من الجرائم المعاصرة للغرب تأسيس فكرة الدولة القومية بحدودها المغلقة أمام الانسياب الطبيعي للسكان، أما فكرة الدولة فقد كانت موجودة فيما سبق، لكن كان من المعتاد أن ينتقل السكان بحرية بين الدول، فقد كان من الحريات القديمة المفقودة في هذا العصر حرية اختيار الأرض والقانون الذي يحكمها والاستظلال بدولة يختارونها.
لكن الحقيقة أن الغرب بهمجيته استطاع بناء (عُلب) وسجون كبيرة، وأقنع البسطاء بالتغني لهذه الحدود، ولترابها الذي تكتحل به الأعين!
نعم؛ قد كان بعض التضييق يحدث أحيانا، وعلى فترات، وفي بعض الدول، لكن هذا لم يكن الأصل المتعارف عليه، ولهذا كان رد الملائكة على من يزعم أنه مستضعف في الأرض: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)؟ وهي إشارة واضحة لحرية الانتقال والتنقل للأفراد، فكأن اعتذار الاستضعاف غير مقبول في ظل هذه الحرية الموجودة، والمفترضة، لكن الحقيقة أن الغرب بهمجيته استطاع بناء (عُلب) وسجون كبيرة، وأقنع البسطاء بالتغني لهذه الحدود، ولترابها الذي تكتحل به الأعين! فإذا حدث خلاف أو اختلاف بين الفرد والسجن الكبير الذي ينتمي إليه ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وغُلِّقت الأبواب والحدود في وجهه، ولم يستطع اختيار الوجهة التي يمكنه أن يعيش فيها بما يتوافق مع فكره وما يعتقد!!
العجيب أن من قاموا بهذا العبث في الحياة الجمعية للبشر، وسحبوا واحدة من أهم الحريات الطبيعية التي كان يتمتع بها الإنسان في العصور التي وصموها دائما بعصور الظلام هم أنفسهم من وضعوا نظريا هذه الحرية من الحريات الواجب توافرها للإنسان من خلال عهود قانونية صماء يتم تجاوزها في الواقع بكل صفاقة، فنصوا في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة»، كما و«يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها»، كما نصوا في المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه: «لكل فرد حرية التنقل واختيار مكان سكناه في أي مكان في نطاق الدولة التي يتواجد فيها بشكل شرعي»، كما «يحق لأي فرد أن يغادر أية دولة بحرية بما في ذلك دولته هو» …
إننا أمام (حقوق) للإنسان لا تعدو كونها حبرا على ورق، يتم استعمالها وقت الحاجة، وإبطالها وقت الحاجة..
لكن الواقع يقول أن القادة والزعماء في العالم يفاخرون بمنع انسياب المهاجرين، وتعقد الصفقات لمنعهم أفرادا وجماعات، وتتضافر القوى الدولية في تسيير وحدات منع انسياب البشر من وإلى الدوائر المغلقة التي تسمى دولا…
إننا أمام (حقوق) للإنسان لا تعدو كونها حبرا على ورق، يتم استعمالها وقت الحاجة، وإبطالها وقت الحاجة، إنها سُنة الأولين في الظلم: (إنما النسيء زيادة في الكفر، يُضل به الذين كفروا، يحلونه عاما، ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله) …
التعليقات