التميُّز المرفوض

طلب التميُّز موجودٌ هناك في أعماق النفس البشرية يُولَد مع ميلاد كلِّ إنسان ويظهر بالتدريج في مشاعره وسلوكه كواحدٍ من المعاني الكبرى المركوزة في فطرته، فقد قال بعض المتخصصين بحق: يُولَد كلُّ إنسانٍ ومكتوبٍ على جبينه من فضلك اهتم بي.

لذلك يبقى حافز الحرص على التميُّز مؤثرًا على الإنسان عبر مراحل عمره، مع أنه يتعلّم الكثير بالمحاكاة لغيره، ومثل كل الدوافع الفطرية التي توجَد في النفس وما ينتج عنها من سلوك يمكن للتميُّز أن يكون كمالًا مشفوعًا، ويمكن للتميُّز أن يكون نقصًا مذمومًا، ولكلٍّ مكانه وقدره وفق بيان الشرع الحكيم.

من الذين نشابههم

إن التميُّز المحمود هو التميُّز في الكمال؛ لذلك حثّنا الشرع على التشبُّه بأهل الكمال من:

أولًا: الملائكة

فلذلك أخبرنا الله -عزَّ وجَل- في القرآن ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الكثير عن كمال عبوديتهم لله رب العالمين، حتى قال لنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِا؟» … «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» [1] حثًّا على مشابهتهم في تكميل العبودية.

ثانيًا: الأنبياء

باعتبارهم نماذج الكمال الإنساني ومحل القدوة للبشرية؛ لذلك قال الله تعالى لنبيه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام:90].

وقال -عزَّ وجَل- لنا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21].

وأمر رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يقول لنا: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:31].

فإن خير الهدي هدي محمدٍّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فالأقل منه أنقص والأكثر منه أيضًا أنقص، وهو في ذروة الخير والهدى والكمال.

ثالثًا: المؤمنين

باعتبارهم خير من سار على نهج الأنبياء وحقق مرادهم في الأرض بحُسن اقتدائهم بهم وكمال طاعتهم لهم؛ فلذلك قصَّ الله تعالى علينا موضع القدوة من حياتهم، وكذلك قصَّ علينا رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من شأنهم.

ألم يقل ربنا -عزَّ وجَل- لنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [الصف:14].

وقال لنا: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)﴾ [آل عمران:146-148] ففي من أثنى الله عليهم أسوةٌ حسنة.

من الذين نتميّز عنهم

وبالعكس لما سبق حثّنا الشرع على مخالفة أهل النقص والذم للنجاة من سبيلهم وسوء مصيرهم من:

أولًا: الشيطان

الذي حثَّنا الله -عزَّ وجَل- على عداوته فقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾؛ لأنه ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6].

وأمرنا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن نأكل ونشرب باليمين؛ لأن الشيطان يأكل بشماله، ونُهِينا عن المشي في نعلٍ واحدةٍ مثل الشيطان وهكذا.

ثانيًا: الكُفَّار

إذ يتميز سبيل المؤمنين بمخالفة سبلهم كما في الفاتحة ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7].

وكما في أوامر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ»[2]، وفي تحذيره من مشابهتهم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[3] وتفاصيل ذلك في أحكامٍ كثيرة من فروع الشريعة حتى قالت يهود: ما يريد هذا الرجل أن يترك من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه؛ ذلك أن الله حكمٌ عدل فمن شابه قومًا فيما عُوقبوا بسببه استحق أن يناله ما نالهم ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ [القمر:43] وليس بين الله وبين أحدٍ من خلقه نسبٌ يستثنيه لأجله ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ [المائدة:18].

فالوعيد ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]

الملحقون بمن نتميّز عنهم

لما لاحظ العلماء مقصد الشرع في مخالفة أهل النقص الظاهر ممن سبق ذكرهم طردوا هذا المعنى في فقه الشريعة، فألحقوا بمن سبق:

أولًا: الفرق المبتدعة

التي اشتهرت بمخالفة السُّنَّة في شعاراتٍ تميزها عن أهل السُّنَّة فصار علماء أهل السُّنَّة يذكرون في عقائدهم القضايا العقدية التي خالفهم فيها أهل الملل والنحل، ويلحقون بها القضايا الفقهية من العبادات أو المعاملات حصل فيها التمايز بين أهل السُّنة وبعض أهل البدعة حتى صارت اختيارات المبتدعة فيها شعارًا عليهم.

