كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ، فيقول : من ينصرني ؟ من يؤيني ؟ وله الجنة . فسأله بعضهم أن ينصروه على أن يكون لها الملك إن انتصر فرفض صلى الله عليه وسلم ورد الأمر لله تعالى .
رغم أن البديهي أن قبيلة آوت ونصرت وحاربت العالم أن تكون الأولى بذلك ، ولكن هذا البديهي يفتقد الإخلاص والتجرد والعمل لما عند الله ، والصواب أنه لا تلازم فقد يجيد البعض النصرة والتنفيذ ولا يجيد الإمارة والقيادة .
نحن نحتاج اليوم أن نستحضر هذا الدرس ونحن نخاطب الناس ، نحن لا نعدهم بوضعا أكثر رخاء ورفاهية ، وإن كنا نعلم أن تطبيق العدل بالشرع سيجلب للناس خير الدنيا ، ولكنه يحتاج أولا منهم أن يتطهروا من ربقة الشهوات وأن ترتقي نفوسهم عن العبودية لمن يظنوه يطعمهم ويحميهم .
إن نضالنا أسمى من صور النضال السياسية المعتادة ، وأكثر صعوبة ، فهو نضال على مستوى المفاهيم والعقائد وتحرير النفوس كذلك .
نحن نحتاج أن ندعو الناس للثورة من أجل الإسلام الحق ، وهذا يعني العدل في القصاص، والاستقلال في القرار، والفضيلة في الأخلاق، والتمايز الثقافي والفكري، وفوق كل ذلك يعني الانطلاق من العقيدة في كل مناحي الحياة ، وبهذا فقط ننجو من غضب الله وعذابه ونستجلب رضاه وتوفيقه .
وحتى ندعوهم لهذا نحتاج أولا أن نكون صادقين في دعوتنا لذلك ، واعين لوعورة الطريق وتضحياته ، واضحين وصريحين مع أنفسنا ومعهم ومع العالم فيما نريد؟ وكيف نريده ؟
إن مشاكل بلد كمصر ليست جزئية في توزيع الأجور أو جودة الخدمات أو فساد المؤسسات ، بل هي جذرية وكلية في البنيان الفكري الذي تقوم عليه الدولة ، ولذلك كان الانقلاب الحالي ذو بعد فكري عقدي بخلاف الانقلابات العسكرية المعتادة ، ولذلك كان رقص النساء معلم مقصود ، ومحاربة الدعوة للصلاة على النبي من معاركه ، وإغلاق وتأميم المساجد من أهم قراراته ، إنه بنيان متكامل لا بد أن يسقط ويتم استبداله ببنيان فكري وأخلاقي وديني قائم على الإسلام .
وعلى عكس ما يظن كثير من أصحاب النظرة الضيقة المحدودة فمثل هذا الوضوح يختصر كثير من مراحل النضال ، ويجعله جليا محددا يجيب على التساؤلات الحائرة لدى الجميع ليختاروا بعد ذلك موقفهم ، وهو لن يجعل المعركة أكثر صعوبة بل سيجعلها أكثر سهولة وأشد وطأة عليهم لأنها ترفع قيم وأسس الإسلام كراية للمعركة بقدسيتها في النفوس.
وهذه اللحظة التي نعايشها من فوضى وسخط هي اللحظة المناسبة لإعلان ذلك ، لأنها لحظة طلب الجماهير لحل ، فإذا تأخر حملة الإسلام عن تقديمه كحل ستقدم المذاهب المنحرفة نفسها مرة أخرى ، فأدركوا اللحظة الفارقة وأعلنوها لا حل إلا الإسلام .
التعليقات