النظرية أم الشعارات

غياب النظرية الوطنية أو المشروع الوطني هو من الأمور الخطيرة التي تهدد مستقبل الأمم بشكل عام وبلادنا هذه بشكل خاص؛ ويتلازم مع ذلك بالضرورة حسب ظني؛ ملء هذا الفراغ الحضاري أو التعويض عنه بالشعارات الوطنية التي غالباً ما تكون جوفاء.

وهذا الذي أسوقه بعيداً عن الجدل الدائر حول مفهوم الدولة الوطنية أو القطرية ونحوه، فحتى هذا الفكرة لم ترتقي بعد في طروحات من يتناولونها -وربما في أذهانهم- إلى مستوى النظرية..

وخذ عندك مثالاً بالدولة المصرية في الوقت الحاضر، وغياب أي مشروع وطني أو قومي حقيقي بله ولا تنموي ذي قيمة؛ فمشروع كالتفريعة “قناة السويس الجديدة” وما صنع لها من بروباجندا قبلها بسنة وبعدها بنحو ذلك للترويج للديكتاتور؛ ثم السكوت عنها كأن لم تكن لأن الاستمرار كان سيسهم في زيادة فضح الأكذوبة، واستبدال النظرية أو المشروع بالشعارات -ولابد- من عينة تحيا مصر وتحيا السيسي ونحوها، ومحاولة تدعيمها بمعركة الإرهاب، على قاعدة من التمزق المجتمعي الحاد والكراهية والتشبع بالدموية والانتقام.

وفي المقابل تنهض دولة كإثيوبيا على أساس مصالحة اجتماعية وسياسية ودستور فيدرالي جديد ومشروع قومي يستنهض جميع الإثيوبيين على تفاوت أجناسهم وأعراقهم وديانتهم وهو سد النهضة وما يستوعبه من أيدي عاملة ورواج اقتصادي وامتلاك للكهرباء وإعلان للسيادة والقوة والتمكن.

وكذلك الحالة السنية والتي تفتقر لأي مشروع في مقابل مشروع ولاية الفقيه وتهيئة الزمان للمهدي وتحويل الهلال الشيعي إلى بدر يدخل المنطقة في حالة من المد والجزر لا يعلم منتهاها إلا الله.

وهذا الذي أسوقه بعيداً عن الجدل الدائر حول مفهوم الدولة الوطنية أو القطرية ونحوه، فحتى هذا الفكرة لم ترتقي بعد في طروحات من يتناولونها -وربما في أذهانهم- إلى مستوى النظرية، بمعنى أنها مازالت تمثل حالة من الفلسفة الثورية التي لم تضع أسساً ولا قوانين ولا خطة أو خريطة لهذه الرؤية.

كما أن تجاوز مفهوم الدولة الوطنية يحتاج إلى تغيير هذه العقيدة الوطنية في دول أخرى محيطة -يا حبذا- أو بعيدة؛ تتجاوز نفس المفاهيم وتقفز إلى حيز التنفيذ العميق وليس المحصور فقط في قرار سياسي ما ستخذه نظام او طبقة سياسة ما.

فربما يحتاج من ينطلقون إليها لتكوين رؤية واضحة ثم وضع خطة حقيقية للتمكن من إدارة أوطانهم أولاً بهيكليتها ومؤسساتها القطرية والسياسية، ثم تحويل عقيدتها القطرية ومؤسساتها إلى نموذج أممي وتغيير غيرها أيضاً.


التعليقات