مقاصد الكفر العالمي في الحرب على الأمة المسلمة

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

( غزة أنموذجاً )

بصيرة الوحي:

قلبت ناظري في أجسادٍ تقلبت فيها صور البلاء وتنوعت من أمٍ مكلومة وطفلة يتيمة وشيخٍ شريد وآخر شهيد في مأساةٍ لم أخالني أطلع على مثلها .. ومرت أمام ناظري سيل من التصريحات والتحليلات ، فأرى الهوة شاسعةً لا تلتقي على مد البصر بين أسرى الواقع ومن استنار بنور الوحي.

فأسرى الواقع يحكمون بقوانينه ، وكل ما خالف ذلك فعوالم مثالية خيالية ، وكأنهم تناسوا رباً رحيماً في تقديره عزيزاً في قوته قدر الابتلاء على الفئة المؤمنة وقدر معه البقاء … وهو سبحانه قدرعليها الخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات وجعل مع هذا كله النصر … وجعل حولهم من يخذلهم ويخالفهم وقدر أن ذلك لا يضرهم … فهؤلاء لن يروا الحقيقة لأنه يتناسون الموعود الرباني الذي لا تزيده الابتلاءات إلا قرباً .. ذلك هو انتصار الحق قال تعالى: [وَإِنَّ جُنْدنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ]..
ولقد كان أمام هؤلاء أن تتحرر موازينهم إلا انهم قيدوها بآلة العدو الإعلامية والسياسية ، ولو رجعوا للوحي ولكتاب الله لأبصروا الحقائق [وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً] النساء: ٦٦ .

وهل لنا في الفتن من نورٍ يجلي الظلمات، أو وقت نزول الابتلاء من سكينة وهداية للأفئدة مثل كلام الله؟، قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖوَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) فصلت: 44، وقال عزّ من قائل: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) المائدة: 15..

ومن هذا المنطلق أرصد – مستعيناً بالله – مقاصد الكفر وأربابه التي تؤزه وترسم وجهته ، لعلها تعين الموحدين في تصور حقيقة الصراع وأبعاده..

المقصود الأول : مقصود الإذلال:

إن مقصد الإذلال كان ولا يزال مقصداً جاهلياً أصيلاً ، رسمه فرعون حين وصف نبي الله موسى عليه السلام بقوله: [هَـَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ] الزخرف: ٥٢ ، (والمَهين بفتح الميم: الذليل الضعيف) التحرير والتنوير لابن عاشور.

وكلما زاد الحق من ضغطه على نفوس الجاهلية المهترئة اتجهت لمحاولة الإذلال تنفيساً عن الضعف ومحاولة لهز الثقة والثبات التي تميز الحق ، ولنتأمل موقف قريش من صلاة الني صلى الله عليه وسلم الخاشعة في صحن الكعبة ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظروا إلى هذا المرائي؟: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه، فانبعث أشقاهم، فلما سجد الرسول صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت الرسول ساجدا، فضحكوا، حتى مال بعضهم على بعض من الضحك…) صحيح البخاري ، والسلا (هو : اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان ، وهي من الآدمية : المشيمة) شرح النووي على صحيح مسلم.

ويُخطيء من يظن الأمر حدثاً عابراً، فهذا أبو جهل ينص على ذلك فيقول:”لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه” ، فلا يكتفي عدو الله بمحاولة منعه بل يفكر في مظهر يعلو به على الحق، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ) سنن الترمذي وصححه الألباني، وفي ذلك نزل كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى:{ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ }.

وكما يرتبط هذا المقصد بصور العبادات التي تظهر علو الحق واتصاله بالحق ، فهذا المقصد يرتبط بعلو الحق بالجهاد والتمكين في الأرض، في محاولة لتفريغه من دلالته كما حالو عبد الله ابن أبي بن سلول عندما قال: [لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ] المنافقون:٨ ، وغير ذلك كثير ومطرد في العقلية الجاهلية التي استحوذ عليها الشيطان، وهذا المعلم متكررٌ في الحرب العالمية الحالية على الإسلام وأهله، من إهانة مقدساتهم، أو إذلال أسراهم، أو الولوغ في أعراضهم ودمائهم.

