“أتموا ثورتكم .. لاتخونوا دمي ولا الميدان… أتموا ثورتكم .. مازال في القصر كثير من جند السلطان” شهيد
عندما نتحدث عن 18 نوفمبر 2011م فمن اللبس الحديث عن أكتوبر 1973 أو يوليو 1954 ، والذي يفعل هذا فإنما يسعى لاستحضار معاني الانتماء والثقة بالتذكير باسترداد سيناء، أو معاني الخيانة والخوف باستحضار مذابح الاسلاميين ، وكلاهما تلاعب على وتر العاطفة وتغييب للعقل عن فهم المشهد …الحالي بحقائقه ومحتفاته ،أما استحضار المشهدين معا في خطابٍ واحد فيصلح عندما تلقن السذج اللذين يسهل التلاعب بعواطفهم للوصول إلى قبول الاستعباد خوفاً من الخيانة وأملاً في الثقة.
وللفهم الصحيح نحتاج إلى فهم للواقع مبني على تحليل الحقائق بعيداً عن التصريحات العاطفية أوالأعذار والمبررات الوهمية، فالتصريحات العاطفية إنما تستهدف “حيازة الثقة” بلا ثمن حقيقي، والأعذار والمبررات الوهمية وسيلة “تمرير المخططات” وإرخاء الدفاعات.
ويلي ذلك التحرك الصحيح والذي يعتمد على منطلقات صحيحة وأهداف واضحة ، والخلل في المنطلقات يسبب الانحراف في التحركات ولا محالة، فمنطلق “المصلحة” لن يسير بنا في نفس طريق “الكرامة والحرية” ، ومنطلق “الخوف من دفع الثمن” لن يقودنا في طريق “التضحية وتحمل المسئولية التاريخية” ، ومنطلق “الاستعلاء والبحث عن الصدارة” لن يسمح بالتراجع عن الأخطاء أو التكامل مع الآخرين ونادراً ما يتجه بنا نحو “الالتحام مع الأمة” ، فلاعجب إذاً إذا تشتت التحركات مع اتحاد المنهج.
كما أن الخطأ في رسم الأهداف المرحلية قد يؤدي بنا في النهاية أن نصبح عقبة في طريق أهدافنا الكلية ، ولهذا أحببت أن أوجه هذه الكلمات لأخواني ادعوهم فيها للمشاركة في جمعة “المطلب الوحيد”، في محاولة للفهم بلغة الحقائق، وتصحيح المنطلق ، وتجاوز الإشكال، والتحذير من الخطر، ثم دعوة للحاق بموكب الأحرار بعيداً عمن يستمرأ حياة العبيد.
1- دعونا نفهم بلغة الحقائق:
– فمن الحقائق أن أكثر من نصف أعداد الجيش النظامي العاملة هو من المجندين إلزاميا ، يعني من عموم الشعب ويقضون فترة التجنيد.
– أن غالبية الجهاز الإداري والمالي – إن لم يكن كله – هم من القيادات الثانية أو الثالثة في النظام السابق ، فهم جزء أصيل في النظام السابق.
– أن حل المحليات تبعه “تعيينها” دون انتخابات ، وجميع المحليات الجديدة أيضاً من فلول النظام السابق.
– أن انتخابات رئاسة الجامعات تم التلاعب بها بحيث سيطر عليها “جميعها” فلول الحزب الوطني بفضل التلاعب في نظام الانتخاب.
– أنه لم يتم تحويل ضباط أمن الدولة السابقين إلى محاكمات حقيقية أو إدانة أحد من مجرميه ، بل تم إخلاء سبيل المتهمين بقتل المتظاهرين في السويس (قبل مليونية تم رفع شعار الدستور أولا فيها ،وبالرغم أن زخمها كان بسبب الافراج عن قناصة أمن الدولة ، فقد خرج المجلس في نفس اليوم يعلن عن إقرار الوثيقة الحاكمة للدستور).
– أن مد قانون الطواريء يخالف الاستفتاء الذي نص بعدم مدها أكثر من 6 أشهر بدون استفتاء شعبي ، وأن دعوى البلطجة غير مبررة حيث توجد قوائم عند الداخلية بغالبية بلطجية مصر كما لم يتم استخدامه ضدهم.
