عام على انتفاضة الشباب المسلم..الواقع والرؤية

مقدمة

 

هي انتفاضة على الوضع القائم لإدارة الصراع الدائر، من أجيال واعية تفهم حقيقة المعركة والصراع، ترفع قضية الهوية المسلمة شعارا لها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه وبعد..

عام مضى على انتفاضة الشباب المسلم، التي دعت لها وأطلقتها الجبهة السلفية، والتي جعلت من 28 نوفمبر تاريخا لتلك الانطلاقة. ومنذ تلك الانطلاقة، وبين موجات التأييد والاستنكار من جهة، وموجات التهويل والتهوين من جهة أخرى، فالشيء المؤكد أنها صنعت زخما هادرا وتساؤلات كثيرة في الواقع، وحركت هذا الواقع وسقفه وطموحه.

واليوم، وبعد عام من تلك الانطلاقة، نجد لزاما علينا أن نقدم صورة كاملة مختصرة، تتناول ماضي الانتفاضة وحاضرها وموقعها، وما لا يعلمه الكثيرون عن الانتفاضة وكواليسها. وأن نجيب -بالشفافية والموضوعية- على تساؤلات كثيرة طرحت. والأهم؛ أن نقدم تقييما للانتفاضة في صورتها ووضعها الحقيقي، بما لها وما عليها، وكحدث مفصلي ومنعطف واقعي، ما بعده ليس كما قبله.

 

عن البداية

 

وهذه المحاور الثلاثة شكلت رؤية الانتفاضة، التي هي حركة تريد الانتصار لقضية الهوية المسلمة باعتبارين: أنها مطلب وغاية للواقع، وأن الصراع إنما يتمحور حولها

انتفاضة الشباب المسلم كانت دعوة أطلقتها الجبهة السلفية، يعبر عن حقيقتها اسمها. فهي انتفاضة على الوضع القائم لإدارة الصراع الدائر، من أجيال واعية تفهم حقيقة المعركة والصراع، ترفع قضية الهوية المسلمة شعارا لها. وقد بلورت انتفاضة الشباب المسلم محاورها الواقعية في ثلاثة محاور: الانتصار للهوية، ورفض الهيمنة، وإسقاط حكم العسكر.

لماذا؟

لأن أولويات الدخول في الصراع هو وجود منطلق وراية واضحين. والصراع مع العسكر في مصر خاصة -فضلا عن الواقع الإقليمي الأوسع- افتقد لوضوح المنطلق والراية. فواقع المعركة منذ 30 يونيو وحتى الآن، أثبت بشكل واضح لم يترك فرصة للمنكرين، أن العسكر إنما يخوضون معركة ضد الإسلام والدين نفسه، لا ضد تجربة سياسية محدودة، مستخدمين وخادمين للهيمنة الغربية والمصالح الإقليمية المرتبطة.

وبالرغم من وضوح تلك الحقيقة -الصراع على الدين- لم تكن رايات المعركة المرفوعة من معسكرنا تصلح ولا تعبر عن مستوى تلك المعركة. وترتب على فقدان تلك الراية وتغييب تلك الحقيقة:

  • التخبط في الإدارة السياسية والواقعية والإعلامية للمعركة.
  • فقد قطاع شعبي واسع عازف عن الدخول في صراع سياسي محدود، حسب رؤيته.
  • تعزيز الوهم الذي يريد العسكر صنعه أن المعركة ضد فصيل سياسي بعينه.

وأيضا، فإن الواقع الثوري الرافض للهيمنة الغربية وحكم العسكر، كان -وما زال- بحاجة لإعادة إحيائه وبث الروح فيه ورفع سقفه وطموحاته، وغياب راية قوية واضحة، أو تمييعها لصالح رايات وشعارات غائمة وضبابية، لا يتناسب مع هذه الضرورة. فينبغي رفع سقف الراية لرفع سقف الحركة في الواقع كله.

كما أنه في تلك اللحظة، كان التيار الإسلامي -الحامل لقضية الهوية في أصل منطلقاته- هو من تُسفك دماؤه منذ عام ونصف، وتحصد أرواح أبنائه، على أيدي العسكر الذين أحضرتهم القوى المدعية للمدنية بمختلف أطيافها التي شاركت في تلك الجرائم سابقا، وتحاول التنصل منه بعد أن أحرقها لهيب بنادق العسكر بدورهم. وحري أن تكون أهدافنا وثمار حركتنا متناسبة مع الثمن الذي ندفعه، لا سيما إن كنا وحيدين في تلك المواجهة من البداية.