– وهذا المقصد مرتبطٌ بصفة الاستكبار في الأرض والتي كانت سبب طرد إبليس من رحمة الله ، فهي سارية في حزبه ، وهذا الاستكبار في أحد وجوهه رد فعل للذلة المكتوبة عليهم ، ولليهود اختصاصٌ زائد بذلك ولا يخفى أنهم أشد الناس عداوةً للحق وأنهم أتباع مسيخ الضلالة في آخر الزمان ، فلهم نصيب وافر من هذه الذلة المكتوبة على حزب الشيطان تنعكس على رغبتهم في الاستكبار وإذلال أهل الحق قال تعالى: [لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ (112)] آل عمران: ١١١ -١١٢

ومهما كانت موازين القوة والضعف ، فرد هذا المقصد كان مقصداً شرعياً ، بالتأكيد على علو أهل الحق واتصال منهجهم بالمولى سبحانه وعلى الذلة والمهانة المتحققة بنزول العذاب على أهل الباطل، وتأمل قول موسى عليه الصلاة والسلام رداً على فرعون [وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا] الإسراء: ١٠٢ ، (أي: ممقوتًا، ملقى في العذاب، لك الويل والذم واللعنة ) التحرير والتنوير لابن عاشور ، (وهذا نذارة وتهديد لفرعون بقرب هلاكه) التحرير والتنوير لابن عاشور، وهو ما توعد به الرسول صلى الله عليه وسلم الأشقياء الذين طرحوا سلا الجزور على ظهره الشريف ، ففي الحديث (.. فلما قضى رسول الله الصلاة، قال: اللهم عليك بقريش، ثلاثا، ثم سمى: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد . قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع أصحاب القليب لعنة) صحيح البخاري

وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود (…دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادع الله فقرأ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) الدخان: ١٠، ثم يقول صاحب الفتح (وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور) فتح الباري
ولما زادت تحرشات هؤلاء الأشقياء ومحاولتهم النيل منه مقامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، لم يسكت بل قابل ذلك بالتهديد الشديد حتى دب الخوف في عروقهم ، فقال لهم: (أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه [ بأحسن ما يجد من القول ] حتى إنه ليقول: انصرف أبا القاسم راشداً فـ [والله] ما كنت جهولا . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ) صحيح السيرة النبوية، وكان هذا في المرحلة المكية.. مرحلة الأمر بكف الأيدي. وفي هذا دلالة على أهمية الرد على هذا المقصد الجاهلي بما يناسبه ..

ولنتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة ـ في غزوة أحد ـ ألا يجيبوا الكفار عندما سألو أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ ، ثم يندب الصحابة أن يردو على الكفار استعلاءهم بالباطل، حيث قاموا يتبخترون ويقول مقدمهم يومها أبو سفيان : (اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا: ما نقول؟ ، قال: قولوا الله أعلى وأجل ، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ،قالوا :ما نقول؟، قال: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم..) صحيح البخارى.

وهذا كله مكانة هذا المعنى وارتباطه بمقاصد الشريعة قال تعالى: [وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ومعرض الآية في الهجرة وحادثة الغار، وفيها دلالة أخرى على ارتباط مقام النبوة ونصرته بكلمة الله ، فتأييد الله لنبيه ونصرته هي من آثار عزة الله تعالى وحكمته وأن كلمته سبحانه هي العليا.

لذا تكفل الله تعالى بالرد على ابن أبي سلول بآيات تُتلى إلى يوم القيامة فأنزل قوله تعالى: [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ] المنافقون: ٨ ، بل وقدر سبحانه إذلال ابن أبي سلول على يد ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الذي قال لأبيه: (والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز) أخرجه الترمذي ح3315 ،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

فتقرير مفهوم العزة والرد على مقصد الإذلال والاستكبار أقرب إلى ميدان الحجة والبيان من ميدان السيف والسنان،إذ هو مرتبطٌ بما يحمله أهل الحق من منهج من عند الله عز وجل.

