(1) إيمان في مهب الريح
الحمد لله الملك الوهاب ، لا راد لقدره ، ولا مغير لحكمه ، له الملك كله ، وله الحمد كله ، وصلى الله وسلم على النبي محمد أرحم الخلق بالخلق ، وأحبهم إلى المؤمنين ، وبعد ،،،
أيها المسلمون ، بل أخي أيها المسلم الحبيب ، هل تعرف ما سبب اختياري لكلمات شيخ الإسلام التالية في إنذارك ؟!.. لقد دفعني إلى ذلك أمران :
الأول : ما نراه من فتن تفتح أبوابها ، فتتعاظم نوعاً ، ويزيد عدد من تصليهم نارها من هذه الأمة كما ، حتى صارت حوادث اليوم شاهداً ونذيراً على ما ينتظرني وينتظرك في الغد ، فزاد خوفي عليك ، وعلى نفسي معك .
الثاني : ما أعلمه من حبك لدينك وإيمانك ، برغم التقصير والفتور ، بل برغم التفريط والعصيان ، فلربما هان عليك أن تكون مفرطاً في جنب الله ، وسهل عليك أن تعصيه مع كثرة العصاة في الأرض . ولكنني أكاد أجزم أنك لا تتخيل يوماً يأتي عليك وأنت منسلخ عن الإسلام مظهر للكفر .. أو مستبطن للنفاق .. أليس كذلك؟!..
– أتدرى أخي بأي شيء كنت مسلماً؟!
إن الإسلام لقب شريف ، له حقيقة كريمة ، لا بد من وجودها ، لتترتب الآثار المرجوة من هذا الانتساب في الدنيا والآخرة . وهذه الحقيقة “هي أن تعبد الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين ، وهذا دين الله الذي لا يقبل من أحد ديناً غيره لا من الأولين ولا من الآخرين ، ولا تكون عبادته مع إرسال الرسل إلينا إلا بما أمرت به رسله لا بما يضاد ذلك ، فإن ضد ذلك معصية ، وقد ختم الله الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون مسلماً إلا من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وهذه الكلمة بها يدخل الإنسان في الإسلام ثم لابد من التزام ما أمر به الرسول من الأعمال الظاهرة ، كالمباني الخمس ، ومن ترك من ذلك شيئاً نقص إسلامه بقدر ما نقص من ذلك، كما في الحديث: “من انتقص منهن شيئاً فهو سهم من الإسلام تركه” (1) وهذه الأعمال إذا عملها الإنسان مخلصاً لله – تعالى – فإنه يثيبه عليها ، ولا يكون ذلك إلا مع إقراره بقلبه أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فيكون معه من الإيمان هذا الإقرار” (2) .. فالإسلام يصح بأصل الإيمان هذا ، وإذا أخلص العبد في مفردات الأعمال الصالحة كان من أهل الثواب على هذه الأعمال ، وهذا خير وشرف للعبد.
– لكنك أخي ربما تكون مسلماً .. ولست مؤمنا ، أتعلم لماذا؟
لأن “هذا الإقرار (3) لا يستلزم أن يكون صاحبه معه من اليقين ما لا يقبل الريب ، ولا أن يكون مجاهداً ، ولا سائر ما يتميز به المؤمن عن المسلم الذي ليس بمؤمن(4) ، وخلق كثير من المسلمين باطناً وظاهراً (5) معهم هذا الإسلام بلوازمه من الإيمان، ولم يصلوا إلى اليقين والجهاد، فهؤلاء يثابون على إسلامهم وإقرارهم بالرسول مجملاً، وقد لا يعرفون أنه … أخبر بكذا، وإذا لم يبلغهم أن الرسول أخبر بذلك لم يكن عليهم الإقرار المفصل به، لكن لابد من الإقرار بأنه رسول الله ، وأنه صادق في كل ما يخبر به عن الله (6) .
ثم الإيمان الذي يمتاز به (7) فيه تفصيل وفيه طمأنينة ويقين، فهذا متميز بصفته وقدره، في الكمية والكيفية، فإن أولئك (8) معهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وتفصيل المعاد والقدر ما لا يعرفه هؤلاء (9) .
وأيضاً ففي قلوبهم من اليقين والثبات ولزوم التصديق لقلوبهم ما ليس مع هؤلاء ، وأولئك هم المؤمنون حقاً. وكل مؤمن لابد أن يكون مسلماً، فإن الإيمان يسلتزم الأعمال ، وليس كل مسلم مؤمناً هذا الإيمان المطلق ، لأن الاستسلام لله والعمل له لا يتوقف على هذا الإيمان الخاص(10) .