محاور الانتفاضة

رفعت الانتفاضة ثلاثة محاور تعبر عن حقيقة دعوتها ورؤيتها:

  • الانتصار للهوية المسلمة.
  • رفض الهيمنة الغربية.
  • إسقاط حكم العسكر.

وهذه المحاور الثلاثة شكلت رؤية الانتفاضة، التي هي حركة تريد الانتصار لقضية الهوية المسلمة باعتبارين: أنها مطلب وغاية للواقع، وأن الصراع إنما يتمحور حولها. ثم رفض الهيمنة الغربية التي هي بدورها محاولة لمضادة ورفض الهوية المسلمة، ومحاولة لوأدها، ومن ثم يأتي إسقاط حكم العسكر كخطوة أولى في طريق كسر تلك الهيمنة.

حقيقة ما حدث

التوقيت ودور الإخوان

الجبهة كيان متحرك واقعي علاقاتها بالواقع الإسلامي والواقع السياسي منذ مبارك وحتى اللحظة الحالية معروفة. ومعروف مشاركتها في ثورة يناير برموزها من أول يوم، وكذلك وقوفها ضد المجلس العسكري يوم أن جلس معه الآخرون، ووقوفها مع كل مظلوم إسلاميا كان أو غير ذلك

كما سبق، فإن أصل الدعوة كانت من داخل الجبهة السلفية التي رأت ضرورة رفع شعار إسلامي واضح. وكان الموعد المتصور لتلك الانطلاقة في البداية هو العاشر من محرم، حيث كانت الفكرة الأولية استحضار نجاة موسى من فرعون لإبادة الفئة المؤمنة، وذكرى استشهاد الحسين عليه السلام.

وكانت الرؤية في البداية قائمة على الترتيب على الأرض ثم التنسيق مع الإخوان. وهذا الترتيب الأولي لم يتيسر حينها لأسباب ميدانية مختلفة. ثم كان التواصل بعد ذلك مع الإخوان الذين رحبوا بفكرة رفع الهوية المسلمة شعارا، باعتبارها مكملا للحراك الموجود. وبناءا على المناقشات وما أثير فيها من توقع حكم براءة مبارك، تم الاتفاق على أن تكون الدعوة سابقة ليوم المحاكمة -29 نوفمبر- لتستغل ما قبلها وما سيأتي بعدها من الحراك والفعاليات. فكان الهدف من التوقيت هو استغلال أجواء المحاكمة المتوقعة نتائجها، وكان هذا بالتوافق مع الجميع، وتم الاتفاق على أن تكون مظاهرات المطرية بالفعل لصالح الانتفاضة فقط، وعدم رفع صور الدكتور مرسي.

هل كان التوقيت اختراقا أمنيا؟

مورست ضغوط شديدة على أحد القيادات الإخوانية للتبرؤ من الانتفاضة ووسمها بالعنف، وهو ما قوبل منه بالرفض، فكان اعتقاله

فضلا عن أن اختيار الموعد كما ذكرنا لم يكن من ترتيبنا فقط، وإنما بالترتيب المشترك مع جماعة الإخوان، فإنه من مجافاة الواقع وسوء الفهم اتهام الجبهة السلفية بالاختراق والتوجيه الأمني. فالجبهة السلفية كيان معروف برموزه لم يتهمه أحد في يوم ما قبل الثورة أو بعدها، وقبل الانقلاب أو بعده بمثل تلك الاتهامات. بل على العكس من ذلك؛ فإن الجبهة السلفية كانت تتلقى الاتهامات دائما بالصدام والتهور، لا بالعمالة والتعاون الأمني. كما أن الجبهة كيان متحرك واقعي علاقاتها بالواقع الإسلامي والواقع السياسي منذ مبارك وحتى اللحظة الحالية معروفة. ومعروف مشاركتها في ثورة يناير برموزها من أول يوم، وكذلك وقوفها ضد المجلس العسكري يوم أن جلس معه الآخرون، ووقوفها مع كل مظلوم إسلاميا كان أو غير ذلك. بخلاف أن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يوجه في المقابل: إذا كانت هذه مؤامرة أمنية اشتركت فيها الجبهة، وبالنظر لحقيقة أن الجبهة السلفية دفعت وما زالت من ثمن دماء أبنائها وحرياتهم، فما المقابل الذي جنته والمكاسب التي حققتها مقابل ذلك التنسيق الامني المزعوم؟