ثانيًا: أنواع الفسَّاق

المجاهرين بالخروج عن طاعة الشرع والمتظاهرين بالمعاصي المعلوم تحريمها من دين الله بالضرورة فيما صار شعارًا مميِّزًا لهم يختصُّون به من دون المؤمنين.

مع عموم المسلمين

إن من يتأمل في أوامر الشريعة المتنوعة يجد أنّ من مقاصدها الكبرى وحدة المسلمين حتى قال بعض أهل العلم بحق: إن الذي يلي توحيد الله في الأهمية هو وحدة الأُمّة.

ويشهد لهذا الفهم حديث النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ»[4] فلمّا يئس الشيطان من أكبر أهدافه الشرك انتقل إلى أكبر أهدافه بعده: التفريق على سبيل المضادة لمقاصد الله تعالى في شرعه.

ومن أهم ما يعين على تحقيق تلك الوحدة:

التوافق والمشاركة والاندراج في مجموعهم وترك الانفراد والتميُّز عنهم بما يمكن الاجتماع معهم عليه، ومن هنا نفهم نهي النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ثوب الشهرة ولو لم يتضمن أي مخالفةٍ أخرى سوى أنه يميز صاحبه عن جموع المسلمين بشكلٍ أو لونٍ أو نوعٍ ونحوها مع أنّ أمور الثياب من العاديات التي الأصل فيها الإباحة، فقس على ثوب الشهرة ما يحمل معناه وإن لم يكن ثوبًا.

كما نفهم بذلك أيضًا أمر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما يؤخّر الأمراء الصلاة تفريطًا «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ»[5] فإنّنا نصلِّي الصلاة لوقتها رعايةً لحق العبودية، ومع أننا نكون قد أدينا الفريضة بذلك إلا أننا نصلي مع جماعة المسلمين مع تفريط الأمراء بالتأخير رعايةً لمقصود الاجتماع مع الأُمة على شعائر العبودية والطاعة الجامعة، فإن هذا الاجتماع هدفٌ مقصودٌ بذاته بعد الفريضة ولو في العباديات.

لكل ما سبق اشتُهر من أصول أهل السُّنَّة أن الاجتماع على المفضول خيرٌ من التفرِّق على الفاضل، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحمه الله- فتواه الشهيرة المنشورة بعنوان “قاعدة أهل السُّنة والجماعة في رحمة أهل البدع والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة” وهو رحمه الله صاحب “اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم” الذي بيّن فيه الحكمة من الموافقة والمخالفة وأهل كلٍّ منهما وأحكام التشبُّه المطلوب تركه بالتحريم أو بالكراهية ونقل بعض فتاوى العلماء في ذلك، وكلامه يجتمع ويتعاضد ولا يتعارض ويتناقض.

فعموم المسلمين وإن كانوا كما قال الله -عزَّ وجَل-: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر:32] إلا أنّ الأصل فيهم باعتبار مجموعهم الخيرية والكمال لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110].

ولذلك كانوا ببشرى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- شطر أهل الجنّة، وكانت معيتهم مقصودة كما في مثل: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة:43].

من مظاهر التميُّز المرفوض

عندما ظهرت الصحوة الإسلامية المعاصرة مثَّلت إحياءً مجتمعيًّا لمعاني الاستمساك بالإسلام عقيدةً وشريعةً، وشعائرًا، وهويةً، وأخلاقًا، وثقافةً، وقامت بتحدي التغريب الداخلي المزعوم خارجيًّا على جميع المستويات، وكشأن غالب ردود الأفعال الاجتماعية لم تخلُّ بعض الأفكار والمشاعر من حدّة، كما لم تخلُّ بعض الممارسات والمظاهر من شدة، ولو توجّهت الحدة والشدة إلى الخصوم لهان الخطب، لكن مكمن الخطورة كان في توجيه قدرٍ من هذه الحدة والشدة إلى الأُمّة، إلى حاضنة النخبة الإسلامية في ظل معالجةٍ إحيائية ذات أهداف نبيلة ما زالت تحتاج إلى مزيد من فقهٍ وترشيد.