– أن المجلس العسكري تراجع عن وعود جوهرية – كان قد اكتسب الثقة بسببها – مثل الوعد بمنع من أفسدوا الحياة السياسية من المشاركة مرة أخرى ، ومثل الوعد بتسليم السلطة قبل مرور عام.
– أن المجلس أضاف في الإعلان الدستوري أكثر من 60 مادة لم تدخل في الاستفتاء زاد فيها من صلاحياته وأعطى لنفسه صلاحيات لم تخول له.
– أن شعبة التطرف “الديني” عادت للعمل في أمن الدولة “الوطني” وعندي شهود عيان من أخوة “ملتحين” تم تحويلهم قبل استخراج البطاقة إلى “الأمن”.
– أن هناك شهود مثل “الشيخ صفوت حجازي” و”الشيخ حازم صلاح” أنه تم الامساك بقناصة من الداخلية وضباط أمن الدولة وتسليمهم للجيش لم يتم – حتى – إدراج اسمهم في قضايا قتل المتظاهرين.
– أن بعض المتهمين بقتل المتظاهرين مثل مدير أمن الدقهلية تم ترقيتهم إلى رتبة مساعد وزير داخلية!
– أن الإدارية العليا قامت بإيقاف تنفيذ حكم استبعاد أعضاء الوطنى من الانتخابات.
– أن جميع المطالب بتطهير القضاء لم يتم الاستجابة إليها ، وكذلك المجلس الأعلى للصحافة.
– أن النقابات والأحزاب التي بحوزة الاسلاميين يمكن تأميمها في ظرف 24 ساعة.
– أن مبارك ذو صفة عسكرية وأن شكر المجلس العسكري له على ما قدمه يعني شهادة على نزاهته عسكريا بالرغم من الخيانات العظمى الثابتة
– في الثورة البرتغالية 1974 -1975 احتفظت الطبقة المتحكمة بالجهاز الإداري منفردة وانتظرت خفوت وضعف الثورة العمالية – وهو أمر حتمي مع مرور الوقت – ، واستطاعت بذلك إفشال الموجة الثانية من الثورة العمالية.
هذه بعض الحقائق التي يقوم البعض بمواجهتها بدعاوى فضفاضة عاطفية مثل “لا تشكك في وطنية الجيش” ، “إياكم وتخوين الجيش” ، “انتم عاوزينه يصلح البلد في ليلة” ،”أنتم مش مقدرين المسئوليات” ، “الجيش حمى الثورة” وغيرها من العبارات التي تحول صاحب الحق إلى متهم المطلوب منه التأكيد على عدم التخوين وعدم التشكيك وعدم الرغبة في الصدام و..و.. ، وتتجاهل تماما مناقشة الحقائق أو الحديث حولها.
ولنا أن نتساءل ما علاقة القفز على السلطة بالتشكيك في الوطنية؟!، وما علاقة رفض ممارسات المجلس العسكري بتخوين الجيش؟!، وما وجه الشبه بين مصر القائمة على المؤسسية وليبيا أو سوريا القائمة على القبلية؟! ، وكيف نُتهم ونحن نريده تسليم السلطة مبكراً أننا نسبب تأخير إصلاح البلد ؟!
إن أقل ما تؤكده الحقائق أن المجلس العسكري منحاز لفلول النظام، وأنه أعاد هيكلة الأمن الوطني دون رقابة حقيقية عليه وحافظ على صلاحياته، وأنه النخبة المتحكمة مازالت مسيطرة على مقاليد الأمور، وأن المجلس العسكري ليس عنده أي قبول بأي صورة لمشاركة الإسلاميين – خاصةً – بأي نسبة في مرافق الدولة الأساسية.
أضف إلى ذلك ملف التعامل مع أمريكا واليهود، حيث مازال يقبل بالتدخلات الأمريكية في جميع الشئون الداخلية، بدايةً بقبول السفيرة الأمريكية سيئة السمعة والمشهورة بالتدخل في الشئون الباكستانية كسفيرة في مصر، ثم تمرير اعترافها بتمويل منظمات العمل المدني والسياسي في مصر لاقرار الديمقراطية “الأمريكية” دون أي موقف رسمي، ثم مد الغاز لليهود والتراجع عن سحب السفير بعد قتل الجنود المصريين، وانتهاء بالسعي في الافراج السريع عن الجاسوس الأمريكي اليهودي.