ومما ينبغي أن يشار إليه أيضا في ذلك السياق تلك الحقائق الهامة:

  • الانقلاب أثبت لكل عاقل أنه لا يحتاج لمبررات لينزل بحشوده إلى الشارع، وخط الانقلاب منذ أول يوم هو القمع والدموية المطلقة التي لا تهتم كثيرا بصورتها، فلماذا يتغير الأمر بعد عام ونصف من تلك الدموية التي لا تبحث عن المبررات؟
  • وفي نفس الوقت لم تكن أحكام البراءة مفاجأة لمن يعيش الواقع ويفهمه، والمتابع الموضوعي كان يعلم يقينا أن مبارك لم يكن ليحكم عليه، كما أن صدور البراءة لمبارك قد حدث ما هو صادم عنه وأكثر سوءا منه، من دماء وقمع وفشل سياسي واقتصادي ووعود كاذبة، فلم يكن ليتحرك أو ينزل للشارع من لم يفعل طوال الفترة السابقة. والانقلاب ونظامه الأمني يفهم جيدا رد فعل الجماهير ولم يكن ليحتاج لكل ذلك للتعامل مع الأمر.
  • الانقلاب حرص منذ البداية على تحييز الحرب ضد الإخوان كعنوان واسع يدخل فيه كل من رفض الانقلاب، وحرص على ظهور حزب النور في الصورة معه، وكل ذلك كان له سبب مفهوم؛ وهو ألا يؤكد المعنى الواضح أن الحرب ضد المشروع الإسلامي كله؛ ودعوة الانتفاضة ورفع الهوية الإسلامية والشريعة هي إخراج للمعركة من الحيز الذي يريده، وإدخال لقطاعات أوسع في الصراع خارج الإخوان، فتوجه الانتفاضة توجه مضاد للتوجه الأمني الذي يسلكه الانقلاب، وهذا يجعل اتهام الانتفاضة ورفع شعارات إسلامية بأنها مخطط أمني تناقضا أكيدا مع ما يقرره الواقع.

إعلان الدعوة وتوابعها

بعد الاتفاق، أصدرنا البيان ووضعنا تصورا داخليا للحشد الإعلامي خلال الشهر. وكنا نتصور رد فعل من إعلام الانقلاب ولكن ليس بالمستوى الذي حدث، وفوجئنا بحملة عنيفة جدا ضد اليوم والدعوة في الإعلام، بعد تلك الحملة وتطوراتها، طلب الإخوان تعليق التنسيق حتى يتم الاتفاق على بعض التفاصيل التي ثار حولها جدل، كاستعمال مصطلح الثورة الإسلامية، ودعوات البعض لرفع رايات سود، ومكان الخروج، وغير ذلك، وتم الاتفاق على هذه النقاط والوصول فيها لرؤية مشتركة، مع الوقوف ضد محاولة التدخل في الفعالية بما لا يتسق مع مضمونها وهدفها.

في ظل ذلك، خرج بيان للمجلس الثوري به اعتراض ضمني على دعوة الانتفاضة، رغم التنسيق والترتيب السابقين. وبعد النقاش في ذلك المستجد، صدر بيان باسم التحالف دعما للجبهة السلفية، في مقابل البيان السابق، كما صدر بيان داعم للانتفاضة من المجلس الثوري. وفي نفس الوقت، مورست ضغوط شديدة على أحد القيادات الإخوانية للتبرؤ من الانتفاضة ووسمها بالعنف، وهو ما قوبل منه بالرفض، فكان اعتقاله.