لقد تسرّب إلى قلوب بعض القطاعات المتدينة مع وضوح النقلة الهائلة إلى الصف الإسلامي أمام ناظريهم أن من استكمال الفضائل بالنسبة لهم أن يتميزوا عن مجموع الأمة وربما دعم ذلك بعض التميزات الواجبة كحجاب النساء، لكن الممارسة لم تقف عند حدود مثل هذه الواجبات، فمثلًا:

أولًا: إطالة الشعر للرجال

حيث تبنّى أحد شيوخ الحديث والسُّنّة إظهار هذه العادة المخالفة لعادة الناس في مجتمعه محتجًّا بما ثبت من إطالة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لشعره، وتضفيره أيضًا، ثم أظهرها بعض المجاهدين في الثُّغور النائية كذلك، ثم تبنَّاها عددٌ من محبي المجاهدين فأظهروها في مجتمعاتهم التي لم تكن تألف مثل هذه العادة، فهل كانت سُنَّةً أظهروها؟

إن الأفعال النبوية منقسمةٌ عند علماء أصول الفقه لقسمين كبيرين بحُكميْن:

أولهما: الأفعال التعبدية التي تقوم بالأصالة على معنى التقرُّب، فالفعل منها المجرد عن القرائن يدل على الاستحباب لا غير، ويتغير حكمه بحسب القرائن كما هو معلومٌ عند أهل الاختصاص.

وثانيهما: الأفعال العادية التي تصدر بمقتضى الطبيعة البشرية والعُرف البيئي، فهذه يكون الفعل منها المجرّد عن القرائن دالًّا على الإباحة فقط، ويتغير حكمه أيضًا بحسب القرائن لا بمجرد الفعل.

ثم إن التأسِّي بالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يعني أن تفعل ما فعل على الوجه الذي فعل، فما فعله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على الوجوب لا تكون متأسِّيًا به إن فعلته على الاستحباب، وكذلك ما فعله على الاستحباب ليس من التأسِّي أن تفعله على سبيل الوجوب، وبالتبع فما فعله على الإباحة لا يُشرَع لك أن تجعله مستحبًّا ولا أن تفعله على الاستحباب خلافًا لهديه -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

وبناءً على ما سبق: فإطالة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لشعره الشريف وتضفيره له كان على عادة قومه من رجال العرب يشترك في هذا العُرف المسلم منهم والكافر، ولم يأتِ في شأن هذا الشعر أمرٌ ولا حثٌّ ولا ثناءٌ ولا وعد فضلًا عن معنى ينقله عن تلك الإباحة الأصليّة إلى الاستحباب الشرعي حتى يُقال فيه بالسُّنيّة والاستحباب.

وإظهار بعض محبي السُّنّة أو الجهاد لهذا الأمر خلافًا لأعراف مجتمعاتهم هو إلى قصد الشهرة الممنوعة بين المسلمين أقرب منهم إلى إحياء السُّنة المهجورة وإلى مخالفة قواعد العلم الشرعي أقرب منه إلى العمل بمقتضى العلم.

ثانيًا: ارتداء الزي الأفغاني

حيث مثّل الجهاد الإسلامي في أفغانستان إحياءً لشريعة الجهاد في الأُمّة واجتمعت قلوب الأُمة على محبته ودعمه ضد الاحتلال الشيوعي الكافر وتقاطر الشباب المسلم من أرجاء المعمورة ليضرب بسهمٍ عزيز في عملٍ عظيم، فارتدى المجاهدون هناك زي أهل تلك البلاد، ونعم ما فعلوا إذ لم يحرصوا على التميُّز عن نسيج أمتهم في مكانهم، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فماذا حدث؟

لقد انتقل المجاهدون إلى أماكن أخرى من أرض الله الواسعة يجاهدون في سبيل الله والمستضعفين من المؤمنين، فنقلوا الزي الأفغاني معهم من قلب أسيا إلى قلب أوروبا في الجهاد البسنوي ضد الاحتلال والإبادة الصربيين أولًا، ثم الكرواتي أيضًا لاحقًا، وإلى أفريقيا كذلك حتى ارتداه بعض محبي الجهاد في مجتمعاتٍ لا تألف هذا الزي؛ لأنه ليس من عرف أهلها.

وفي الحقيقة لا علاقة بالزي الأفغاني بالجهاد ولا خصوصية فيه للمسلم؛ إذ هو زي أهل تلك البلاد من المسلمين والكُفار في الهند وباكستان وأفغانستان، فالكلام في حكمه في غير المجتمعات التي تألفه أشد من الكلام السابق في حكم إطالة الشعر وتضفيره.