هذا ما تقرره بصيرة الوحي، أما أسر الواقع فيُعلم الخضوع واستمراء الذل استجابة للوهن إذ سيطر على النفس. والحقيقة أن العزة المؤمن يستمده من إيمانه بالله ويطلبه به، وإنما ترضى الأمة بالذلة حين تنسى السبيل لحيازة العزة وتتنكب عن شرع الله قال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فاطر: ١٠، يقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ : ( وهذه الحقيقة كفيلة حين تستقر في القلوب أن تبدل المعايير كلها ، وتبدل الوسائل والخطط أيضاً! … إن العزة كلها لله . وليس شيء منها عند أحد سواه . فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره . ليطلبها عند الله . فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند أحد ، ولا في أي كنف ، ولا بأي سبب (فلله العزة جميعاً) ( في ظلال القرآن .

ولقد كان خطاب أخواننا المجاهدين من أهل غزة مليئاً بهذه المعاني الإيمانية من الاتصال بمولاهم ، والاعتزاز بإيمانهم وجهادهم ، فما كان لضعيفي النفوس أسرى الواقع أن يلوموا جهادهم أو يستصغروا رميهم، فإن المعايير المختلة لا ينبغي لها أن تنصح أرباب الجهاد والرباط ، ولو أنهم كلفوا أنفسهم عناء النظر إلى آثار هذه الصواريخ من بث الرعب ومعادلة الخوف استعلاء الحق ،لرأوا مصداق قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ] المنافقون: ٨

المقصود الثاني : مقصود تفريق الصف:

– فانسحاب اليهود من غزة أول مرة – وهذه المرة أيضاً – وإن كان نصراً للمجاهدين فإن مقاصد الشيطان لا بد أن تصاحبه وهي المقاصد التي تتوارث في كل معركة بين الحق والباطل ومنها (مقصد تفريق الصف المؤمن) والذي يصاحبه (استضعاف طائفة دون الأخرى) لتزداد الفرقة.

وفرعون كرمز متكرر للجاهلية أطَّر هذا المقصد في خطة عملية نفذها على أرض الواقع ،قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚإِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) القصص: ٤ ، فلفظ (شيعاً) (ليدل على أنه جعل أهل بلاد القبط فرقاً ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض ، وقد أغرى بينهم العداوة ليأمن تألبهم عليه كما يقال «فرّق تحكم» وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة) التحرير والتنوير، فسبيل المفسدين الذي رسمه فرعون ثلاثة: العلو في الأرض، تفريق الصف إلى أشياع متنافسة، واستضعاف طائفة واستخدام البقية في ذلك وكلما انتهى من طائفة تبعها بأخرى.

– وهذا المقصد كمقصد الإذلال مرتبطٌ بمقاصد الشيطان فعن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) صحيح مسلم . وعن جابر رضي الله عنه أيضاً قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ،ويقول: نعم أنت ) صحيح مسلم ،

– ولست أقصد بالتفريق ما تدندن عليه وسائل الإعلام من انقسامٍ بين حماس وسلطة أوسلو، بل أقصد ما تسعى هذه الدندنة إليه، وهو التفريق بين المجاهدين وبين أهليهم الصابرين، وكمحاولات تأليب الحركات الإسلامية على بعضها البعض كادعائهم التفريق بين التي تتبنى العمل السياسي والتي تحرمه، وهو فرق في قدر العداوة وليس في أصلها..
ومن المضحك المبكي أن يصل التفريق إلى صورة فجة تستخف بعقول الناس كأن يخرج أولمرت ليصف حماس أنها تعمل بأجندة فارسية أو شيعية وكأن وكأن اليهود هم حماة السنة.

