سجن … النفس!!

ما أقسى أن تكون سجينا بلا سجن!!

كلما كنت أتعرض لبعض الاحتجاز كنت أستغرب من إحساس الاطمئنان وعدم الاكتراث الذي يصيبني، بالرغم من محاولتي تغيير هذا الحالة بتذكر حال من يحزنون لفقدي، ويتعبون في متابعة أخباري، ومع ذلك كنت أفشل في تغيير هذه (الحالة)، وفي المقابل كان إحساس الظلم والاحتباس بالرغم من (الحرية) يصيبني بغم قاس…

عند هذا الشعور ربما تقف على معنى الألم النفسي العميق عند أهل غزوة حُنَيْن في ضيق الأرض عليهم: (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت)، ثم يصل الأمر إلى قمة الألم النفسي إذا ضاقت عليك نفسك!! كما حصل للمخلفين الثلاثة: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا ألا ملجا من الله إلا إليه)، فاجتمع عليهم ضيق الأرض، ثم زاد الأمر إلى ضيق …. النفس!!

ولهذا تجد أن المولى تبارك وتعالى قد ذكر فرقا بين الضيق الذي أصاب المؤمنين يوم حُنين، حين تعرض جيش المسلمين لهزيمة مفاجئة، غير متوقعة، فقال تعالى:

نعم … توبة، يتحول بها التائب من حال إلى حال، ويعود من حيث بدأ، ويستأنف من جديد.. إنها الصفحة الجديدة البيضاء التي تحتاج للخط وتشبك الحروب على نحو جديد، وفريد عما سبق..

ويوم حنين!.. إذ أعجبتكم كثرتكم، فلم تغن عنكم شيئا.. وضاقت عليكم الأرض بما رحبت.. هكذا .. ضاقت عليهم الأرض، ففروا مدبرين..

لكن أنفسهم … لم تضق عليهم.. فكان العلاج والخروج عن هذه (الحالة) قريب .. قربا زمانيا ومكانيا بأن أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين.

أما في حالة المخلفين الثلاثة فإن الأمر كان أقسى، إذ تجاوز ضيق الخارج (ضيق الأرض) إلى ضيق الداخل (ضيق النفس)، فما أصعب أن يكون الضيق جزءً من الكيان .. من النسيج، فلا انفكاك، ولا هروب!!

ولهذا كان العلاج: …. توبة من الله … 

نعم … توبة، يتحول بها التائب من حال إلى حال، ويعود من حيث بدأ، ويستأنف من جديد.. إنها الصفحة الجديدة البيضاء التي تحتاج للخط وتشبك الحروب على نحو جديد، وفريد عما سبق..

ثم تاب عليهم: ليتوبوا!!

فأي رحمة تنزلها على قلب عبادك يا مولاي؟!

وأي فضل تمنحنا إياه لنخرج من سجن الأرض وسجن النفس الذي لا انفكاك للمرء عنه إلا بك …. وإليك!!


التعليقات