لماذا تعنى أمريكا بنشر الديمقراطية؟ ولماذا تفضلها على غيرها كنظام للحكم في الدول التابعة؟
بعيدا عن كون الديمقراطية أداة ابتزاز تستخدمها أمريكا لابتزاز خصومها وحلفائها على حد سواء، و أنها ” أي الديمقراطية” تمثل بقايا القيم التي تقوم عليها الحضارة الغربية، والرسالة المهترئة التي تقدمها إمبراطورتيها للعالم لتسوق بها ثقافتها وحضارتها. إلا أن أمريكا تفضل حقيقة النظم الديمقراطية على الديكتاتورية ، هذا التفضيل ليس من قبل الإيمان البالغ بالديمقراطية ولا لمحبها الخير لسائر الأمم الأخرى ، إنما ينبع هذا التفضيل من منطلق المصلحة المحضة. لقد دعمت أمريكا خلال تاريخها أعتى النظم الاستبدادية ، كما انقلبت على كثير من الديمقراطيات وكل ذلك على حسب ما يوافق سياستها الاستعمارية . لكن خبرة التجارب، وطبيعة الزمان ونمط الأسلوب الذي تتلاعب به أمريكا بمصائر الدول و طريقة التدخل في شؤونها، كل ذلك جعلت النظم الديمقراطية خاصة البرلمانية منها أكثر ملاءمة للسياسة الأمريكية .
فالديكتاتورية قد يخدمها ويسير في ركابها و يحافظ على مصالحها، ولكنه قد ينقلب عليها في لحظة ويخرج عن طوعها ويضر بمصالحها ، وهذا ما يجعل المصالح الأمريكية رهينة بالعواصف المزاجية لهذا النوع من الحكم ، وفي هذه الحالة تكون خيارات السياسة الأمريكية في التعامل مع هذا الظرف محدودة ، و أزرعها قاصرة ، في حين أن النظم الديمقراطية تتبع أدوات عديدة للتدخل في السياسة الداخلية للدول التابعة وذلك أن أسلوب السياسة الأمريكية يقوم على دعم أنظمة الحكم الموالية لها في نفس الوقت الذي تدعم فيه قوى المعارضة في هذا النظام بحيث يضمن أن يظل كلا من الحكومة و المعارضة في الفلك الأمريكي ، وهذا يمكنها من الضغط بهذا الفريق على الأخر أو العكس، كما يوفر لها هذا الوضع بدائل متاحة وجاهزة في حالة انتهاء صلاحية نظام موال لها فتستبدله بأخر موال على نفس السياق ، فتضمن بذلك عدم حدوث فراغ سياسي .
و شغور المكان عن من يراعي مصالحها فضلا عن وقوع السلطة في يد الخارجين عن منظومتها كما أن جماعة الضغط و مؤسسات المجتمع المدني في النظم الديمقراطية تمثل مسارا لنفوز القوى الشعبية , ويتعاظم فيها دور المال و الإعلام في صناعة الرأي العام الضاغط , وتوجيه الجماهير لمسارات محدودة و أهداف مرسومة . كما يمكن من خلالها خلق مناخ من الاضطرابات و إحداث تغيرات سياسية واقتصادية و اجتماعية كبيرة.
لهذه الأسباب و لغيرها تفضل أمريكا النظم الدمقراطية عن الدكتاتورية ، ولكل قاعدة استثناءات و لكل حالة خصوصياتها.
التعليقات