وهذا الفرق (11) يجده الإنسان من نفسه ، ويعرفه من غيره ، فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر ، أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه ، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله ، فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل ، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئاً فشيئاً -إن أعطاهم الله ذلك – وإلا فكثير من الناس (12) لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد ، ولو شككوا لشكوا ، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا ، وليسوا كفاراً ولا منافقين (13) ، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب ، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال”(14) .. وهذا واقعنا يا أخي خير شاهد ، على قصور رتبتنا ، وأن الأكثرين من المسلمين ، بينهم وبين الإيمان بون شاسع .. ولست أستثني نفسي ، ولا أستثنيك من هذا القصور .. فتنبه !!
– أما خطورة هذه الحال ومتى تبرز ؟؟
فإن “هؤلاء (15) إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة (16) ، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم ، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين ، وانتقلوا إلى نوع من النفاق . وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد.
ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم عامة أهلها ، فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق (17) ، فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً (18) الذين ابتلوا فظهر صدقهم . قال – تعالى –: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) (19) وقال – تعالى – : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (20) وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11}) .(21)
ولهذا ذم الله المنافقين بأنهم دخلوا في الإيمان ، ثم خرجوا منه بقوله – تعالى – { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {1} اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {2} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ{3}) (22) وقال في الآية الأخرى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66) ) (23) فقد أمره أن يقول لهم : (قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)” (24) أي أنهم كان عندهم أصل إيمان ، ثم لم يحافظوا عليه ، بل عملوا عملا نقلهم إلى وصف الكفر – والعياذ بالله – وخسروا ما كان معهم من الإيمان .
– وهل يمكن أن ينافق في الفتنة من كان مسلماً دون المؤمنين ، ولم يكن كافرا من أول أمره؟!
نعم، أخي المسلم .. “هكذا قال غير واحد من السلف في صفة المنافقين الذين ضرب لهم المثل في سورة البقرة أنهم أبصروا ثم عموا ، وعرفوا ثم أنكروا ، وآمنوا ثم كفروا ، وكذلك قال قتادة ومجاهد : ضرب المثل لإقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول ، وذهاب نورهم ، قال: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ {17} صم بكم عمي فهم لا يرجعون{18}) (25) إلى ما كانوا عليه” (26) من الاستنارة بالإيمان .
“وأما الذين لم يزالوا منافقين ، فضرب لهم المثل الآخر، وهو قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) (27) وهذا أصح القولين فإن المفسرين اختلفوا : هل المثلان مضروبان لهم كلهم ، أو هذا المثل لبعضهم؟ على قولين . والثاني هو الصواب ، لأنه قال : (أَوْ كَصَيِّبٍ) وإنما يثبت بها أحد الأمرين، فدل ذلك على أنهم مثلهم هذا وهذا ، فإنهم لا يخرجون عن المثلين ، بل بعضهم يشبه هذا وبعض يشبه هذا ولو كانوا كلهم يشبهون المثلين لم يذكر (أو) بل يذكر الواو العاطفة “(28) .
“فتبين أن من المنافقين من كان آمن ثم كفر باطناً، وهذا مما استفاض به النقل عند أهل العلم بالحديث والتفسير والسير ، أنه كان رجال قد آمنوا ثم نافقوا ، وكان يجرى ذلك لأسباب : منها أمر القبلة لما حولت ، ارتد عن الإيمان لأجل ذلك طائفة ، وكانت محنة امتحن الله بها الناس ، قال – تعالى – : (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)(29) . وكذلك أيضاً لما انهزم المسلمون يوم أحد، وشج وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته ارتد طائفة نافقوا ، قال – تعالى – : (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ{141}) (30) وقال – تعالى : (ووَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) ) (31) فقوله: (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ ) ظاهر فيمن أحدث نفاقاً وهو يتناول من لم ينافق قبل ومن نافق ثم جدد نفاقاً ثانياً، وقوله: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) يبين أنهم لم يكونوا قبل ذلك أقرب منهم ، بل إما أن يتساويا ، وإما أن يكونوا للإيمان أقرب ، وكذلك كان” (33) .
أي أنه من المنافقين ، من كان معه إيمان .. إيمان صحيح .. لم يكن كاذبا من أول أمره .. بل كان معه أصل الإيمان .. الذي يصح به إسلامه .. لكنه إيمان ضعيف .. لم يقوه صاحبه .. فلم يثبت عند المحنة .. وخسره .. فتحول إلى .. منافق .. وإن احتفظ بظاهر الإسلام .