التراجع

ثم اشتدت الهجمة الأمنية على الجبهة وشبابها وكل من تجاوب مع الانتفاضة، فكان اعتقال العشرات ومنهم من رموز الجبهة الشرعية والدعوية. وكان هذا بينما الانتفاضة في الواقع تحقق تجاوبا واسعا وزخما كبيرا يؤكد حاجة الواقع لها. لذلك؛ ورغم دعوات الإلغاء والتأجيل، كان رأينا أن إلغاء فعالية اليوم أو تأجيلها لن يكون من قبيل الحكمة وسيكون إفشالا للغاية النهائية من دعوة الانتفاضة، ثم كان من باب التشاور في ذلك الأمر أن تواصلنا مع الإخوان لاستبيان رأيهم، فكان رأيهم الغالب هو عدم التأجيل، وكان ذلك عصر يوم الخميس 27 نوفمبر. ثم فوجئنا بعدها بساعات بعد هذا الاتفاق بتبليغهم لنا بتغير قرارهم، بينما كان بيانهم ينشر فعلا في وسائل الإعلام، والذي تبرأوا فيه من الانتفاضة.

28 نوفمبر..تقييم موضوعي

 

كان هدفا للانتفاضة تشغيل القطاع المعطل من عموم الحركة الإسلامية غير الإخوانية الرافضة للانقلاب العسكري، ورفع الراية الصحيحة لهم

بعد عام من الانتفاضة، ربما يتوفر من الهدوء ما يمكن به مناقشة تقييم الانتفاضة، وتقييم يوم الثامن والعشرين من نوفمبر، بعيدا عن الحماسات والاتهامات، ورؤيتنا المجملة: أنه وقياسا لأهداف انتفاضة الشباب المسلم، فإن الدعوة واليوم حققا أهدافا غاية في الأهمية، مقابل أوجه قصور وإخفاقات، فلا تعتبر الانتفاضة قد فشلت لتحقيقها جل أهدافها التي انطلقت من أجلها تأسيسيا وعقائديا؛ بل هو من التجني الواضح وربما عدم التصور الصحيح للواقع، فقد رفعت الراية وقدمت القيادة وأرادت الحركة بالجموع بناء على ذلك، وهذه الثالثة هي التي جاءت ضعيفة ومتعثرة. ويتعلق بذلك أمور نذكرها:

  • لم نتحرك ونتصدر إلا حين أحجم الكثيرون -أفرادا وجماعات- ممن يحملون القناعة والإيمان بالأمر، ثم يتراجعون عن مسئولية ما يقتضيه ذلك.
  • كنا نعلم خطورة ما نحن مقدمون عليه، وكنا نقدر احتمالات التراجعات التي حدثت. غير أن الواقع العملي الذي يفرض نفسه ويضع الاحتمالات الممكنة لمن يريد أن يعمل، يختلف عن التنظير المجرد البعيد عن الواقع.
  • كان هدفا للانتفاضة تشغيل القطاع المعطل من عموم الحركة الإسلامية غير الإخوانية الرافضة للانقلاب العسكري، ورفع الراية الصحيحة لهم؛ وهي تلك الشريحة التي خمدت نتيجة تفاوتها عن الإخوان في أمرين، وهي أنها أعلى سقفا وأقصر نفسا من الإخوان.
  • لم تزعم الجبهة أنها قادرة على قيادة وتحريك هذه الجموع الهائلة وحدها ولا تزعم أنها تمثلها جميعا، فهي جموع غير منظمة ولا يمكن أن تتحرك إلا بأمرين: برفع الراية التي تؤمن بها (وهي نفس مطالبنا ورايتنا وسقفنا)، وتقديم قيادة للحدث تتحمل المسئولية.
  • لا تتحمل الانتفاضة السقف المرتفع الذي ظهر إعلاميا في حالة من الرعب الحقيقي بلورتها تسريبات وزير الداخلية المنقلب في شهر فبراير الفائت، كما أججتها طموحات الشباب المتعطش للحق والخير والعدل.
  • في مقابل التهويل الإعلامي من معسكر الانقلاب، كان هناك تحيز إعلامي واضح في تغطية اليوم من المعسكر المضاد للانقلاب، توافقا مع سياسات من يسيطرون على أدواته الإعلامية.

ما تحقق..