ثم تأتي الحقيقة الأخيرة برفضه تحديد موعد رسمي لانتخابات الرئاسة ، مع عرض مسرحية “مش ناوي يترشح” والتي كان بطل العرض العام الماضي “جمال” مع تغيير البطل بالنجم الصاعد “طنطاوي”.
2- إعلاء قيمة الحرية والكرامة:
عندما نتكلم عن قيمة “الحرية ” و”الكرامة” فنحن لا نرسل كلاما عاطفيا بل نحن نتكلم عن قيم إنسانية جاء الإسلام ليقررها ويحفظها ويعلي شأنها وشأن الموت دونها فمن مات دون عرضه فهو شهيد.
بل إن حقيقة التوحيد نفي العبودية لغير الله وصرفها لله وحده ، وهذه قمة الحرية الإنسانية، ولقد ذم الشرع من ألغى عقله وجعل نفسه إمعة للناس، وذم عبد الدرهم والدينار وجعل صفتهم المميزة “إذا أُعطي رضي وإذا منع سخط” وهذه هي الصفة المميزة للعبيد الذين لا يحترمون أنفسهم ويهينون أنفسهم من أجل الدرهم والدولار.
فالسعي لاقرار “الحرية” مطلبٌ شرعي ، بل إن الجهاد في سبيل الله هو في حقيقته تحريرٌ لغير المسلمين من الطغاة الذين يحولون بينهم وبين سماع الحق ولم يكن يوما إكراهاً لهم على التزامه.
ولكن هذه القيمة العظيمة لها ضريبة تساويها، يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله : ” إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك”.
قد يقول البعض لماذا تتكلم عن الحرية ، ونحن في حرية؟ ولماذا تتكلم عن قيمتها وضريبتها وقد بذلناه؟، أقول: أتحدث عنها لنتمسك بها، ولنشكر الإنعام بها ، ولنحمل رسالتها ، ولنستعد للتضحية في سبيل الحفاظ عليها.
واتحدث عنها رداً عمن يتحدث عن غياب الأمن وينشر بيننا الخوف ويشيع بين المؤمنين القلق من معارضة المجلس العسكري الذي يراد أن نضفي عليه قداسة الأيام المعظمة.
ولقد ذم الله المنافقين فقال تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا) ،وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) ، بينما وصف أهل الإيمان فقال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ؟ .. فعلى قدر الإيمان يكون الأمن.
إن دور الدعاة إلى الله أن يردوا الأمن إلى الله فهو سبحانه”المؤمن” الذي يأمن من دخل في جنابه ، وواجبهم الصدح بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس تخويف الناس من مغبته، ولنتذكر قوله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فلنعلي – إذاً- قيمة الحرية والكرامة ولنشكر ما بين أيدينا من حيز الحرية ليزداد ولنبذل لاقراره الغالي والنفيس ولنا شرف الدنيا ونعيم الآخرة.
وللحرية الحمراء بابٌ …. بكل يدٍ مضرجة يُدق
3- الخيانة خوفاً من الأسلمة:
لقد كان من مميزات ثورة 25 يناير التصاف الكامل في الميدان لجميع التيارات والأفكار،وبمجرد تنحي الرئيس ظهرت لنا أزمة “مدنية الدولة” ومع أن هذا لم يكن وقتها إلا أن الكلام فيها تم التركيز عليه حتى صار حديث جميع أطياف المجتمع حتى الأطفال ، ثم ظهرت أزمة” الدستور أولاً” لاقرار”مدنية الدولة” ، وانساق الجميع لهذا الصراع بالرغم أن الثورة لم تكتمل بعد وأركان الطغيان لم تنهدم كلها.
وفي اطار هذا الصراع ظهرت تيار داخل المنادين بالعلمنة أو ما يسمونه”مدنية الدولة” ، أن العسكرة أفضل من الأسلمة وانخرط قطاع كبير في هذه الخيانة لأفكارهم التي رفعوها وللثورة الذين شاركوا فيها ولأهليهم الذين وثقوا فيها وللشهداء وهم يطالبون بحقوقهم.
