تطويق مصر

رغم مسارعة السيسي لإصدار بيانات ترحيب رسمية بجهود التطبيع التي دشنتها الإمارات والبحرين والسودان مع الكيان الصهيوني، وبغض النظر عن المنظور الشرعي والأخلاقي والقيمي والسياسي لتصرفات السيسي إلا أن المدهش من منظور مادي بحت أن نظام السيسي هو أحد أكبر الخاسرين على عدة مستويات من عمليات التطبيع المتسارعة في المنطقة، والتي تؤدي  بالتوازي مع بناء وتشغيل سد النهضة دون تفاهم مسبق إلى تطويق مصر من الجهة الجنوبية بشكل محكم من خلال توفير قواعد استخبارية استراتيجية للكيان الصهيوني في سقطرى بالإضافة إلى مشروع إعادة تشغيل خط أنابيب لنقل النفط الإماراتي إلى عسقلان دون المرور بقناة السويس.

خط أنابيب (إيلات- عسقلان) تأسس في نهاية الستينات بالتعاون بين إيران الشاه والكيان الصهيوني، ولكنه توقف عن العمل عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وقطع الخميني لعلاقات إيران بإسرائيل.

فعلى المستوى الاقتصادي، ستؤثر المشاريع الاقتصادية الإماراتية الإسرائيلية المشتركة على بعض الموارد المصرية الكبرى مثل قناة السويس التي تدر دخلا سنويا لمصر يبلغ 5.7 مليار دولار. فعقب اتفاقية التطبيع الموقعة بين إسرائيل والإمارات في 13 أغسطس 2020، وقعت شركة (ميد ريد لاند بريدج) الإماراتية التي يملكها رجال أعمال إماراتيين وإسرائيليين اتفاقا مبدئيا مع  شركة أوروبا آسيا بايبلاين “إي أيه بي سي” الحكومية الإسرائيلية بغرض استخدام خط أنابيب (إيلات- عسقلان) الذي يربط بين إيلات على البحر الأحمر وعسقلان على البحر المتوسط لنقل النفط الإماراتي إلى أوروبا. وتبلغ سعة الخط نحو 600 ألف برميل يوميا، وتبلغ سعته التخزينية نحو 23 مليون برميل.

خط أنابيب (إيلات- عسقلان) تأسس في نهاية الستينات بالتعاون بين إيران الشاه والكيان الصهيوني، ولكنه توقف عن العمل عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وقطع الخميني لعلاقات إيران بإسرائيل. وذكرت صحيفة جلوبس الإسرائيلية أن هناك خيارين لنقل النفط من الإمارات إلى ميناء إيلات، أحدهما بواسطة ناقلات نفط عبر البحر الأحمر، والثاني عبر خط أنابيب يمتد داخل الأراضي السعودية، وهو ما يتوقف على موافقة الرياض.

إعادة تشغيل خط الأنابيب المذكور ستؤثر على كميات النفط المارة عبر قناة السويس، فحسب رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع يُتوقع أن تبلغ كمية النفط المارة عبر القناة في حال تشغيل الخط نحو 107 ملايين طن، مقارنة بـ 55 ملايين طن يرجح مرورها عبر الخط الذي ستفضله العديد من الشركات نظرا لدوره في توفير الوقت والوقود مقارنة بالنقل من خلال قناة السويس، والتي تبلغ عائدات البترول المنقول عبرها 17% من إجمالي عائداتها.

وعلى جانب آخر، سيؤثر تشغيل الخط المذكور أيضا على عائدات خط سوميد الذي ينقل النفط من ميناء السخنة عقب تفريغ ناقلات النفط لجزء من حمولتها قبل عبورها قناة السويس بما يتيح لها عبور القناة لتعيد تحميله من ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط.

العبث في باب المندب

في خطوة خطيرة تؤثر على الأمن القومي المصري، وحسب دورية انتليجنس اون لاين بدأت أبوظبي بالتعاون مع تل أبيب في تأسيس قواعد استخبارية في جزيرة سقطرى التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني التابع للإمارات منذ 20 يونيو 2020. فقد قام مسؤولون إماراتيون وإسرائيليون بزيارتين إلى سقطرى في 28 أغسطس و10 سبتمبر، من أجل بدء ترتيبات لإقامة قواعد استخباريك تابعة لهما في منطقتي زاحق الواقعة شرق الجزيرة، وقطينان الواقعة غربها.