وكما تلاحظ فهذه فهذه المقاصد ذات البعد الشيطاني والتطبيق الواقعي من الطغاة تستهدف مفاصل وأصول كلية سعياً لاسقاط الحق أو استغلال بعض أهله ضد بعضهم . والمتتبع للشرع الحنيف سيجد تضافر أدلة الشرع على مقصد الاجتماع وجمع الكلمة وتوحيد الصف في الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد ،بل وفي أمور دنيوية كالسفر، فعن أبي ثعلبة الخشني قال : كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان) ، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم.) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني، فكأن هذا التفرق البدني قد يكون مدعاة لتفرق القلوب فنُهي عنه.

وجماع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) صحيح الترغيب والترهيب ح 427 .

وفي حديث أنس بن مالك عن آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم بصحابته أنه رفع الستار ليرى المؤمنين متوحدين في صفوفهم وصلاتهم خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فتبسم صلى الله عليه وسلم وتوفي من يومه ، وفي تبسمه صلى الله عليه وسلم دلالة عن رضاه عن “اجتماع كلمتهم” “على الطاعة” “خلف أبي بكر”.

وعندما تتأمل اللقاءات التي أجرتها القنوات مع عموم الناس الذين هدمت بيوتهم وقتلت عوائلهم ومرت بهم الأهوال ، تتعجب من ملمح يتكرر فلا أحد منهم يلقي باللوم على إخوانه ، يبهرك هذا المنطق الإيماني الذي يشترك فيه الشيخ الكبير والطفلة الصغيرة ، توحد على النضال وتحميل اليهود المأساة.

والأعجب أمثال الشيخ نزار ريان الذي أبى الاختباء حرصاً منه على البقاء مع الناس كي لا يترك مجالا للشيطان أن يُحرش بينهم.. في نموذجٍ فريد في استحضار المقاصد الإيمانية وإفشال المقاصد الجاهلية ، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.

المقصود الثالث : مقصود إفقاد المصداقية (المداهنة)

ومن مقاصد الجاهلية إفساد الفئة المؤمنة، حين تعجز عن استئصالها ومحو وجودها، وهو مقصد شيطانيً أصيل، تطبيقه الواقعي بالإغراء ومحاولة الجر إلى المداهنات يقول تعالى(ودوا لو تدهن فيدهنون) القلم: ٩، ويقول تعالى: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) الإسراء: ٧٣ – ٧٥.

•يقول ابن عاشور/ (وفعل [ تدهن ] مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة ، وحقيقة هذا الفعل أن يجعل لشيء دهناً إما لتليينه وإما لتلوينه، ومن هاذين المعنيين تفرعت معاني الإِدهان كما أشار إليه الراغب، أي ودّوا منك أن تدهن لهم فيدهنوا لك، أي لو تُواجههم بحسن المعاملة فيواجهونك بمثلها )التحرير والتنوير ، فتأمل ذكر التليين والتلوين في حقيقة الإدهان فمن التليين إضعاف الثوابت، ومن التلوين تمييع المواقف .
ويدخل في ذلك السكوت عما يتعين من الحق، فهو داخل فيم يرجوه حيث أن إظهار الحق مرتبطٌ بنقض الباطل وهذا ظاهر في شهادة التوحيد القائمة على “نقض الكفر” (لا إله) و”إثبات الحق” (إلا الله) ، يقول السعدي: (أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، [ فَيُدْهِنُونَ ] ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه)

• يقول صاحب الظلال : (فهي المساومة إذن ، والالتقاء في منتصف الطريق . كما يفعلون في التجارة . وفرق بين الاعتقاد والتجارة كبير! فصاحب العقيدة لا يتخلى عن شيء منها؛ لأن الصغير منها كالكبير . بل ليس في العقيدة صغير وكبير . إنها حقيقة واحدة متكاملة الأجزاء . لا يطيع فيها صاحبها أحداً ، ولا يتخلى عن شيء منها أبداً .