فإن تعجبت من إحداث نفاق الكفر مع سبق التصديق بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وربما شيء من المحبة الحقيقية لهما يوما ما!!.. وسألت: كيف حصل هذا؟!
فلتعلم أخي الحبيب ، أن أصل الإشكال عندك ، أنك وافقت من غلطوا في “ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار ، فإنما ذاك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق ، وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع ، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة ، وجماهير النظار . فإن الإنسان قد يعرف أن الحق مع غيره ، ومع هذا يجحد ذلك لحسده إياه، أو لطلب علوه عليه ، أو لهوى النفس ، ويحمله ذلك الهوى على أن يعتدي عليه ، ويرد ما يقوله بكل طريق ، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه ، وعامة من كذبوا الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون ، لكن إما لحسدهم وإما لإرادتهم العلو والرياسة ، وإما لحبهم دينم الذي كانوا عليه ، وما يحصل لهم به من الأعراض ، كأموال ورياسة وصداقة أقوام وغير ذلك ، فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم أو حصول أمور مكروهة إليهم ، فيكذبونهم ويعادونهم ، فيكونون من أكفر الناس كإبليس وفرعون ، مع علمهم بأنهم على الباطل والرسل على الحق .
ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل ، وإنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم ، كقولهم لنوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ) (34) ، ومعلوم أن اتباع الأرذلين له لا يقدح في صدقه ، لكن كرهوا مشاركة أولئك ، كما طلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الضعفاء ، كسعد بن أبى وقاص ، وابن مسعود ، وخباب بن الأرت ، وعمار بن ياسر ، وبلال ونحوهم ، وكان ذلك بمكة قبل أن يكون في الصحابة أهل صفة ، فأنزل الله – تبارك وتعالى-: ( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (152) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (153) ) .
ومثل قول فرعون : (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنَا وَقَوْمهمَا لَنَا عَابِدُونَ) (36) ، وقول فرعون : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴿18﴾وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿19﴾ ) (37) ومثل قول مشركي العرب : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) قال الله – تعالى-: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا ) ومثل قول شعيب له : (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) ومثل قول عامة المشركين : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (41) . وهذه الأمور وأمثالها ليست حججاً تقدح في صدق الرسل ، بل تبين أنها تخالف إرادتهم وأهواءهم وعاداتهم ، فلذلك لم يتبعوهم ، وهؤلاء كلهم كفار ، بل أبو طالب وغيره كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون علو كلمته ، وليس عندهم حسد له وكانوا يعلمون صدقه ، ولكن كانوا يعلمون أن في متابعته فراق دين آبائهم وذم قريش لهم ، فما احتملت نفوسهم ترك تلك العادة واحتمال هذا الذم ، فلم يتركوا الإيمان لعدم العلم بصدق الإيمان به بل لهوى النفس ، فكيف يقال : إن كل كافر إنما كفر لعدم علمه بالله” (42) .
“ونحن والناس كلهم يرون خلقاً من الكفار يعرفون في الباطن أن دين الإسلام حق ، ويذكرون ما يمنعهم من الإيمان ، إما معاداة أهلهم وإما مال يحصل لهم من جهتهم يقطعونه عنهم وإما خوفهم إذا آمنوا أن لا يكون لهم حرمة عند المسلمين كحرمتهم في دينهم ، وأمثال ذلك من أغراضهم التي يبينون أنها المانعة لهم من الإيمان ، مع علمهم بأن دين الإسلام حق ودينهم باطل .
وهذا موجود في جميع الأمور التي هي حق ، يوجد من يعرف بقلبه أنها حق ، وهو في الظاهر يجحد ذلك ويعادى أهله ، لظنه أن ذلك يجلب له منفعة ويدفع عنه مضرة ، قال – تعالى – : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)) (43).
والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر الإسلام وفى قلبه مرض ، خاف أن يُغلب أهل الإسلام ، فيوالي الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم ، لا لاعتقادهم أن محمداً كاذب واليهود النصارى صادقون ، وأشهر النقول في ذلك أن عبادة بن الصامت قال : “يا رسول الله إن لي موالي من اليهود، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود . فقال عبد الله بن أبي : “لكنى رجل أخاف الدوائر، ولا أبرأ من ولاية يهود” فنزلت هذه الآية .” (44)
فمن ينافق ، قد ينافق مع علم بالحق ، بل ومع سبق إيمان به ، لكنه ذلك الإيمان الضعيف جدا ، الذي لم يثبت عند المحنة . كما أن المنافق من أول أمره ، لا يكون سبب نفاقه بالضرورة ، جهله بالحق . بل هو الهوى الذي يعصف بقلب الأخير فيمنع صحة إيمانه ابتداء ، ويعصف بقلب الأول – في ظل محنة ، لم يحرص على إيمانه فيها – فيمنع استدامة ما كان معه من صحة أصل الإيمان . ولا يظلم ربك أحدا .
– فما حال المسلمين اليوم بين الإيمان والنفاق؟!
كم من نفاق قد طرأ فأفسد إيمان أقوام ، لهم سلف “فيمن كانوا مسلمين وكان معهم إيمان… فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق ماتوا على هذا الإسلام الذي يثابون عليه، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين امتحنوا فثبتوا على الإيمان، ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة، وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا.
وأكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً، وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً، وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة (45) . وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين، وهم مؤمنون بالرسول باطناً وظاهراً لكن إيماناً لا يثبت على المحنة.
ولهذا يكثر في هؤلاء ترك الفرائض وانتهاك المحارم (46) ، وهؤلاء من الذين قالوا : (آمنا) فقيل لهم : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (47) أي : الإيمان المطلق ، الذي أهله هم المؤمنون حقاً ، فإن هذا هو الإيمان إذا أطلق في كتاب الله – تعالى – كما دل عليه الكتاب والسنة ، ولهذا قال – تعالى – : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {15}) (48) فلم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب . والريب يكون في علم القلب ، وفى عمل القلب . بخلاف الشك ، فإنه لا يكون إلا في العلم . ولهذا لا يوصف باليقين إلا من اطمأن قلبه علماً وعملاً ، فإذا كان عالماً بالحق ، ولكن المصيبة أو الخوف أورثة جزعاً عظيماً ، لم يكن صاحب يقين ، قال – تعالى -: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) ) (49) ، (50).
فانظر إلى حالك وحال الخلق ، بنور حقائق الوحي هذه – كما نظر شيخ الإسلام –واعتبر بغيرك ، ولا تغتر ، فإنه ليس بين الله – عز وجل – وبين أحد من خلقه نسب ، ولا خصوصية إلا بصالح العمل . لذا قال لمن ادعى ذلك : ( بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ) (51) وعدل الله في الجميع واحد . فاحذر من التعرض لعقوبة سلب الإيمان ، وإبداله بالنفاق .
– هل معنى هذا أن المؤمن حقا لا يعرض له شيء من النفاق أبدا؟
لا، بل إنه “كثيراً ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق (52) ، ثم يتوب الله عليه (53) . وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق (54) ، ويدفعه الله عنه (55) . والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان ، وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره ، كما قالت الصحابة : “يا رسول الله ، إن أحدنا ليجد في نفسه ، ما لأن يخر من السماء إلى الأرض ، أحب إليه من أن يتكلم به؟” فقال : “ذاك صريح الإيمان“ (56) وفي رواية : “ما يتعاظم أن يتكلم به” قال : “الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة” (57) أي: حصول هذا الوسواس ، مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب ، هو من صريح (58) الإيمان . كالمجاهد الذي جاءه العدو ، فدافعه حتى غلبه ، فهذا أعظم الجهاد ، والصريح : الخالص . كاللبن الصريح ، وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها ، فخلص الإيمان فصار صريحاً” (59).
فانحصرت حال المؤمن حقا – بالنسبة لما يعرض له من النفاق – فيما يلي :
الأولى : أن يستجيب لشيء من النفاق الأصغر – وهو معصية –لكنه يبادر بالتوبة منه . وليس من شرط المؤمن أن لا يذنب ، بل إن ذلك مستحيل . لكن المؤمن لا يرضى بذنبه ، بل هو مجاهد لذنوبه بالتوبات الصادقات .
الثانية : أن ترد على قلبه أسباب للنفاق ، لكن الله يعصمه ، فلا يستجيب لهذه الأسباب . وينجيه الله – تعالى – لما علم من كونه أهلا لهذه الرحمة ، والله عليم حكيم .
الثالثة : أن ترد على قلبه أسباب للنفاق ، لكنه يكرهها بما فيه من حب للإيمان ، ويجاهدها لله ، فيصفو بهذا الجهاد إيمانه ، ويكون له أجر أمثاله من المجاهدين .
– أما لماذا يحدث هذا؟ ولماذا لا يشعر به كثير من الناس؟
فلأنه “لابد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافراً أو منافقاً ، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين ، فإما أن يصير مؤمناً وإما أن يصير منافقاً ولهذا يعرض للناس من الوساوس فى الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا ، لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه ، والتقرب إليه والاتصال به ، فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم ، ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة ، من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم ، لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه ، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه ، وهذا مطلوب الشيطان ، بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة ، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله ، قال – تعالى – : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (60) .
ولهذا أمر قارئ القرآن ، أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإن قراءة القرآن على الوجه المأمور به ، تورث القلب بالإيمان العظيم ، وتزيده يقيناً وطمأنينة وشفاء ، وقال – تعالى – : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{12}) (61) وقال – تعالى – : ( بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ {138}) (62) وقال – تعالى – : (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (63) وقال – تعالى – : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {124}) (64).
وهذا مما يجده كل مؤمن من نفسه ، فالشيطان يريد بوساوسه أن يشغل القلب عن الانتفاع بالقرآن ، فأمر الله القارئ إذا قرأ القرآن ، أن يستعيذ منه – قال – تعالى – : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) فإن المستعيذ بالله، مستجير به، لاجئ إليه، مستغيث به من الشيطان فالعائذ بغيره مستجير به فإذا عاذ العبد بربه، كان مستجيراً به متوكلاً عليه، فيعيذه الله من الشيطان ويجيره منه، ولذلك قال الله -تعالى -: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)) (65) .
وفى الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” فأمر سبحانه بالاستعاذة : عند طلب العبد الخير ، لئلا يعوقه الشيطان عنه . وعندما يأمره الشيطان بالسيئات. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا يزال الشيطان يأتي أحدكم ، فيقول : “من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته”(66). فأمر بالاستعاذة عندما يطلب الشيطان أن يوقعه في شر ويمنعه من خير ، كما يفعل العدو مع عدوه“(67).
فالابتلاء بوساوس النفاق ، من جملة الامتحان الذي وجد الإنسان في الدنيا لأجله . فليست المشكلة في وجوده ، إنما في حالنا عموما ، وفي تعاملنا معه خصوصا . والشيطان عدو ، فكلما وجدك أقرب إلى خير ، أو أبعد عن شر ، كان تعرضه لك أكثر ، وكان شعورك بإلقائه أكثر . بخلاف من حصل الشيطان منهم على مراده ، فهم لانغمار قلوبهم في الشهوات ، قد يقل تعرضهم لذلك ، وقد لايشعرون بما يبتلون به من وساوسه . ولا نجاة إلا بالاستعاذة بالله رب العالمين .
– أما أنت أخي إن كنت مميزا بإرادة وقدرة ، فليس أمامك إلا أحد خيارين . أتدري ما هما؟!
إنه “كلما كان الإنسان أعظم رغبة في العلم والعبادة ، وأقدر على ذلك من غيره ، بحيث تكون قوته على ذلك أقوى ، ورغبته وإرادته في ذلك أتم ، كان ما يحصل له إن سلمه الله من الشيطان أعظم . وكان ما يفتتن به إن تمكن الشيطان منه أعظم“(68) “فمن سلم من ذلك منهم كان من أئمة المتقين مصابيح الهدى وينابيع العلم ، كما قال ابن مسعود لأصحابه: كونوا ينابيع العلم ، مصابيح الحكمة ، سرج الليل ، جدد القلوب ، أحلاس البيوت ، خلقان الثياب ، تعرفون في أهل السماء وتخفون عن أهل الأرض”(69).
وذلك لأن الامتحان – بمقتضى العدل الرباني – يتناسب مع الإمكانات ، فإن أعطاك الله أكثر مما أعطى غيرك ، فإن الواجب عليك أكبر . فإن وفيت به كانت منزلتك أعلى . وإن كانت الأخرى ، كانت الخسارة والعقوبة أشد . إذ لابد من التناسب بين الغنم والغرم .
فهل يشتد خوفك أخي .. من عقوبة تبدّل إيمانا بنفاق؟!.. وهل تعلو همتك لإيمان .. يجب عليك .. وأنت مؤهل له ؟!.. إن حصل هذا ، فقد انتفعت .. بهذا الإنذار ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- صحيح : أخرجه الحاكم [ 1 / 12 ] وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة [ 333 ] .
2- الإيمان لابن تيمية تخريج الألباني [212] ط، المكتب الإسلامي (الخامسة) 1416هـ – 1996م.
3- أي : الذي ثبت به أصل الإسلام .
4- كما في آية “الحجرات” وسيأتي الكلام عنها . وهي : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ الحجرات – 15 ] .
5- فهم ليسوا من المنافقين ، الذين معهم ظاهر الإسلام ، لكن دون أصل الإيمان الذي يصح به إسلامهم .
6- ليصح ما معهم من إسلام ظاهر .
7- أي : والذي هو عند المؤمنين ، وهو فوق ما عند المسلمين فقط .
8- أي : أهل الإيمان الواجب ، الذين استحقوا لتوفيتهم ما وجب عليهم ، اسم الإيمان . بخلاف من معهم أصل الإيمان ، ولم يكملوا ما وجب عليهم ، فهم مسلمون غير مؤمنين .
9- أي : أهل الإسلام فقط ، الذين معهم من مجمل الإيمان ما يصح به إسلامهم .
10- بل يتوقف على ثبوت أصل الإيمان فقط .
11- بين هاتين الرتبتين للإيمان : المجمل والمفصل ، أو : الأصل والواجب ، أو : مطلق الإيمان والإيمان المطلق .
12- من المسلمين .
13- أي : ليسوا من أهل الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر . فهذه تبرئة من الأكبر ، لا الأصغر .
14- السابق [213] .
15- المسلمين ، غير المؤمنين .
16- أي : ولو بعد شيء من العذاب ، فلا خلود لهم إلا في الجنة .
17- وهؤلاء غير المنافقين من أول الأمر .
18- فإنهم لم يصلوا إلى صفات المؤمنين .
19- (العنكبوت – 1 : 3) .
20- ( آل عمران – 179) .
21- ( الحج – 11) .
22- ( المنافقون – 3) .
23- (التوبة – 64 : 66) .
24- الإيمان [ 213 : 214 ] .
25- (البقرة – 17 : 18) .
26- الإيمان [ 215 : 216 ] .
27- ( البقرة – 19) .
28- الإيمان [ 217 ] .
29- (البقرة – 143) .
30- (آل عمران – 139 : 141) .
31- (آل عمران – 166 : 167).
32- حيث عبر عنه بالفعل المقتضي للحدوث الزمني ، بخلاف التعبير عن المقابلين (المؤمنين) بالاسم المقتضي للاستقرار والثبات غير المرتبط بالزمانية .
33- الإيمان [ 219 : 220 ] .
34- ( الشعراء – 111).
35- ( الأنعام – 52: 53 ).
36- [47 – المؤمنون].
37- [18 : 19 – الشعراء].
38- [57 – القصص].
39- [57 – القصص].
40- [78 – هود].
41- [23 – الزخرف].
42- الإيمان [ 152 : 154] .
43- (المائدة – 51 : 53 ).
44- الإيمان [ 154 ] .
45- فكيف لو رأى زماننا ، وما فيه من المآسي .
46- إذ أن البدايات عنوان النهايات ، والذي يضيع إيمانه ابتداء ، كيف ينتظر من الله أن يحفظه له ؟!
47- ( الحجرات – 14 ).
48- ( الحجرات – 15 ).
49- ( الأحزاب – 11 ).
50- الإيمان [220 :221] .
51- ( المائدة – 18 ) .
52- أي : الأصغر ، الذي هو من جنس المعاصي .
53- فالمؤمن – لغلبة حب الإيمان في قلبه – تواب ، لا يصر على الذنوب التي تقع منه بمقتضى النقص الملازم للبشر .
54- وهذا غير الأول ، فقد وجد سبب النفاق ، لكنه لم يستجب له ، فلم يوجد النفاق .
55- تفضلا من الله ورحمة ، والله عليم بخلقه ، حكيم في اختيار أهل إحسانه – تعالى – .
56- صحيح، رواه أحمد (2/ 397) وروى مسلم نحوه.
57- صحيح، رواه أحمد (1/ 235) عن ابن عباس، وروى أبو داود نحوه. (1/ 83) من حديث أبى هريرة. صحيح أبى داود (4264).
58- أي : خالص الإيمان . فالإيمان إذا خلص ، كره القلب كل ما ينافيه . وكانت كراهتهم لذلك من إيمانهم .
59- الإيمان [221 : 222] .
60- ( فاطر – 6 ) .
61- ( الإسراء – 82 ) .
62- ( آل عمران – 138 ) .
63- ( البقرة – 2 ) .
64- ( التوبة – 124 ) .
65- (فصلت – 34 : 36 ) .
66- أخرجه الشيخان .
67- الإيمان [222 : 223] .
68- السابق [223] .
69- السابق [224] .
التعليقات