من أبرز الدعوات التي تبنتها السلفية بفروعها المختلفة، الدعوة إلى التمسك بالدليل، وتثبيت ذلك عند الأتباع والعامة…
من الأسباب الرئيسية – فيما أرى – أن أصحاب هذه الدعوة كانوا على نَفْرةٍ من علم أصول الفقه، أو علموا منه ما يمحو أُمِّيَّتَهُم به من معرفة بعض المصطلحات الرئيسية في هذا العلم
وهذه الدعوة بمطلقها لا غبار عليها، ولا إشكال فيها، فالأصل فعلا اتباع الدليل الشرعي في كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بالمكلفين، لكن الإشكال سرى لبعض أصحاب هذه الدعوة في فهمهم لمعنى (التمسك بالدليل)، وما بثوه عند الأتباع والمحبين بل والعامة من معنى هذا الأصل …
ولعل أسباب حصر الإشكال لا تتناسب مع هذا الموضع، لكن من الأسباب الرئيسية – فيما أرى – أن أصحاب هذه الدعوة كانوا على نَفْرةٍ من علم أصول الفقه، أو علموا منه ما يمحو أُمِّيَّتَهُم به من معرفة بعض المصطلحات الرئيسية في هذا العلم، إذ إن أكثرهم كان يتجه إلى علم الحديث – وأنعم به – وربما اختلط عليه الأمر وفهم أن المقصود بأهل الحديث في الاصطلاح العقدي القديم من يمارس هذا الفن تحديدا، فضلا عن أن هذا الاتجاه تم تعزيزه بنوع من الفقه الظاهري، بل إن بعضهم أصبح ظاهريا – دون أن يدري – أكثر من داود أو ابن حزم عليهما رحمة الله.
وانحصر معنى (القاعدة) في نظر بعض أصحاب هذه الدعوة في التوقف عن العمل أو الحكم الفقهي إلا في حالة وجود (دليل) أي نص من الكتاب أو السنة – آية أو حديث – بالرغم من اتساع معنى (الدليل) الإجمالي ليشمل غيرهما، أو ما يتفرع عنهما من أدلة إجمالية، فالكتاب والسنة هما (أصل) الأدلة، لكن الاقتصار عليهما إهدار لثروة فقهية وأصولية بناها (سلفنا الصالح)، واستمرت لأكثر من أربعة عشر قرنًا!
بل حتى مع حالة وجودهما حصرت هذه (الفئة) معنى الدليل ليس فقط في وجوده من كتاب أو سنة؛ بل زادت على ذلك أن قصرت أوجه الدلالة منهما على ما كان (نصا) فيهما على المسألة المرادة، وبعضهم كان أكثر اعتدالا فتجده ينزل بالدلالة إلى ما كان (ظاهرا) منهما، وما عدى ذلك فغير مقبول.
إن المراجعة التي تحتاجها السلفية باعتبارها الإسلام الساذج النقي لا تقتصر فقط على المراجعة السياسية والسلوكية؛ بل لابد أن تمتد للمراجعة المنهجية لسلوك المنتسبين صغارا وكبارا، لا لشك في المنهج؛ وإنما لمخالفة الـمُتَمَنْهِج، مع اعتقاد السلامة، وادعاء خلو السلوك مما يشين، لا خلو المنهج!
بتصرف واختصار من كتابنا #هوية_العقل_السلفي
التعليقات