إننا كما نطالب قطاعات الإسلاميين بالخروج عن التقديس المذموم ، فمن باب أولى ان نطالب القطاعات الأخرى ألا تقبل هذه الخيانة ، وأن ترفض الهيمنة التي تمارس داخل هذه التيارات بصورة يعلمها جميع المنضوين تحتها ، كما أننا نحتاج للوقوف أمام الشحن المبالغ ليس ضد التيارات الإسلامية بل حتى ضد القطاعات المتدينة من الشعب بصورة تحول هذه التيارات عن الشعارات الجميلة التي ترفعها إلى مجرد وسيلة لمنع الإسلاميين من المشاركة – وليس الاستحواذ – على الحكم .
4- صناعة الطغاة:
عندما تركب سيارات أجرة من مناطق مختلفة في مصر فتجد الخطاب المتكرر “احنا شعب ما ينفعش يمسكه إلا عسكري” فأنت الآن تتلقى رسالة من رسائل الهيمنة النفسية على الشعوب كوسيلة من وسائل صناعة الطغاة.
وعندما يصير انتقاد المجلس العسكري سبباً للتحويل إلى محاكمة عسكرية ، بينما يتم تصوير قائد المجلس العسكري وهو يجوب شوارع القاهرة بالبدلة المدني ويصبح الحديث عن ملابسه مادة للاطراء والتملق فأنت تشهد الحلقة الأولى من مسلسل صناعة طاغية.
إن الشعوب عندما تقبل مبدأ ما (ما أريكم إلا ما أرى وما أريكم إلا سبيل الرشاد) فهي تساعد في صناعة الطغاة ، وهو ما يحصل عندما نقبل مثل وثيقة”المجلس العسكري” وهي ضد الاستفتاء الشعبي.
والإعلام عندما يمارس سياسات الحرب النفسية وتوجيه الرأي العام لاحتواء الحالة الثورية وتمزيق الصف الداخلي والتمرير لاستضعاف طائفة فليس إلا أداة لصناعة الطغاة.
والحاشية عندما تفكر وتقدر وتكرس جهودها لاضفاء الشرعية وإيجاد المبرر وكسب المصداقية وترتيب الأوضاع فهي تطمح أن تكون من زمرة الطاغية.
وهذا هو ما يحدث بعد مرور أقل من عام على الثورة
فسياسات الحرب النفسية المعروفة مثل : نشر الاشاعات – افتعال الأزمات – إثارة الرعب والخوف. يتم استخدامها بمنتهى القذارة في سياق صناعة طاغية، والأدلة على هذه الأمثلة أكثر من أن تٌحصى ولا ينكرها أحد ، وأخص بالذكر:
– قطع أذن قبطي من سلفي ، والتي بدأت في تأزم داخلي ثم اتضح أنها إشاعة.
– التهديد بإلقاء مية نار على وجه البنات الغير محجبات ،ثم اتضح أنها إشاعة بعد أن أثارت الفزع.
– الكلام المستمر عن الافلاس الوشيك للاقتصاد المصري.
– الوثيقة فوق الدستورية ، والفلول.
– الكلام عن دموية الانتخابات القادمة.
وهذه السياسات تستهدف بالمقام الأول حاجة من أهم حاجات الإنسان وهي الحاجة إلى الأمان ، وهي سياسة استخدمتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية حيث أثارت “هستيريا الشيوعية” على حد تعبير الرئيس الأمريكي ترومان في مذكراته.
والنتيجة خفض سقف الأمال ونشر اليأس وفقدان الثقة بين أطياف المجتمع وهي السياسة الفرعونية لاستقرار أوضاع الطغاة، يقول تعالى:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
وعلى التوازي سياسات “توجيه الرأي العام” أو قل “تضليل العقول” التي هي على حد تعبير باولو فرير “أداة للقهر” ، وتمثل إحدى أدوات النخبة نحو “تطويع الجماهير لأغراضها الخاصة” ، ويتم اللجوء إليها كما يوضح فرير “عندما يبدأ الشعب في الظهور كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية ” ، “أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل ،بل نجد بالأحرى قمعاً شاملاً ،إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين،عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع”.
أما الحقائق التي أوردناها والتي تمثل خطرا حقيقيا فيتم التعامل معه كما ذكر فرير ” أن المضطهِدين – بكسر الهاء – يطورون سلسة من المناهج تستبعد أي تصوير للعالم بوصفه قضية أو مشكلة وتركز على إظهاره في صورة الكيان الثابت أو لوصفه شيئا معطيا ،شيئاً يتعين على الناس ،بوصفهم متفرجين، أن يتكيفوا معه” ، ويساعد على ذلك غياب الوعي.