كان هناك قصور في توقيت وتفاصيل الفعاليات وأماكن خروجها، بما أثر على قدرة قطاع كبير متجاوب من المشاركة

انطلقت الانتفاضة ولنا فيها رؤيتان، إحداهما تنظيرية عقدية، والأخرى عملية واقعية، فأما الرؤية التنظيرية العقدية، فنزعم أن الانتفاضة حققت أهدافا مهمة فيها أبرزها:

  • أحيت الانتفاضة حاجة في الواقع بإبراز الهوية المسلمة، والقرآن، كعنوان ومحور للصراع. وهذا الأمر كان مُفتقدا في الواقع، ولم يكن أحد يريد أن يتحمل تبعاته ويقوم به، فانتصب واقع جديد بسقف مختلف للناس يناسب آمالها وتضحياتها.
  • أردنا ترسيخ حقيقة وجوهرية كون الثورة مسلمة، وليست فقط إسلامية. وهي التي عجزت الحركة الإسلامية عن فرضها في ظل مغازلة العلمانيين الخونة أذناب العسكر والغرب، وتحت مطارق أخطائهم وغياب رؤيتهم وخجلهم أمام الإعلام الذي ينزع عنهم لباسهم ليريهم سوءاتهم وسوءات غيرهم قبل التحريض على قتلهم.
  • وأبرزت الانتفاضة أهدافا غابت عن الواقع المسلم المتحرك على الأرض، الذي ما كان أصل قيامه إلا رفعة للإسلام وإقامة للشريعة. وهي الأهداف التي غابت تحت ركام عقود من التضييق، وممارسات سياسية خلطت بين الحق والباطل، ومقاربات وموائمات حرفت بوصلة الحركة.
  • وأظهرت الانتفاضة الرؤية للعدو الحقيقي -الغرب ومن يمثله- وأعلنت رفضها لهيمنته، وهو رد على من أنظاره معلقة بالغرب، يتلمس رضاه ويستجدي نصرته.

وعلى الصعيد الواقعي العملي:

  • رغم خطورة الدعوة، فقد رفعنا للواقع الراية، وقدمنا له القيادة بما كان ثمنا لذلك.
  • ورغم تراجع الإخوان، فإن مسيرات ذلك اليوم سواء كانت للتحالف أو لغيره، رفعت فيها المصاحف وعلت فيها الأصوات بالتكبير، وهو علامة على تجاوب القواعد مع الدعوة، وحاجتهم لها.
  • كشفت الانتفاضة عن وجه النظام القبيح أكثر، وأبانت للواقع مدى رعب الباطل من أن ترفع الراية الواضحة في المعركة، وأظهرت أكثر حقيقة المعركة وجوهرها القائم على مضادة الدين والشريعة.
  • قدمت نموذجا واقعيا يتصدر فيه تيار ليحرك جموع الناس، تصدرا كان مغرما لا مغنما، لحمل قضية عامة تتعلق بالأمة كلها، لا بمصلحة ضيقة تخص تيارا بعينه، كما أن ذلك كان بتفعيل قطاعات الواقع الإسلامي التي تتمايز في سماتها ونقاط قوتها.

ما لم يتحقق، وما كان من قصور

في المقابل، فإن الحق والإصرار على الثبات والاستمرار لتحقيق الهدف، يقتضي إيضاح مناحي القصور فيما كان:

  • خرجت فعاليات اليوم على الأرض وتنظيمها أضعف كثيرا من المأمول والمتوقع. تضافر في ذلك أخلال التنسيق والترتيب والحشد منا، والتراجعات، والتهويل الإعلامي من معسكر الانقلاب الذي رفع سقف المتوقع جدا، ثم التحيز الإعلامي من معسكر ضد الانقلاب.
  • كان هناك قصور في توقيت وتفاصيل الفعاليات وأماكن خروجها، بما أثر على قدرة قطاع كبير متجاوب من المشاركة.
  • ضعف التنسيق مع مجموعات ثورية في أماكن مختلفة. يرجع ذلك لأسباب خارجة عن إمكاناتنا يفرضها الواقع الصعب.

