عسكرة وأمننة التصدي لكورونا

مع انتشار تفشي فيروس كورونا، تزايد انخراط الأجهزة العسكرية والأمنية في عدة بلاد في مواجهة الفيروس على حساب الأجهزة الحكومية الأخرى، سواء لتنفيذ ومراقبة عمليات حظر التجول أو لتوفير مستلزمات العلاج من الخارج ونقل الإمدادات اللوجستية المتعلقة بالرعاية الصحية أو لجمع المعلومات عن المصابين بالفيروس ومراقبة تحركاتهم، فضلا عن التحكم بنشر المعلومات المتعلقة بأعداد المتوفين والمصابين في بعض الدول الديكتاتورية.

الكيان الصهيوني في حالة طوارئ

في ظل ازدياد أعداد الوفيات والمصابين بكورونا في الكيان الصهيوني، والذي قارب 200 متوفي و15 ألف مصابا بحلول 24 إبريل. قام جيش الكيان الصهيوني وفقا لمجلة انتليجنس أون لاين بتعبئة قوات النخبة المعروفة باسم سيريت ميتكال ووحدات الكوماندوس الأخرى لنقل الإمدادات اللوجستية المتعلقة بالرعاية الصحية مثل أنابيب الأكسجين إلى المستشفيات. فيما يقوم آلاف الجنود النظاميين بدوريات في الشوارع. كما عينت الحكومة الصهيونية الجنرال المتقاعد “روني نوما” للعمل على متابعة استجابة المجتمعات اليهودية المتشددة للتعليمات الحكومية الخاصة بمكافحة الفيروس، وكذلك طلب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو من رئيس الموساد يوسي كوهين الإشراف على شراء المواد الطبية التي تعاني الحكومة نقصا فيها من الخارج.

أما على مستوى شركات التجسس التقني، فقد عادت للواجهة مجددا شركة (NSO.Group) الإسرائيلية رغم مواصلتها لمعاركها القانونية مع شركتي “واتساب” و”فيسبوك” في الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية برنامجها الشهير للتجسس “بيجاسوس”.

طرحت الشركة الإسرائيلية في شهر مارس المنصرم برنامجا جديدا يعمل على تتبع بيانات الهواتف المحمولة. البرنامج الجديد عبارة عن نظام “قيادة وسيطرة” يقوم بتشغيل برنامج تحليلات عبر تجميع أربعة حقول بيانات تتألف من الهوية والموقع ومدة الاتصال وما إذا كان قد تم التأكد من إصابة المستخدم بفيروس كورونا. ويجري التعرف على أسماء المصابين من خلال سجلات وزارة الصحة في حين تأتي بقية البيانات من هاتف المستخدم. وفي ذات السياق، تتيح مجموعة البيانات الناتجة للسلطات أن تتابع انتشار الفيروس وأن تحدد “النقاط الساخنة”، مع مراقبة امتثال الأشخاص الذين طُلب منهم عزل أنفسهم للتعليمات.

حسب ما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية عن الشرطة الصهيونية في 24 إبريل، فقد أُوقف 203 من الأشخاص بتهمة انتهاك تعليمات الحظر، حيث تم الوصول لبعضهم عبر البرنامج المذكور الذي واجه مؤخرا عقبة بارزة تمثلت في رفض لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست في 23 إبريل تمديد العمل به بحجة أن الضرر الذي لحق بخصوصية المواطنين فاق المنافع التي تحققت للسلطات الحكومية. ورغم ذلك، فوفقا لمجلة إنتيليجنس أون لاين، اهتمت عدة دول أوروبية ببرنامج شركة (NSO.Group) الإسرائيلية، وحرصت على معرفة كيف يمكن تهيئته ليتوافق مع متطلبات خصوصية البيانات المنصوص عليها في “النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR)” التابع للاتحاد الأوروبي.

