بعد أن خرجت الحركة الإسلامية من ثورة يناير، وهي على قمة المشهد شعبيا وسياسيا .. فقامت بأكبر الفعاليات الثورية، ونالت أغلبية مجلسي الشعب والشورى، ثم نالت الرئاسة .. بعد كل ذلك، تم سحب البساط من تحت قدميها .. ففقدت كل المكاسب السياسية، وتم تجريمها قانونيا، وقتل أبناؤها في الشوارع والسجون .. وعاد الاستبداد.
-
وقبل مناقشة الأخطاء، لا بد من التأكيد على ما يلي :
أولا : إننا إنما نتكلم عن التيار الإسلامي التقليدي، المتمثل في قيادات الإخوان مع القيادات السلفية المنحازين لدعمهم كواجهة سياسية للحركة الإسلامية، وهؤلاء كانوا الأغلبية المؤثرة بحكم الواقع التاريخي .. وعن هؤلاء فقط، دون التيار الإسلامي الثوري .. نتكلم.
ثانيا : إننا ابتداء نسلم بحجم العداوة والمؤامرات، لكن هذا هو الجو الطبيعي للثورات، وهذا هو الدور المنتظر ممن ترسخت خصومتهم عبر عشرات السنين. إننا في المعارك لا يمكننا الاكتفاء بأن نلوم العدو على إجرامه، لكننا نلوم أكثر من لم يحسن إدارة الصراع معه.
ثالثا : ليس من أهداف كلامنا استجرار الماضي، وإشاعة التلاوم، إنما من أهدافنا الانتفاع بهذه الخبرة القريبة، حتى لا تتكرر الأخطاء، خاصة وأن من اتخذوا القرارات السابقة لا زالوا يتخذون قرارات حاليا .. وربما لاحقا أيضا .. ولو بنسبة مؤثرة على مصير الحركة كلها، شئنا ذلك أم أبيناه، باعتبار معطيات الواقع، وعدم توفر البدائل بشكل كامل.
-
إن أكبر الأخطاء، والتي تجعل أولئك القادة مسئولين عن عودة الاستبداد، تركزت في :
أولا : عدم إدراك خصوصية اللحظة الثورية، وما تفرضه من قيمة مضاعفة للحراك الشعبي، فكانت الاستجابة لمخطط عزل الحركة من خلال مكتسبات لها ومعارك في الشارع، حتى فقدت ظهيرها الشعبي العام، والذي كان قوتها الحقيقية في الواقع.
ثانيا : إدارة العلاقة مع مراكز القوة الأخرى ( غير الإسلامية / أو بقايا دولة المخلوع ) من منطق التنازل والتعايش، لا من منطق الضغط والتصارع. كل ذلك أملا في سهولة المكسب، وهروبا من تكاليف الصراع .. فماذا كان ؟.. جُرّدُوا من شرعيتهم الإسلامية، وزاد رصيد خصومهم مقابل نقص رصيدهم، ثم فرض الخصوم الصراع علينا في أسوء ظرف وبعد أن جردونا من كل مظلة تحمينا، فخسرنا المكاسب السهلة .. ودفعنا الثمن الأفدح.
إن الأجيال التي دفعت ثمن الحرية من دمائها، ولا زالت تدفع ثمن الثورة على الاستبداد .. من الدماء ومن السلامة ومن الحرية ومن الأهل ومن المال، ستفرض من الشارع .. تغيير المفاهيم والقيادات .. التي أعادت الاستبداد.
ثالثا : الخلل في خريطة الأصدقاء والأعداء، فتمت التضحية بأقرب الأصدقاء ( التيار الإسلامي الثوري ) من خلال ممارسات، اتسمت في ألطف أحوالها بالتجاوز والتنحية، طمعا في تحسين العلاقة مع أعداء الداخل والخارج. في مقابل تقديم مكتسبات، بل ومحاولة الثقة – من خلال معطيات لا تكفي – في أعداء لا مجال لكسبهم، كتعاملهم مع الأجهزة الأمنية والعسكرية ( الداخلية، ومجلس مبارك العسكري ). حتى إنهم لم يستجيبوا لنصح “أصدقائهم” الذين حذروهم من “أعدائهم” أكثر من مرة، وبالتالي لم يستجيبوا لما قُدّم لهم من حلول مضادة لتحركات أولئك الأعداء.
رابعا : عدم مبادأءة الخصوم بالإجراءات التي تؤدي إلى زيادة مكتسبات الحركة الإسلامية وحراستها، بل اتسم كل من ( الفهم للصراع / والتعامل معه ) بالبطء والتأخر الشديدين. مما أدى إلى زيادة الخسائر في صفنا، وإهدار التضحيات، وربما .. عدم فائدة الفهم، أو عدم جدوى التعامل.
خامسا : عدم الاستفادة من تجربة التيار الإسلامي الثوري، والتي أثبتت أن تجريد الراية لشريعة الإسلام يحقق من المصداقية والحشد والمكاسب الصلبة ( لا الهشة ) ما لا سبيل إليه مع التخفف من هذه الراية. والتي أثبتت أن رفع سقف المطالب والمنازعة عليها، هو الذي يحقق قدرا مقبولا منها، وليس العكس. والتي أثبتت أن القوة الشعبية في الداخل لها الأثر الأكبر في معادلات وتفاهمات الخارج، لا بما يلغي أثر الخارج، لكن بما يطوّعه، وليس استرضاء الخارج على حساب الداخل.
-
وختاما نؤكد على ما يلي :
1- الساحة اليوم يتنازعها صوتان، صوت يكرر الأخطاء التي أعادت الاستبداد، وصوت يحذر – كما كان يحذر سابقا – من تلكم الأخطاء.
2- ليس كل من أحسن إدارة العمل في ظل الاستبداد العلماني، يحسن بالضرورة إدارة الصراع مع ذلكم الاستبداد، فضلا عن تحقيق الانتصار على الاستبداد.
3- إن الأجيال التي دفعت ثمن الحرية من دمائها، ولا زالت تدفع ثمن الثورة على الاستبداد .. من الدماء ومن السلامة ومن الحرية ومن الأهل ومن المال، ستفرض من الشارع .. تغيير المفاهيم والقيادات .. التي أعادت الاستبداد.
4- العلاقة التبادلية بين ( المفاهيم / الأحداث ) أثمرت تغييرا في مفاهيم أكثر الفئات المتحركة ضد الاستبداد، ولهذا .. فلن يعود الاستبداد كما كان .. بل سيتغير الواقع .. وللأحداث بقية.
التعليقات