وما كان يمكن أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق ، ولا أن يلتقيا في أي طريق . وذلك حال الإسلام مع الجاهلية في كل زمان ومكان . جاهلية الأمس وجاهلية اليوم ، وجاهلية الغد كلها سواء . إن الهوة بينها وبين الإسلام لا تعبر ، ولا تقام عليها قنطرة ، ولا تقبل قسمة ولا صلة . وإنما هو النضال الكامل الذي يستحيل فيه التوفيق!
ولقد وردت روايات شتى فيما كان يدهن به المشركون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليدهن لهم ويلين؛ ويترك سب آلهتهم وتسفيه عبادتهم ، أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ليتابعوه في دينه، وهم حافظون ماء وجوههم أمام جماهير العرب! على عادة المساومين الباحثين عن أنصاف الحلول! ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حاسماً في موقفه من دينه، لا يدهن فيه ولا يلين . وهو فيما عدا الدين ألين الخلق جانباً وأحسنهم معاملة وأبرهم بعشيرة وأحرصهم على اليسر والتيسير . فأما الدين فهو الدين! وهو فيه عند توجيه ربه : [ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ]!

ولم يساوم صلى الله عليه وسلم في دينه وهو في أحرج المواقف العصبية في مكة . وهو محاصر بدعوته . وأصحابه القلائل يتخطفون ويعذبون ويؤذون في الله أشد الإيذاء وهم صابرون . ولم يسكت عن كلمة واحدة ينبغي أن تقال في وجوه الأقوياء المتجبرين، تأليفاً لقلوبهم، أو دفعاً لأذاهم. ولم يسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من قريب أو من بعيد.. ) ظلال القرآن

ومكاسب الجاهلية بالمداهنة أكبر من مكاسبها بالقتل والإيذاء، فقتل الأنفس الأنفس يروي الحقائق فترسخ جذورها فيستحيل قلعها ويحول البذرة إلى شجرة تلقي الثمار في كل وقتٍ وحين. أما المداهنة فتغيب الحق الذي ينبغي أن يعلو، وتفقد المصداقية التي هي رصيد الداعية، وتفرق الصف الذي يستحيل أن يبقى متماسكاً، ثم ينقل الصراع إلى داخل الصف بين من قبلوا المداهنة ومن رفضوها.

وهذا ما يغيب للأسف عن بعض الدعاة فيظن أن التنازل والمداهنة لفتح قنواتٍ للدعوة من مصلحة الدعوة وهو في الحقيقة هزيمتها وموتها.
فهل يعقل أصحاب الدعوات أن رضا الأعداء لا يُنال؟! ..وأن عدوهم بتلطفه معهم هو أكثر عداوة منه إذ إعلن العداء..، وأن من سار نحو عدوه فإنما يسير في الظلمات نحو الهاوية ..
هل يعقل “دعاة التعايش” في سعيهم لتخفيف العداء أن ذلك لا يحدث إلا من جانبٍ واحد؟!
وهل نعقل أننا بقدر قربنا من أعدائنا نزداد بعداً عن إخواننا وخذلاناً لثوابتنا؟!

المقصود الرابع : مقصود الصد عن سبيل الله:

وجماع هذه المقاصد إطفاء نور الله والصد عن سبيله،قال تعالى:[فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ] الأعراف: ٤٤ – ٤٥

ولو تأملنا الحرب الدائرة ستجد أن قصف المدافع وكسر الإرادة إنما يستخدم لقصف الأفكار ووأد المباديء وتبديل العقائد، ويتم بث الشبهات فيه محمولة على ظهر الشهوات ..شهوة السلامة، وشهوة الأمان، وشهوة الركون عن أداء الواجب.