ثالثًا: المخالفة في لهجة الكلام

سواءٌ أكان ذلك تقعُّرًا بالفصحى في غير مجال التعلُّم وما يقترب منه وفي غير مجال التعبُّد وما يقترب منه، أو كان ذلك محاكاةً للهجةٍ أخرى كالخليجيّة مثلًا في غير مجتمعاتها في إيهامٍ بتفرّدٍ علميٍّ أو دينيٍّ كما يتوهم البعض.

رابعًا: في شعائر العبادة

فالخلاف في ضبط موعد الفجر مثلًا خلافٌ فلكي يُرجَع فيه إلى أهل الفن؛ إذ ليس أصله خلافًا في دليلٍ أو استدلال، ويسع المسلم أن يعمل بما يترجّح لديه قربه من الصواب من أقوال المتخصصين كما يسع المسلم أن يحتاط في عباداته عمومًا وفي فروضه من الصلاة والصيام خصوصًا دون أن يتجاوز في ذلك رتبته، ودون أن يجزم بما لا سبيل له إلى الجزم فيه.

لكن التميُّز المرفوض لم يقف ببعض الصالحين عند الحدود المشروعة السابقة، فأظهر بعضهم الأكل والشرب بعد آذان الفجر توهُّمًا أن ظنّه عدم دخول الوقت يتيح له ذلك، مع أنه يخاطر بفرض الصيام بناءً على ظنٍّ لا يملك أدلة ترجيحه، ومع أنه يشوش على الناس فروض دينهم بإظهار خلافهم فيه دون حُجّةٍ شرعيةٍ تسوّغ ذلك، وأظهر بعضهم الآذان في غير الوقت الذي يعرفه الناس مع أن من طعنوا في وقت الفجر الذي عليه العمل لم يتفقوا على ضبط البديل الصحيح له، فأنّى لهم ضبطه، ثم إن الوقت الذي يختاره هو ليس له أن يفرضه على الأُمّة؛ إذ ليس مؤهَّلًا ولا مُخوَّلًا بذلك فضلًا عن أن مثل هذا التشغيب على عبادات الناس وتشكيكهم في شعائر دينهم هو إلى الأغراض الفاسدة بميزان الشريعة أقرب إلى الأغراض الصالحة المقبولة فيها.

وما سبق أمثلة يُقاس عليها غيرها لم يُقصد بها الحصر إنما التفهيم والتنبيه، والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

الانتماء للأُمّة

إن التميُّز المرفوض هو تميُّز بعض أبناء الأُمّة عن جمهورها خاصةً إذا كان هؤلاء الأبناء هم نخبتها الذين يطمحون إلى أن يقودوها في مرحلة الإحياء والنهضة، وفي مرحلة الجهاد والاستقلال؛ إذ كيف تتبنى الأمة من يظهر الانفصال عنها، وكيف تنحاز إلى من يظهرون مفارقتها.

من السلبيات السابقة ما يقل في الواقع ومنها ما يزيد، والمقصود من كلماتنا هذه التنبيه على أصل الخلل ليتقيه الصالحون، وليشيعه في المواعظ الناصحون مهما تنوعت مظاهر الخلل أو تجددت، فكونوا مع الأُمة يا شباب الإسلام تكن معكم وخلف ظهوركم، ويكن لكم منها كلُّ مددٍ صالح وكلُّ عونٍ موصول، وكلُّ بذلٍ وتضحيةٍ وفداء فالمستقبل في أُمة الإسلام.

 

———————————————-

[1] صحيح أخرجه مسلم برقم (430) وأبوداود (661)  من حديث جابر بن عبد الله
[2] متفق عليه من حديث ابن عمر – رضى الله عنهما – أخرجه البخاري (5892) ومسلم (259)
[3] صحيح أخرجه أبوداود (4031) وأحمد 3/1135 من حديث ابن عمر – رضى الله عنهما –
[4] صحيح أخرجه مسلم (2812) والترمذي (1937) من حديث جابر – رضى الله عنه – .
[5] صحيح أخرجه مسلم (684) والنسائي 1/175 وأبوداود (431) والترمذي (176) من حديث أبي ذر – رضى الله عنه –

التعليقات