الخروج من التحالف

 

الخروج من الواقع الحالي لا ينفك عن الخروج من دائرة الهيمنة ويرتبط ارتباطا وثيقة بقضية الشريعة والهوية الإسلامية

تقييم الخروج من التحالف يكون باعتبار اتجاه الخروج ومعرفة إلى أين يسير، وحيثيات الخروج من التحالف هي كالتالي:
التحالف الوطني لدعم الشرعية هو تحالف سياسي له إطاره ومحدداته وتحكم المجتمعين فيه مسارات مشتركة محددة، هذه المسارات ليست بالضرورة أن توافق عليها كل الأطراف في كل المراحل، ونحن رأينا أن البقاء في التحالف بمساره الحالي وفي مرحلة ما بعد إعلان الانتفاضة وفعاليات يوم 28 نوفمبر، سيمثل تعارضا بين مشروع الانتفاضة ومشروع التحالف، ونحن نرى أننا نخرج في اتجاه أفق أوسع في المنطلقات وفي الأهداف وفي العمل الميداني، والانتفاضة وقضية الهوية تجمع على أهدافها الأوسع ما لا يفعله التحالف في إطاره الحالي.
كما أن التحالف كأي مشروع سياسي، قد يكون كافيا كسقف للعمل في فترة ما، ثم يصبح بعدها غير كاف كسقف إذا تغيرت المعطيات؛ فحيث أن:

  • التحالف كمشروع لم يعد يحقق طموح الكثيرين ويتغير مع تغير معطيات الواقع، كما أنه يختلف في نطاق رؤيته عن نطاق رؤيتنا ومشروعنا، وأننا لنا ثوابتنا وأهدافنا ورؤيتنا السياسية والواقعية.
  • وأننا نرى الخروج من الواقع الحالي لا ينفك عن الخروج من دائرة الهيمنة ويرتبط ارتباطا وثيقة بقضية الشريعة والهوية الإسلامية.
  • وأن التحالف في أهدافه يتقاطع مع مشروع الانتفاضة ذو الأهداف الأكبر.
  • وأننا في كل لحظة منذ ما قبل ثورة 25 يناير وحتى اللحظة الحالية أثبتنا أننا نتعاون مع كل مخلص وندور مع مصلحة الأمة في كل منعطف، ونكون دائما في مواجهة الباطل ولا نتراجع.

فقد رأينا أن القرار الذي يجعل لنا دورا أكبر في تغيير الواقع والاتجاه به إلى الأمام لا يكون من خلال استمرارنا في التحالف.

تساؤلات

لماذا تحملتم ما لا تستطيعون الوفاء به؟

  • تحملنا ما تحتاجه الأمة وتستطيع الوفاء به، ورفعنا في سبيل ذلك أهدافا عامة غير خاصة بنا كجبهة، كي نتحرك مع من يستطيع الوفاء بهذا الأمر من الأمة، أفرادا وجماعات.
  • لم نزعم أننا نملك الحل ونقدر عليه، بل كنا -وما زلنا- نراهن على الأمة عامة والشباب خاصة.
  • يصيبنا اللوم والتخطئة، لو كنا احتكرنا الدعوة وانفردنا بها، ورفضنا أن نتعاون مع غيرنا. بل؛  سعينا في كل باب مع كل أحد، وقبلنا كل جهد صغر أو كبر في سبيل ذلك. ولم يصبنا من تصدرنا غير ثمن دفعناه من حرياتنا.

هل كانت شقا للصف وتعددا للرايات؟

ليس مجرد إعلان مشروع ما هو خروج وتفتيت للصف والواقع بالضرورة. بل قد يكون جمعا للصف، وتصحيحا لأوضاع ذات أخلال. وراية الهوية هي الراية الأوسع والأكبر ولا شك من أي راية سياسية ذات أفق محدود.
كما أن شق الصف ليس واردا مع الانفتاح الذي كان موجودا منا مع الجميع، في التنسيق والتعاون والأفكار وتلقي النصح والمشورة. بل؛ والواقع العملي يشهد بالحماسة والقبول لدعوة رفع قضية الهوية لدى الجميع، وهو ما يجعل واضحا أن وضوح الراية وأهداف المعركة هو شيء كان يحتاجه الواقع ويطلبه الناس، ويجمع الناس لا يفضهم.
وينبغي التأكيد على معنى آخر هام، وهو أن أي دعوة لأي قضية أو مشروع في الواقع لن تخلو أبدا من أن تكون محيزة بقطاع معين، فلا يعقل أن يكون كل تحييز يسمى شقا للصف. بل التحالف الذي كان يعد الممثل السياسي للحراك، له مطالب سياسية لا يتفق عليها الجميع، وهو ما يعني أنها مطالب محيزة لا تجمع الكل. ومع ذلك؛ ليس ثمة أحد مطالب بالتخلي عن مشروعه الحقيقي ومطالبه من أجل جمع الناس على شيء وهمي غير موجود.

