1- ثبات المبدأ و مرونة الحركة
فى قضايا العقيدة والمبادئ يلزم وضوح العرض و البيان ولا يصح الإلتقاء فى منتصف الطريق، أما عند الممارسة العملية فيقبل بأنصاف الحلول مرحليا.
الهجرة من مكة “دار كفر” الى الحبشة “دار كفر” كانت هجرة شرعية كخيار متاح وقتها على الرغم من أنها ليست الواقع الأمثل المنشود “دولة الاسلام”، فأكتفى هنا بحل وسط “ملك عادل لا يظلم عنده أحد” وهو من مرونة الحركة.
لكن الامر لما تعلق بالعقيدة والمبدأ لم يكن هناك مجال للمواربة، فما سألهم النجاشى عن قولهم فى عيسى ابن مريم بعد إيعاز من رسول قريش وقتها عمرو بن العاص، فإنهم فزعوا لكنهم أجمعوا على إظهار ما يعتقدونه فقالوا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وهذا من ثبات المبدأ.
كذلك فإن النبى “عليه الصلاة و السلام” كان يطوف بالكعبة وحولها الأجسام (ممارسة)، لكنه لم يدع أبدا إعلان بطلان هذه الألهة التى عبدت من دون الله (عقيدة).
كان صلح الحديبية إقرار ضمنى بشرعية قريش على مكة ولو إلى حين وهو واقع موجود ومفروض ولا يمكن تجاوزه.
صلح الحديبية
المبدأ: إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.
الممارسة: الاعتراف بشرعية قريش على مكة.
يوسف عليه السلام والحكم: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (مبدأ). أما عند الممارسة (مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) (ممارسة).
2- اعتبار الواقع المفروض و التعامل معه، وكذلك قوانين الزمان والبيئة المحيطة واتعمالها لتحقيق المصلحة
كان صلح الحديبية إقرار ضمنى بشرعية قريش على مكة ولو إلى حين وهو واقع موجود ومفروض ولا يمكن تجاوزه، فقريش هى من حددت ميعاد دخول مكة “العام المقبل” وشكل الدخول و هيئته “سلاح الراكب و السيوف فى القرب” و مدة المكث “ثلاثة أيا “، فى المقابل استفاد المسلمون من اعتراف قريش بشرعية كيانهم الجديد سياسيا.
هدنة عشر سنوات (من أحب أن يدخل فى عقد محمد و عهده دخل فيه)، فهذه من التعامل مع واقع مفروض “شرعية واقعية” و دون الإقرار به كأصل أو بحقيقته فى الوجود.
دخل النبى “عليه الصلاة و السلام” فى جوار المطعم بن عدى بعد عودته من الطائف وهو من استخدام قوانين البيئة “الجوار” لتحقيق مصلحة.
3- اعتبار مآلات الافعال
“وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” فمع أن الانتقاص من الطاغوت محمود شرعا إلا إن مآلات الفعل لو تسبب بضرر أكبر فإنه يمنع.
- موقف هاون مع قومه: فطرة موسى عليه السلام بناها على وجوب مفارقة الباطل، (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِي)، أما هارون فاعتبر بمآلات الفعال (إنّي خَشيت أَنْ تَقُول فَرَّقْت بَيْن بَني إسْرَائيل وَلَمْ تَرْقُب قَوْلي).
- فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً: ومن ذلك خوف النبى من أن يتخذ مسجدا إن دفن فى التجمع، فدفن فى بيت زوجته عائشة.
اضطر المسلمون فى الداخل الفلسطينى “عرب 48 ” إلى حمل هويات “إسرائيلة والحياة ورقيا كمواطن “إسرائيلى” مع ما يمثل ذلك من اعتراف ضمنى ولو ظاهريا بوجود إسرائيل كأمر واقع مفروض فى مقابل الحفاظ على البقاء على أرض 48 لإثبات الأحقية التارخية فيها و مسخ تهويدها و الحفاظ على هويتها.
4 – إعتبار إستيعاب المجتمع و تحمله
- لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لهدمتُ الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم.
- كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلتَ لي لأرعدت له أنوفٌ لو أمرتها اليوم لقتلته.
5- اعتبار الرأى العام وأثر الأفعال على النظرة الخارجية
- “وكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه”.
6- اعتبار تفاصيل الوقائع و التفريق بين الأفعال التى ظاهرها التشابه بين تقييم الأفراد و الكيانات والحكم عليها
- لم يكن مشابهة فعل حاطب بن أبى بلتعه لأفعال أهل النفاق سببا فى انضوائه تحتها ولا محاكمته كخائن. حيث يراعى تفاصيل الواقعة و اعتبار سبب الفعل و دوافعه “و الله إتى لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتدت ولا بدلت، لكنى أحببت أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتى، مع علمى بأن الله ناصر رسوله”.
- استحضار تاريخ الشخص و ديدنه وماعرف عنه “إنه قد شهد بدرا”.
- “ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق”
7- التفريق بين الابتداء و الإنشاء و الرضى بين مسايرة مألوف و الواقع المرسخ لضرورة أو مصلحة مع محاولى تعبيده
- يوسف عليه السلام تولى فى منظومة جاهلية “مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ”، مع سعيه لتغيرها “وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم”.
- النجاشى مع إسلامه لم يغير الحبشة إلى دار إسلام.
- فى حين تجد شدة انكار ابن مسعود على من تحلقوا فى سجن الكوفة. فإن لم يكن تلك البدعة من البدع العظيمة إلا أنها كانت بداية انحراف فكان التشديد فيها أولى.
8- التفريق بين ما يسع الفرد و مايسع الكيانات السياسية
- قول النبى صلى الله عليه وسلم “مسعر حرب لو كان معه رجال”.
تطبيقات حالية
حرب 48:
اضطر المسلمون فى الداخل الفلسطينى “عرب 48 ” إلى حمل هويات “إسرائيلة والحياة ورقيا كمواطن “إسرائيلى” مع ما يمثل ذلك من اعتراف ضمنى ولو ظاهريا بوجود إسرائيل كأمر واقع مفروض فى مقابل الحفاظ على البقاء على أرض 48 لإثبات الأحقية التارخية فيها و مسخ تهويدها و الحفاظ على هويتها.
صلاح الدين و العبيديون:
تولى أسد الدين شيركوه ومن بعده صلاح الدين الوزارة لدى العبيديين وظل زمن حتى قطع الخطبة للعبيديين وأقامها لبنى العباس، خشية من ثورة المصريين و حتى يقوى نفوذه وتربصا للخطبة ضعف عند العبيديين.
جيوش الموحدين والمرابطين:
عندما وصلت جيوش الموحدين “فئة منحرفة” إلى سبته، بعد أن اسقط كثير من مدن المغرب رأى القاضى عياض أن المصلحة فى مبايعتهم حفاظا على الأعراض و الأموال، حيث لم يكن فى الاستطاعة ردهم، فكانت هذه البيعة اضطرارا، حيث لاحت أول فرصة بخروج بعض المدن عن سلطان الموحدين قاد القاضى عياض الثورة ضدهم و أعاد حكم المرابطين، لكن جيوش الموحدين أعادوها مرة أخرى واشترطوا إبعاد القاضى عياض عن المدينة.
التعليقات