ضوابط الانفعال

لم يُصادم الإسلام المشاعر الإنسانية الطبيعية، ولم تُلزم الشريعةُ الإنسانَ الامتناع عنها، أو مقاومتها إلا في حدود ما يمكن أن ينتج عنها، فالرجل يحزن ويدمع، والمرأة تغار، وكلاهما يغضب ويحب، إلى غير ذلك من مشاعر، لكن الشريعة قد راعت تهذيب الأفعال الناتجة عن المشاعر، فالفرق بين المنضبط بالشرع وغيره أن الأخير يترك لجوارحه العنان بما يمكن أن تحركه مشاعره، فالغاضب يكسر ويحطم، بل يقتل، والمحب ينفث عن مشاعره أنّى اتفق، والحزين ييأس، بل قد يقتل نفسه، والتي تغار تُحَرِّم ما أحل الله، وتقول ما لا يصح، وقد تحركها مشاعر الغيرة إلى مراحل من الغل والانتقام.

كذلك غيرة المرأة، لا إنكار في أصل وجودها، وإنما الإنكار فيما قد تنتجه من أفعال أو أقوال تخالف الشريعة، فالغيرة ليست مبررا لفعل المنكرات.

وقد جمع صلى الله عليه وسلم ذلك كله في حادثة موت ابنه إبراهيم، فقال فيما رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما: (…تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)، فحزن القلب والحزن على فراق الأحباب لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، بل أثبته لنفسه، فإذا نتج عنه ما يغلب على الإنسان مما هو عفو كالدمع، فلا مؤاخذة ولا عُتْب، لكن المؤاخذة والعُتْب فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى مهما كان الابتلاء (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)، فهذا هو مناط التكليف، ومكمنه.

وفي المقابل نجد نموذجا لمخالفة ما تُشَذِّب به الشريعة منتج المشاعر الإنسانية، في حادثة مروره صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على صبي لها في الحديث المتفق عليه، فقد صدر منها ما يُكره من القول كما هو في بعض الروايات، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري)، ولم تكن تعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصابي.

كذلك غيرة المرأة، لا إنكار في أصل وجودها، وإنما الإنكار فيما قد تنتجه من أفعال أو أقوال تخالف الشريعة، فالغيرة ليست مبررا لفعل المنكرات.

والخلاصة أن المشاعر الإنسانية مهما تغيرت وتنوعت، ومهما كان أسبابها أو درجتها لا يمكن أن تكون مبيحة للفعل المحرم، أو تُكَئة للقول المذموم.


التعليقات