وهذا الميدان العظيم إليه ترجع المعركة، ويخطيء من يظن غير ذلك، فتغييب الحق وتبديل العقائد والصد عن سبيل الله هو الغاية الذي من أجلها تجيش الجيوش وتعقد الصفقات، ولقد قال ابن القيم رحمه الله عن معركة الحجة والبيان: (وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) الفرقان: ٥٢، فهذه سورة مكية أُمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير ) التوبة: ٧٣ ،فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا . ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه كان للرسل – صلوات الله عليهم وسلامه – من ذلك الحظ الأوفر وكان لنبينا – صلوات الله وسلامه عليه – من ذلك أكمل الجهاد وأتمه) زاد المعاد

كيف نتجاهل هذه الحرب المستعرة على الخيار الإسلامي في النفوس؟!، وهي حربٌ يقودها المنافقون والمرجفون لبث مفاهيم نفاقية مستغلين الوهن الذي دب في قلوب الأكثرية ، وخلاصة ما يرومون تقريره ( أن حكومات خائنة وعميلة خيرٌ لكم من إسلاميين يجلبون لكم الخراب)،على اعتبار أن هذه الحرب تخص الإسلاميين وحدهم.
إنها معركة يجب أن نخوضها على مستويين :المستوى الفكري، والمستوى الإيماني، وسنخطيء إذا سعينا إلى الحل على أحدهما دون الآخر.

فعلى مستوى الأفكار نجد مجموعة من الشبهات يتم بثها، أهمها :

الشبهة الأولى: الحل الإسلامي ليس واقعيا

وهذا باعتبار أن المطالبة بتحرير كامل الأرض وطرد المحتل اليهودي ضرباً من الخيال، اعتماداً على فارق القوة والدعم الأمريكي والغربي، وباعتبار أن السلام مع العدو الذي تلهث حوله الحكومات العربية هو من باب الحكمة والوقاية من المهلكات ـ زعمواـ ، وللأسف فهناك بعض فتاوى لبعض أهل العلم تساعد العلمانيين فى إرساء هذه الشبهة، ويتم فرض هذه الشبهة واقعياً عن طريق التشغيب بأن المجتمع الدولي ومنظماته لا تقبل بالتعامل مع الإسلاميين.

الشبهة الثانية: تفريغ القضية الإسلامية من جوهر حاكمية الشريعة

بوضع مقابلة بين الحكم بالشريعة وتكفير الحاكم ،فإما أن تقبل بتغييب الشريعة وإما أن تُتهم بالتكفير، ويساعد في ذلك خلع الألقاب الشرعية عليه من قبل بعض مرتزقة الفقهاء الذين هم لمن غلب، ولا يثنيهم عن هذا اعترافات مثبتة بتعاون محمود عباس مع اليهود واصراره على اجتياح غزة بل يكفي أن يُسارع لأداء فريضة الحج لعله يخدع البسطاء بهذا، في خلط واضح بين الحكم على إسلام معين أو كفره وبين انعقاد ولايته التي لا تتم في الشرع إلا بالالتزام بمرجعية الشريعة.

الشبهة الثالثة: إسقاط التجربة بمحاولة اسقاط رموزها والتشكيك في مصداقيتها

باتهامهم أن يستغلون الدين لخداع الناس والوصول للسلطة.
يقول سيد قطب رحمه الله :(هذا المنهج الإلهي، الذي يمثله “الإسلام” في صورته النهائية، كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتحقق في الأرض، وفي دنيا الناس، بمجرد تنزله من عند الله. لا يتحقق بكلمة: “كن” الإلهية، مباشرة لحظة تنزله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب. إنما يتحقق بان تحمله جماعة من البشر. تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه – بقدر طاقتها- وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك… تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى… وتبلغ – بعد ذلك كله – من تحقيق هذا المنهج، إلى الحد الذي تطيقه فطرة البشر، والذي يهيئه لهم واقعهم المادي. على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلاً، ولا تغفل واقعهم، ومقتضياته في سير وتتابع مراحل هذا المنهج الإلهي… ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة. وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة.. بقدر ما تبذل من الجهد . وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال. وقبل كل شيء… بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي. هذه هي طبيعة هذا الدين وطريقته… وهذه هي خطته الحركية ووسيلته.. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهو يقول لها: ( إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).  ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) ( وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا ) هذا الدين.