روسيا وأمننة التصدي للفيروس

مع تزايد أعداد المصابين بكورونا في روسيا، والذي تجاوز 500 ضحية بحلول 24 إبريل فضلا عن قرابة 60 ألف مصاب وفق التقديرات الروسية الرسمية. فقد كشفت انتليجنس أون لاين عن أن مجلس التنسيق الحكومي الخاص بمكافحة “فيروس كورونا”، والذي أُنشئ قبل بضعة أسابيع، ويضم مديري أجهزة الاستخبارات الخارجية والداخلية؛ “جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية (SVR)”، ووكالة أمن الدولة الفيدرالية (FSB) ، قام بإنشاء مركز للاتصالات يشرف على عمليات جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بانتشار الفيروس وإجراءات مكافحته، فضلا عن مراقبة المركز للمناخ الاجتماعي والاقتصادي، ومكافحة الأخبار المزيفة. وبالتوازي مع ذلك، كلفت موسكو مجموعة الصناعات الدفاعية الروسية “KRET”، المتخصصة في إلكترونيات الطائرات المقاتلة، بالعمل على تصنيع أجهزة التنفس الصناعي وأقنعة الأكسجين.

صعود شركات تقنيات التعرف على الوجه

ففي ظل انتشار لبس البشر للكمامات وأقنعة الوجه للحماية من الإصابة بكورونا، تزايد التنافس بين شركات تقنيات التعرف على الوجه المنتشرة في الصين من أجل تطوير منتجاتها للتعرف على هويات من يرتدون أقنعة. وقد كشفت شركة “Hanwang” للتكنولوجيا في شهر مارس النقاب عن تقنية محدثة للتعرف على الوجه يمكنها تحديد الأشخاص عندما يرتدون أقنعة الوجه، لتنضم بذلك إلى الشركتين الصينيتين المتخصصتين في تقنيات التعرف على الوجه “SenseTime” و” Megvii”.

وجدير بالذكر أن نظام التعرف على الوجه هو نظام رقمي يستند على مجموعة من الخوارزميات التي تقوم كل واحدة منها بوظيفة محددة من أجل تحليل الموضع النسبي لأعضاء الوجه مثل الأنف وحجمها والمسافة بين العينين وحجم الجبهة وأبعادها، وهو ما يؤدي إلى تكوين بصمة وجه رقميّة مميّزة للشخص تشبه بصمة اليد. ومن ثم يمكن تحديد هوية الشخص في حال توافر صورته مسبقا في قواعد البيانات المتصلة بالنظام.

اهتمامات أخرى في استراليا

أشارت مجلة انتليجنس أون لاين إلى أن الحكومة الاسترالية في ظل توجسها من الصين لم تصدق أو تتبع التوصيات المتساهلة لمنظمة الصحة العالمية في بداية الأزمة، لكنها اتخذت تدابير فورية أكثر صرامة في ظل قناعتها بأن أرقام ضحايا كورونا الصادرة عن الصين أقل من الواقع بشكل كبير. في حين بدأ بعض أعضاء “لجنة الاستخبارات والأمن (ISC)” بالبرلمان الاسترالي في دق ناقوس الخطر والتحذير من مخاطر سيطرة الشركات الصينية على الشركات الاستراتيجية في الدول الغربية التي ضربتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس.

الخلاصة

يلقي كورونا بظلاله على توجهات الحكومات المختلفة بما فيها تلك التي ترفع شعارات الديموقراطية، حيت تسعى الحكومات خلف شراء وتفعيل برامج المراقبة التي تنتهك خصوصية مواطنيها، فضلا عن سعي حكومات أخرى للتحكم في المعلومات الخاصة بحجم انتشار الفيروس من أجل ضبط ردود الفعل المجتمعية وتجنب تداعيات المصارحة وإعلان الأرقام الحقيقية للضحايا، والتي قد تؤدي إلى توترات مجتمعية وتفاقم للأزمات الاقتصادية، كما ساهم انتشار الفيروس في تصعيد الاتهامات المتبادلة بين الدول الغربية والصين بِشأن المسؤولية عن انتشار الفيروس وإخفاء بكين للمعلومات الحقيقية الخاصة به في البداية. وهو ما يفتح الأبواب لصراع أكثر حدة مستقبلا في حال مطالبة الدول الغربية للصين بدفع تعويضات أو ربما فرض عقوبات على الصين.

مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات