يتميز النموذج الفلسطيني بأنه نموذج معاصر للمقاومة الشعبية، في قلب العالم الإسلامي وبؤرة الصراع فيه، ضد تحالف قوى عالمي. ومع أنه مازال ممتدا منذ عقود طويلة، غير أنه مرّ بمراحل متعددة، مما جعله مادة ثرية لخبرة .. تحتاج إليها شعوب الربيع الذي أريد له أن يكون خريفا عربيا ..
فهاكم إضاءات من فلسطين :
1-المعركة الكبرى حول الإرادة الإنسانية، لأنها السر الأقوى للحياة. فقد تم ترتيب مهزلة حرب 1948م. وهزيمة الجيوش السبعة أمام جيش العصابات اليهودية (والذي كان يفوق مجموع تلكم الجيوش عددا وعدة) لتنكسر إرادة الشعوب المسلمة، وتفقد الأمل في النصر إلى الأبد .
2-تفاوت القوة المادية حقيقة، والعجز أمامها وهم. فدولة الصهاينة تتفوق عسكريا على مجموع دول الطوق، وتملك سلاحا نوويا لا تملكه أي دولة عربية. لكن ذلك لم يمنع من الجهاد ضدها، وقام توازن الرعب بدوره بدلا من توازن القوة.
3-ليس هناك خارج يملك كل شيء، مهما كان قويا ومؤثرا. فقد قامت دولة الصهاينة بدعم الخارج، ولا زالت تعيش على ذلك الدعم، باعتبارها زرع الخارج داخل أرضنا المباركة. فلإن منع الخارج الجيوش النظامية عن إزعاج الصهاينة، لكنه عجز عن منع حركات مجاهدة – تعيش محاصرة بين جيوش العرب والصهاينة – عن بثّ الرعب في قلوبهم .
4-الرايات العلمانية واليسارية، قصة خداع طويلة. فقد سمح الأعداء وعملاؤهم – وربما رعوا في بعض الأوقات – وجود رايات علمانية ويسارية، تقود المقاومة والتفاوض أمام الصهاينة. مقابل رفضهم جميعا أن تظهر رايات إسلامية تعبر عن الهوية الحقيقية للأمة، حتى تبقى أمتنا أسيرة لهم، في حال الاستسلام أو حتى في حال المقاومة (المحكوم عليها بالفشل ابتداء) .
5-البداية في الظروف الصعبة تكون ضعيفة، لكن الوصول إلى النهاية القوية، لا يكون إلا بعد الانطلاق من تلك البداية. فأكثر المتابعين اليوم لحرب الصواريخ، أو لبسالة وآليات الصمود أمام هجمات القوات الصهيونية، قد لا يذكر أن البداية كانت بطعن مستوطن بسكين !! أو أن هناك من قبض عليهم لما أرادوا شراء سلاح من عميل للمخابرات الصهيونية !! وأشياء أخرى قبل ما ذكرنا ربما كانت أقل من ذلك .
6-إحياء رفض الظلم، والاستعداد للتضحية في مقاومته، محطة فاصلة في حياة الشعوب. ولذلك كانت الانتفاضة الأولى (انتفاضة أطفال الحجارة) محطة فاصلة، فلم يكن ما بعدها كما كان ما قبلها أبدا. وقد دفع أهلنا فيها عددا غير قليل من الشهداء والمصابين والأسرى، لكن كسر حواجز الخوف والاستسلام والتعايش مع الظلم .. كان هو المكسب الأكبر في هذه المحطة .
7-لا يُنتظر انقراض الخونة، ولا تحول الاستسلاميين، بل تستمر المسيرة رغم وجودهم، ويكفي وجود حاضنة قادرة على الاستمرار والدفع بالفاعلين. فلم يخل مجتمع من خونة، ولم يتحول أكثر الجبناء في التاريخ إلى شجعان. وحسبك أن يرجع ابن سلول بثلث جيش على رأسه” رسول الله ” – صلى الله عليه وسلم – ، لكن المؤمنين لم يرجعوا .
8- إن عدم تحقيق كمال النصر لا يعني عدم جدوى الطريق، وتحقيق أهداف مرحلية حركة في الطريق الصحيح وخير من الانسحاب من المعركة. فالمعارك الكبرى لا تكاد تُكسب في جولة واحدة، واضطرار الخصم إلى التعامل معك بدلا من الاكتفاء بفرض الواقع عليك، انتقال من كوننا مجرد ساحة لفعله إلى كوننا مؤثرين عليه وعلى فعله .
9-حراك التغيير والتحرر إنما يقاس بموازينه على ما يشابهه، ولا يقاس على حراك التعايش في حيز المسموح به (إن صحت التسمية) . فالأول قائم على قدر من المدافعة التي لا تخلو من المخاطرة، والثاني قائم على المواءمة لتجنب تضحيات تلكم المخاطرة. لذلك فساحة الأول هي المختلف عليه، بينما ساحة الثاني هي المتفق عليه، أو – على الأكثر – المسموح به . فما أبعد المسافة بينهما .. طريقة .. ونتيجة !!
التعليقات