أما الحالة الثورية فيقوم الاستبداد كما يقول د.محمد بدري في كتابه “نحو مجتمع الحرية” بالتعامل معها بممارسة ( لعبة مصارعة الثيران ، والتي يلوح فيها المصارع بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هيجانه بذلك ، وبدلاً من أن يهجم علي المصارع يستمر في الهجوم علي المنديل الأحمر الذي يلوح به حتى تنتهك قواه! )
5- العبيد والأحرار:
والحقيقة إذن (إن ظاهرة الاستبداد لن تزول في الواقع إلا حين تزول نفسياً من نفوس المستعبدين حين ينضجوا ويتحرروا نفسياً ويرغبون في استرداد وعيهم وكرامتهم وإرادتهم التي سلموها طوعاً أو كرهاً للمستبد ، حينئذ فقط تضعف منظومة الاستبداد حتي تنطفئ ، وليس هناك طريق غير هذا إذ لا يعقل أن يتخلي المستبد طواعية عن مكاسبه من الاستبداد . و قد أثبتت خبرات التاريخ أن الحرية لا تمنح وإنما تسترد وتكتسب).
أو كما قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ : (ليس العبيد هم الذين تقهرهم الأوضاع الاجتماعية , والظروف الاقتصادية ,على أن يكونوا رقيقا يتصرف فيهم السادة كما يتصرفون في السلع والحيوان, إنما هم الذين تعفيهم الأوضاع الاجتماعية والظروف الاقتصادية من الرق, ولكنهم يتهافتون عليه طائعين.
ومع ذلك كله فالمستقبل للأحرار،المستقبل للأحرارلا للعبيد ولا للسادة الذين يتمرغ على أعتابهم العبيد، المستقبل للأحرار،لأن كفاح الانسانية كلها في سبيل الحرية لن يضيع. ولأن حظائر الرقيق التي هُدمت لن تُقام، ولأن سلاسل الرقيق التي حُطِّمت لن يُعاد سبكها من جديد!
إن العبيد يتكاثرون نعم , ولكن نسبة الأحرار تتضاعف والشعوب بكاملها تنضم إلى مواكب الحرية, وتنفر من قوافل الرقيق, ولو شاء العبيد لانضموا إلى مواكب الحرية, لأن قبضة الجلادين لم تعد من القوة بحيث تمسك بالزمام, ولأن حطام العبودية لم يعد من القوة بحيث تعود القافلة، لولا أن العبيدـ كما قلت ـ هم الذين يدقون باب الخظيرة،ليضعوا أنوفهم في الخطام.
إنما هي جولة بعد جولة ـ وقد دلت التجارب الماضية ـ على أن النصر كان للحرية في كل معركة نشبت بينها وبين العبودية.
قد تُدمى قبضة الحرية, لكن الضربة القاضية دائما تكون لها, وتلك سنة الله في الأرض. لأن الحرية هي الغاية البعيدة في قمة المستقبل، والعبودية هي النكسة الشاذة إلى حضيض الماضي!
وعلى الرغم من ثبوت هذه الحقيقة فإن هنالك حقيقة أخرى لاتقل عنها ثبوتا, إنه لابد لموكب الحريات من ضحايا, لابد أن تمزق قافلة الرقيق بعض جوانب الموكب.. لابد أن تصيب سياط العبيد بعض ظهور الأحرار,لابد للحرية من تكاليف , إن للعبودية ضحاياها وهي عبودية أفلا يكون للحرية ضحاياها وهي الحرية ؟!
هذه حقيقة وتلك حقيقة ولكن النهاية معروفة والغاية واضحة ، والطريق مكشوف والتجارب كثيرة، فلندع قافلة الطريق وما فيها من عبيد… ولنتطلع إلى موكب الأحرار تزين هاماتها مياسم التضحية،وتحلي صدورها أوسمة الكرامة، ولنتابع خطوات الموكب الوئيدة في الدرب المفروش بالشوك، ونحن على يقين من العاقبة، والعاقبة للصابرين).
التعليقات