وهم بهذا المسلك يستفيدون فائدتين

الأولى: اسقاط المنهج بإسقاط من يحمله.

والثاني: إقرار مبدأ الفصل بين الدين والسياسة وتبرير منابذتهم للشريعة .

الشبهة الرابعة: تفريغ الانجازات: بالتقليل والتشكيك في تضحيات وانجازت الإسلاميين

وتضخيم ما يقدمه أي فصيل آخر،وتركيز الضوء عليه، ويصل الفجور والوقاحة بتصوير انجازاتهم بالضعف والعبثية بالنسبة للجهود العلمانية.

– إذا فنحن في ميدان معركة يُراد منها أن يظهر الحل الإسلامي غير واقعي وعبثي وأن حملته متمسحون فيه لأغراضهم وأن العلمانيين هم حملة الإسلام وخدام الدعوة ،وهذه المعركة يقل المتصدرون فيها من أهل العلم والرأي خوفاً من البطش والمنع والتزاماً من البعض بمنهج ( ترك المناطحة) .

– والعجيب هذا التوافق مع شبهات أعداء الدعوة في كل عصر وحين بصورة متواثة ، فالمشركون كانوا يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بعدم واقعيته فيقولون:[أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] ص: ٥ ،والمنافقون شككوا في وعد النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالنصر والتمكين قال تعالى:[وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً] الأحزاب: ١٢، وفرعون يتهم موسى عليه السلام بالإفساد في الأرض:[وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ] غافر:٢٦ ، وكفار قريش يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جاء ففرق بين الوالد وولده والمرأة وزوجها ،فهو من فرق وحدة قريش، وصدقوا فقد فرق اجتماعهم على الباطل وعبادتهم للأصنام وشرب الخمر وواد البنات

والعجيب تواصي الأضداد مع بعضهم على هذا المسلك، فتجد أهل الكتاب يؤيدون عباد الأوثان ويصفوهم بالهدى، يقول تعالى:[ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ] النساء: ٥١.
وعلى المستوى الإيماني تجد الشبهات تتماشى مع تمرير المفاهيم النفاقية، وتأمل موقف كفار قريش مع الصحابي الجليل خبيب بن عدي وهم يقولون له: (أترضى أن محمداً مكانك) وهي محاولة لزعزعة الإيمان وبث الشك في الحق الذي يدين به.

لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا مسلك شيطاني مع المؤمن، فعن عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال : تسلم وتذر دينك ودين آبائك ودين آباء أبيك ؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول ؟ فعصاه فهاجر ثم قعد له في طريق الجهاد فقال : تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ؟ فعصاه فجاهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة . ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة . وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة) السلسة الصحيحة
ولذلك فنحن في حاجة إلى خوض هذه المعركة على المستوى الإيماني والفكري معاً،ونحتاج في التعامل مع الشبهات إلى رد المتشابهات إلى المحكمات، وإقرارأصول الإيمان وثوابته، وعدم التواني في فضح الباطل وتناقضه وخالفته للواقع والعقل والفطرة، وعدم التساهل فيما يعود على مصداقية الصحوة بالضرر، وبذل الجهد في تحقيق انجازات حقيقية والتماس مع احتياجات الناس، ليترسخ في أجيال الأمة أنه لا حل لقضايا الأمة بأي مذهبٍ ضال، وأن ليس لها إلا الرجوع إلى مولاها ،وأن عدتها الحقيقية هم أبناءها البررة الذين تربوا في المسجد على كتاب الله وبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله.
ومن المهم ألا نستطيل الطريق أو تكبر في حسنا التضحيات أو نركن إلى الراحة والدعة ، ويعزينا في هذا أننا في هذه المعركة جنداٌ لدين الله ، وأننا في ركب الأنبياء وأولياء الله وأن قتلانا شهداءٌ في جنة الله،و [إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ] النساء: ١٠٤ ، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


التعليقات