متابعات | الاحتجاجات الأمريكية

الاحتجاجات والاشتباكات الجارية حاليا في الولايات المتحدة على خلفية وفاة جورج فلويد أثناء اعتقاله من قبل الشرطة تحوي معاني وإشارات هامة:

فالظلم مؤذن بخراب العمران وزوال الحضارات. فمهما كانت السيادة والتفوق العسكري أو الاقتصادي أو “الحضاري”، فإن الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وتكريس العنصرية والكراهية المجتمعية -سواء كان على أساس العرق أو الانتماء أو غير ذلك- هو في حقيقته تفكك وانهيار منتظر الحدوث ولا يمكن تجاهله أو الاستمرار معه إلى الأبد باستعمال القمع والقهر.

فقد شاهد العالم واستمع إلى ترامب وهو يهدد باستدعاء الجيش الأمريكي للسيطرة على الاحتجاجات، وهو ما يمثل نمطاً يكاد أن يجمع بين المستبدين حتى في دولة ديمقراطية كالولايات المتحدة. فأصحاب العقليات المستبدة لا يمانعون أن تحترق الأرض وأن يقتتل أبناء الشعب الواحد وبالسلاح الذي دفعوا ثمنه من أجل استقرار أنظمتهم.

وإذا كان الحال كذلك في أكثر الدول تفوقاً من الناحية العسكرية والاقتصادية، فلك أن تتصور كيف يكون في أنظمة دكتاتورية لا تملك من أدوات التفوق الحضاري شيئاً يذكر، ولا تعرف غير سرقة موارد شعوبها وإهدارها لتطوير أدوات القمع وتكريس التبعية للدول الكبرى لتشتري بقاءها في مواقعها.

ربما أنتجت القرون الأخيرة من عمر البشرية تطورات هائلة في مناحٍ مختلفة، علمية وصناعية وعسكرية وصحية وغير ذلك. لكن الواقع يقول أن كل ذلك لم يأت بتطور إنساني حقيقي، وإنما كان في حقيقته لصالح فئة معينة من البشر. وأن إعلاء قيمة “الإنسان” لتكون فوق كل شيء لا مآل لها نظريا وواقعيا إلا بإعلاء تلك الفئة المستغلة فقط.

وإن الذي جاء به دين الإسلام منذ 14 قرناً من التأكيد على المساواة بين الناس قد عجزت عنه كل المناهج البشرية والدينية المحرفة أو المخترعة. ولقد كانت آخر وصايا الرسول (ﷺ): “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ” وهذه المعاني لم تكن مجرد شعارات، بل كانت منهجا مشهوداً في واقع الناس على مر التاريخ ومع توسع وانتشار دولة الإسلام، حتى في ظلال أنظمة تغلبت على الحكم بالظلم والجور في تاريخنا.

ولذلك فإن المناهج البشرية التي توصف بأنها بالريادة الحضارية لم تتمكن بعد كل تلك القرون من التطور الحقوقي والقانوني المزعوم أن توفر مساواة حقيقية، سواء على مستوى العرق أو العدالة الاجتماعية. فالأمريكيون الأفارقة الذين عانوا ظلما غير عادي على يد الرجل الأبيض لقرون، ما زالوا حتى اليوم يعيشون ذلك حتى بعد عقود من تغيير القوانين، ولا يغرنك أن واحداً منهم قد أصبح رئيساً أو ما شابه ذلك من أمور لا يمكنها طمس حقيقة الظلم والتفرقة الحاضرين. حتى أن ترامب نفسه استمر في إطلاق التصريحات المستفزة والمؤججة للعنف لكسب اصوات اليمينيين ولعدم أهمية أصوات السود والاقليات الذين يصوتون عادة للديمقراطيين وخاصة بعدما حدث.

وأما العدالة الاجتماعية، فإن الشعور بالظلم وعدم المساواة، وامتلاك فئة محدودة للثروة والسلطة؛ هو ما يدفع بقية الناس التي تعيش وهم الحضارة واحترام القانون؛ للهجوم على المحال التجارية لسرقتها وإفراغ الأرفف من البضائع التي يحتاجونها أو لا يحتاجونها، لأن الشعور بالظلم وفقدان المعان الأخلاقية الذاتية الغائبة عن الحضارة الغربية لا تنتج إلا مثل ذلك.

لذلك كله، نؤكد دائما على أننا نقف مع كل المظلومين، وأننا ندعو كل الشعوب المقهورة لرفض الظلم والثورة عليه، لأن الحق لا يتجزأ، ولأن الحكومات العنصرية التي يقودها الرجل الأبيض الأمريكي؛ قد قتلت الملايين في بلادنا دون أن تتحرك شعوبها، حتى طالها الظلم في النهاية.

متابعات الجبهة السلفية

التعليقات