وحسب انتليجنس فقد بنت الإمارات العديد من هوائيات الاتصالات لصالح “مؤسسة الإمارات للاتصالات (Etisalat)”، ونشرت وحدة عسكرية صغيرة في الجزيرة. كما بدأت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان في تأسيس بعض مشاريع البنية التحتية الكبرى في سقطرى، بما في ذلك بناء محطة كهرباء في عاصمة الجزيرة حديبو، وتجديد المطار، وإصلاح الطرق السريعة الرئيسية بالجزيرة.

تطويق مصر

تلك المشاريع المتنوعة تقوض الاقتصاد والأمن القومي المصري دون مقابل سوى صيانة تحالف السيسي مع الإمارات المبني على موقفهما الموحد تجاه عدد من القضايا المشتركة مثل العداء للتيارات الإسلامية، ورفض تغيير الأنظمة الحاكمة عبر ثورات شعبية، وهو ما انعكس على التنسيق بينهما في الشأن الليبي بدعم مشروع خليفة حفتر وتوافق مواقفهما تجاه الأزمة السورية عبر رفض الإطاحة بنظام الأسد في ظل الخشية من أن يدفع ذلك الجماعات الإسلامية إلى صدارة المشهد السوري، والتنسيق فيما يخص الخلافات بين مصر وتركيا حول تقسيم الحدود اليحرية في شرق المتوسط رغم عدم إطلال الإمارات على حوض البحر المتوسط.

تلك المستجدات تحدث في ظل أزمة مالية كبيرة تمر بها مصر حيث أعلن وزير المالية محمد معيط أن الحكومة فقدت 220 مليار جنيه من إيراداتها خلال العام المالي الماضي 2020/2019..

إن الإمارات كانت هي الراعية الرسمية للثورة المضادة في مصر حيث استقبلت رموز نظام مبارك عقب رحيله عن الحكم مثل رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق وعائلته، ومدير المخابرات العامة عمر سليمان وعائلته، ومولت حركة تمرد، كما لعبت القيادة السياسية الإماراتية منذ اليوم الأول للانقلاب في مصر دورا محوريا في تخفيف الضغوط الإقليمية والدولية التي تعرض لها السيسي آنذاك، سواء عبر تحركات منفردة مع مختلف الدول الغربية الهامة أو من خلال التنسيق الوثيق مع نظام السيسي على الصعيد الدولي لإجهاض أي مساعي لطرح الشأن المصري الداخلي على الأجندة الأممية. فضلا عن تقديم دعم مالي إماراتي مباشر وقوي إلى القاهرة في حدود 7 مليار دولار لمنع الاقتصاد المصري من الانهيار في تلك الفترة الحرجة من عمر الانقلاب.

تلك الخطوات الإماراتية كان يحرص النظام المصري وأتباعه على تسويغها باعتبار أنها تأتي من باب حب القيادة الإماراتية لشقيقتهم الكبرى مصر والحرص على المصالح المصرية، فكيف سيفسرون التطورات والمشاريع الأخيرة التي تضر بالمصالح المصرية بشكل مباشر؟.

إن تلك المستجدات تحدث في ظل أزمة مالية كبيرة تمر بها مصر حيث أعلن وزير المالية محمد معيط أن الحكومة فقدت 220 مليار جنيه من إيراداتها خلال العام المالي الماضي 2020/2019 عقب جائحة كورونا في ظل تراجع إيرادات الضرائب، وانهيار عوائد قطاع السياحة بعد تعليق الرحلات الجوية، وتضرر عوائد قناة السويس بسبب اضطرابات حركة التجارة العالمية.

وعند استحضار ارتفاع الدين الخارجي المصري بشكل غير مسبوق ليصل بنهاية عام 2019 إلى 115.1 مليار دولار، وما يرتبط بذلك من استنزاف فوائد الديون لأكثر من ثلث الموازنة السنوية لمصر نجد أن مشروع خط أنابيب (إيلات- عسقلان) هو عامل مؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري، ويساهم في تركيع مصر لخصومها بشكل أكبر. فإذا انضم هذا المشروع إلى مشروع سد النهضة، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ومشروع التحكم الإسرائيلي في الملاحة في مضيق باب المندب سيتبين أن مصر تتعرض لتهديدات جوهرية وعميقة يرحب بها ويساهم فيها نظام السيسي بشكل مدهش.

المصادر: دوريتي انتربرايز، وانتلجنس أون لاين.
مصدر المقال: موقع البوصلة.

التعليقات