيرد عليهم :
1- أن الحديث في السنة الحسنة والسيئة وليس البدعة، والسنة تطلق على الطريقة والعادة والخلق
2- أن الحديث له سبب ورود ، وهو الصدقة التي كانت سبباً في تكاثر الصدقات
3- أن للحديث لفظ آخر هو ((من أحيا سنة من سنتي قد أميتت فله أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)).
– وأما قوله عمر فكان في صلاة التراويح جماعة في المسجد والرسول قد فعلها من قبل وقد تركها لئلا تُفرض على الناس، فالمقصود إذاً المعني اللغوي لا الشرعي لأن فعله لا يندرج تحت البدعة الحقيقية أو الإضافية فلا دليل لهم به.
فأدلة أهل البدع:
1- أدلة غير معتبرة شرعاً:وعدم اعتبارها له صورتين:
أ- غير شرعية فاسدة الأصل والثبوت: فلا يستدلون بآية ولا حديث، ولا فعل صحابي أو قوله أو إجماع للسلف ، بل أدلتهم عقولهم وأذواقهم وقلوبهم ، وما ذنب الدين إن كانت عقولهم فاسدة، وأذواقهم ماجنة ، وقلوبهم ميتة.
ب- شرعية غير ثابتة: فتجدهم يستدلون بأحاديث موضوعة مكذوبة أو ضعيفة مهترئة مسلسلة بالانقطاع أو الكذب أو الوهم أو غير ذلك كاستدلالهم على التوسل بالأموات بحديث أن آدم عليه السلام لما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمد ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله (صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى، أدعني بحقه، فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) وهذا حديث موضوع مكذوب.
2- أدلة معتبرة شرعاً:
وهي آيات وأحاديث يحرفون معانيها ويتلاعبون بمرادها بالشبهات مثلهم كمثل نصاري نجران لما استدلوا بقوله تعالى : [نحن] أنها للجمع وإنما هي للتعظيم الذي يستحق الله سبحانه كماله المطلق فقال تعالى في حقهم : [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ]، ومن ذلك استدلالهم بطلب عمر من العباس عم الرسول أن يدعو لهم توسلاً بدعائه على جواز التوسل بالأموات وهو دليلٌ عليهم لا لهم ذلك أن الصحابة تركوا التوسل بالرسول وطلبوا دعاء العباس فدل ذلك عدم جواز التوسل بالأموات، وكل استدلالاتهم من هذا الوجه باطلة فاسدة..
ورحم الله مالك فقد قال أن السنة (مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)
فالاعتصام بالسنة نجاة …. فالسنة السنة يا عباد الله
مسألة : هل ترك النبي لعبادة يجعل فعلها بدعة ؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (إذا ترك الرسول فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائماً ثابتاً والمانع منها منتفياً ، فإن فعلها بدعة) ([14]).
فترك الرسول يكون حجة بشرطين:
1-وجود السبب المقتضي للفعل في عهده : فإذا لم يوجد السبب في عهده كان الفعل مشروعاً غير مخالف لسنته ، كقتال أبي بكر لمانعي الزكاة ، ويشترط في هذا الفعل الذي وجد سببه ولم يكن في عهده ألا يكون بسبب تفريط الناس وتقصيرهم في السنة ، مثل أن يُقدم البعض العيد على الصلاة لكن لا ينفض الناس ، فإنه لو التزم هدي النبي وسنته في الخطبة لم ينفضوا ويتركوه.
2-انتفاء الموانع، لأنه قد يترك عملاً ما مع وجود مقتضاه لمانع، كتركه التراويح مع الصحابة جماعة خوفاً أن تُفرض عليهم، ولذا كان جمع عمر لهم على الجماعة مشروعاً بل مستحباً. ومنه جمع أبي بكرٍ للمصحف.
– وعلى ذلك فما كان من جنس المصالح المرسلة فليس بدعة وهي المنفعة والفائدة التي يصلح بها أمر العباد ، وقد أطلقها الشرع فلم يقيدها باعتبار أو يهدرها بإلغاء، ويشترط فيها أن يوجد للمعني المناسب فيها جنس اعتبره الشرع في الجملة وأمثلتها استخدام مكبرات الصوت في المساجد للآذان والتعليم وغير ذلك.
– وضابط تمييز المصلحة المرسلة من البدعة المحدثة ما قال ابن تيمية رحمه الله:
(والضابط في هذا والله أعلم أن يقال : إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه :
فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي من غير تفريط منا ، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه ، وكذلك إن “كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله ، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته
وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد ، فهنا لا يجوز الإحداث ، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله موجودا ، لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة . وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة ………..
فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة ، وهو مع هذا لم يشرعه ، فوضعه تغيير لدين الله ، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين ، من الملوك والعلماء والعباد ، أو من زل منهم باجتهاد ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير واحد من الصحابة : « إن أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون »
– فمثال هذا القسم : الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره المسلمون لأنه بدعة ، فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهته ، وإلا لقيل : هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله ، فيدخل في العمومات . كقوله تعالى : اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وقوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ، أو يقاس على الأذان في الجمعة ، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين ، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع . بل يقال : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا ، وزوال المانع ، سنة ، كما أن فعله سنة . فلما أمر بالأذان في الجمعة ، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة ، كان ترك الأذان فيهما سنة ، فليس لأحد أن يزيد في ذلك ، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات ، أو صيام الشهر ، أو الحج ، فإن رجلا لو أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات وقال : هذا زيادة عمل صالح ، لم يكن له ذلك . وكذلك لو أراد أن ينصب مكانًا آخر يقصد لدعاء الله فيه وذكره ، لم يكن له ذلك ، وليس له أن يقول : هذه بدعة حسنة ، بل يقال له كل بدعة ضلالة)
ومما ذُكر في التفريق بين البدعة الإضافية والمصلحة المرسلة أن المصالح المعتبرة لا تكون في المقاصد وإنما في الوسائل أما البدعة فيُقصد بها التقرب
أسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال
مراجع يمكن الاستفادة منها :
الاعتصام للشاطبي ،مجموع فتاوى شيخ الاسلام،وجامع العلوم والحكم لابن رجب ،وحقيقة البدعة لسعيد الغامدي ،وقواعد البدع للجيزاني ،وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين مع عدد من كتيباته ،وشرح الأربعين النووية لمحمد يسري ، ووقفات مع متصوفة اليوم لخالد عقدة ،وغيرها…
الهوامش:
([1]) البخاري 2697.
([2]) مسلم 1718.
([3]) شرح صحيح مسلم 12/16.
([4]) جامع العلوم والحكم.
([5]) أبو داود 4606 ، ابن ماجة 1425 ، أحمد (6/73، 240، 270) ، والبخاري في الصحيح 697، ومسلم 1718.
([6]) مسلم 867.
([7]) الاعتصام للشاطبي ، ص 28.
([8]) الاعتصام للشاطبي ، ص 210.
([9]) الاعتصام للشاطبي ، ص 210.
([10]) مسلم 3/153، والنسائي 3/188.
([11]) مجموع الفتاوى 4/436.
([12]) [النساء : 59].
([13]) البخاري 7280، ومسلم 1835.
([14]) مجموع الفتاوى 26/172
التعليقات