السؤال:
كيف أفرح بعمل صالح من الطاعات، وأعتز أنني مداوم عليه، مع علمي بأنني مهما عملت فأنا مقصر، ومهما بذلت فأعمالي بين القبول والرد؟
الجواب:
أخي الحبيب، الأمر أيسر من ذلك، لأسباب:
الأول:
إننا لا نعامل خيرا من ربنا الرحمن الكريم، فيقبل منا عملنا الصالح على عيبه ومع تقصيرنا، ويثيبنا عليه بفضله الواسع تكرما وإحسانا. وهذه صفاته التي به عرفناها، ونعامله بمقتضاها (وما كان الله ليضيع أعمالكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
الثاني:
إن ربنا – عز وجل – لما حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، جعل فرحنا به أعظم من فرحنا بغيره، بل وأمرنا أن نفرح به (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) فكيف لا نفرح؟
الثالث:
إن الفرح المأمور به هو ذلك الفرح الذي تنشرح به النفس وتطمئن، وليس الفرح الذي به عجب بالنفس أمام الخالق، أو افتخار وتكبر على المخلوق.
الرابع:
فالفرح الصحيح هو ما قام على رؤية الفضل الرباني في اصطفائه للعبد، وتوفيقه للطاعة، وتثبيته رغم الفتن، لذلك قال ربنا: (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) فهو تفضل لا استحقاق.
الخامس:
أما الفرح المذموم فهو ما قام على رؤية النفس وكسبها، على أنها تستحق دون تفضل من ربها، كما قال قارون: (إنما أوتيته على علم عندي). فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم -: “لن يدخل أحدا عمله الجنة” [متفق عليه].
السادس:
فإن العمل الصالح سبب للثواب والجنة، كما وعد رب العالمين، ووعده حق. لكنه لنقصه، ولأن العبد مغمور بأفضال ربه، ليس ثمنا مكافئا للثواب والجنة. فلو رده ربنا بالعيب لم يكن ظالما، لكنه لكرمه وعد بقبوله، وبتضعيف ثوابه، وبالتفضل على أهله بجنته.
السابع:
ثم إننا ناس من الناس، فلو اطمأننا للوعد، ولم نخف من الوعيد، لغلبنا الركون إلى الكسل، واستدرجنا للتفريط، حتى ربما غلبت علينا أسباب الهلاك. فكان من حكمة الله – تعالى – أن يجعلنا بين الخوف والرجاء، حتى ننجوا مما نخاف، وننال ما نرجوا. ولذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تبشرهم فيتكلوا” [متفق عليه] شفقة علينا من ضعفنا وأهوائنا، وسعيا في صلاحنا ونجاتنا.
الثامن:
فصلاح العبد أنه إذا غلبه الشيطان بكسل أو تفريط، حركه خوف الوعيد. وإذا غلبه الشيطان بيأس أو قنوط، حركه رجاء الوعد. حتى يلقى ربه على خير حال، يكون كما قال – صلى الله عليه وسلم -: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله – عز وجل -.” [مسلم].
فافرح بفضل ربك، فرحا ينفعك، ويرضي ربك، حتى تلقاه.
التعليقات