هل كانت لديكم رؤية؟ وما الجدوى من مزيد من الدماء؟ وهل هي دعوة مسلحة؟

  • انتفاضة الشباب المسلم كانت دعوة لإعادة الهوية إلى صدارة المعركة، ولم تكن احتكارا للقضية ولا للمشروع. وكانت -وما زالت- هناك رؤية وتأصيل لها من البداية طرحناه تباعا في بياناتنا وعلى صفحاتنا على مستوييها الفكري والميداني، تعاونّا فيه مع كل مخلص قدم لنا شيئا، واستفدنا منه.
  • أما عن الجدوى والدماء؛ فالدماء تسال في الشوارع، والمعركة قائمة فعلا. والانتفاضة جاءت لتجعل الجهود والدماء التي تبذل ذات قيمة حقيقية. خاصة والأحرار يبذلون تضحياتهم لما يرونه أكبر من معركة سياسية، وإنما يرونها معركة على الدين. ورفع الراية الحقيقية وجمع الناس عليها هو هدف مطلوب لذاته، وتصحيح الوعي مطلوب لذاته، وإعلاء ما يستحق البذل من الأهداف مطلوب لذاته.
  • والمعركة القائمة حاليا هي صراع صفري ذو خسائر واقعية وحتمية، ليس القعود فيه حلا. بل الانطلاق للأمام وجمع الصفوف وجلاء الأهداف والمنطلق هدف.
  • وأما عن السلمية والتسليح: فإن قضية الهوية أوالشريعة كمطلب، لا ترتبط ارتباطا حتميا بمسار أو وسيلة ما بعينها. والنقاش المستمر في هذه القضية –السلمية والتسليح- كثيرا ما يكون صراعا تفريغيا غير ذي ثمرة عملية. وسيظل الواقع دائما حاملا لكل الاتجاهات، التي تعتبر قضية الهوية أوسع وأكبر منها. وكما لمشروع الانتفاضة مسار فكري، فلها مسار ميداني واسع صنعنا فيه ما قدرنا عليه دون احتكار، ومستمرون في ذلك بإذن الله.

كيف تكون ضد التوافق ونحن أحوج ما نكون للتوافق السياسي في اللحظة الحالية؟

التوافق السياسي والانفتاح على الجميع مارسته الجبهة السلفية منذ الثورة وما بعدها كما لم يفعله أحد من القوى الأخرى. والواقع والجميع يشهدان أننا وقفنا ضد العسكر وضد عودة الثورة المضادة ومددنا يدنا لكل القوى، حين خدع العسكر آخرين. ونحن لا نرفض التوافق لكننا نرفض الذوبان. ولا نرفض مد الأيدي لأي شريف متعاون، لكن نرفض مد الأيدي لمن تلوثت يده بالدماء. وتصور أن التوافق يعني أن تتخلى عن قضيتك ومطلبك هو تصور سياسي وواقعي خاطيء. وحقنا في الإعلان عن هويتنا ومشروعنا لا يتعارض مع ترحيبنا بالعمل المشترك مع الشرفاء من أجل مطالب ثورية حقيقية.
ويرجى مراجعة بيان الجبهة السلفية عن دعوات التوافق الوطني لرؤية أوضح
https://gabhasalafia.com/archives/5012

هل انتهت الانتفاضة؟

 

بل بدأت بإطلاق شرارتها في النفوس وفي الواقع. ونحن نعتبر أن الانتفاضة قد صارت منعطفا له ما بعده. فالواقع يتحرك بناءا على السقف الذي تقدمه له. ودعوة الانتفاضة في جوهرها أكبر من أن يتعلق مصيرها بتيار بعينه، إذ رفعناها منذ البداية عامة للمسلمين لتكون مرتبطة بالأمة لا بنا. ونحن نعلم أن الواقع ما زال متعطشا لتلك الراية، وأن الحل لن يكون إلا من خلالها. وتجارب التاريخ تشهد على أن الدعوات والأفكار تصمد أمام عوامل الهدم الظرفية والزمنية. فالانتفاضة قد صارت مشروعا قائما، أكبر من أن يوقفه تعطل واقعي مؤقت مسبب.