[١] أليس من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه؟ وما الذي يمنع دخول الإسلاميين لمحنة ناصرية جديدة؟
بلى .. التاريخ قد يعيد نفسه، حتى لو لم يكن بكل التفاصيل، فلكل تجربة خصوصية وسمة مميزة.
[يراجع مقال”هل نحن أمام إرهاصات الظهور الإسلامي الثاني؟“]
لكن الخطأ هو في إسقاط حدث تاريخي على واقع حالي مغاير له في طبيعته، ومخالف له في محتفاته، ودون اعتبار لتغير موازين القوى أو ظهور مراكز تأثير جديدة، أو طبيعة الاتجاه العام للمرحلة والسمةالغالبة له.
١- تغير معيار التأثير وأشكال القوة الفاعلة :
يتجه العالم اليوم إلى مرحلة ضعف عصر هيمنة الدولة المركزية لحساب قدرات الأفراد، فبعد عقود طويلة من احتكار الدولة لكل أدوات الفعل والتأثير وتجريد الأفراد من كل صورها، أتاح التطور التقني للأفراد امتلاك أدوات القوة الناعمة. فمع امتلاك الخبرات وازدياد الوعي، وحيازة الأفراد لوسائل التوجيه والتواصل والإدارة ونقل المعلومات … إلخ، ضعفت في المقابل قدرات الدولة وحجمت يديها وألجمت عن التغول كيفما تشاء دون رادع، ف”تاب” صغير يحمله صبي قد ينافس مؤسسات إعلامية كبرى.
على سبيل المثال نلاحظ حجم الضرر البالغ الذي سببه الأفراد بتسجيل مشاهد مجزرة فض رابعة ونشرها على مدى واسع، مقارنة بحوادث مذبحة سجن طرة أيام عبدالناصر، أو سجن (أبي سليم في ليبيا)، حيث وقعت المذبحتان بعيدا عن أعين الدنيا، ولم يحدثا أي رد فعل رغم بشاعتهما. فهل يمكن مع هذا الواقع إعادة مذابح عبدالناصر أو مبارك ؟!
٢- طبيعة المرحلة واتجاهها العام وسمتها الغالبة :
تشي بهذه الطبيعة وترسم معالمها وتحدد سمتها وتضع عنوانها .. الصبغة العامة لصورة البداية. فمثلا في فترة الخمسينيات والستينيات في القرن المنصرم، شهدنا مرحلة رحيل الاحتلال المباشر، وترك أنظمة تابعة له مكانه، على صورة حكومات عسكرية “ثورية”، وأنظمة شمولية عسكرية أو ملكية مستبدة.
أما بعد مجيء ثورات الربيع العربي، فقد اتسمت المرحلة بتساقط هذه الأنظمة، على غرار تساقط أحجار الدومينو، يعقبها وصول الحركات الإسلامية للحكم، تحضيرا لقيام الخلافة.
أضف إليه ما نمر به من إعادة تشكيل للنظام العالمي، وهي المرحلة المناسبة لظهور قوى جديدة على الساحة الدولية (القوى الإسلامية).
٣- طبيعة الزمان :
فهو متقارب ومتسارع الأحداث ومتقلب الأحوال، كثير التغيير غير مستقر. وهذا متعارض مع نظام الحكم المستبد، الذي يلزمه الثبات والاستقرار ليترسخ.
٤- مخالفة هذا الاحتمال لظاهر الحكمة القدرية وحقيقة، الأفعال الربانية التي فيها الرحمة بالمؤمنين :
فعلى صعيد الحركة الإسلامية، فإن الأحداث الأخيرة أفرزت جيلا ربانيا فريدا لم تصنعه مناهج تعليمية ولا محاضن تربوية، جيل تكون ليحمل مقومات التغيير، ويمتلك “قوة الحركة والتغيير” .. والمحنة الطويلة تعارض هذا التكوين ولا تناسبه، فهي تكسر فيه روح التغيير، وتقتل فيه الفاعلية، وتفتنه عن يقينه بالحق، ولا تروج إلا لمناهج الخضوع والخنوع والاستسلام [مثل منهج حزب النور].
فهو بخلاف الجيل الآول لذي تعرض للمحنة “جيل التكوين والدعوة” والتي صقلت فيه معاني الثبات على المبدأ، والصلابة أمام الفتنة، وإنشاء البناء الداخلي القوي “قوة ثبات وكمون”.
في الماضي كانت معركة الفئة المؤمنة هي تبليغ المبادئ، فكان بذلهم لأرواحهم وتضحيتهم بهاوصبرهم في المحنة ثباتا على مبادئهم وتبليغا لها .. انتصارا.
أما اليوم فإن معركة الفئة المؤمنة هي معركة تطبيق هذه المبادئ وترجمتها على أرض الواقع .. لذا فإن انتصارهم في هذه المرحلة يكون بعلو منهجهم على سائر المناهج، وظهور دينهم على كل الأديان، وارتفاع رايتهم على كل أرض، وقيام سلطانهم في كل قطر .. (وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
وعلى صعيد المجتمع .. فإن استقرار الانقلاب معناه أننا سنكون أمام مشروع علمنة عامة، وردة جماعية، بل بيئة مهيئة لحملات تنصير لا رادع لها.
التعليقات