تذكرة: ذم العلم بلا عمل

العلم بلا عمل يستوجب العذاب لا التشريف

قال – صلى الله عليه وسلم – : ( مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار ،قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ) . وجاء في رواية : « ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به » [ صحيح الترغيب للألباني رقم (121)] . وفي رواية: “يخالفونه بالنهار وينامون عنه بالليل “.

وأخبر أن مما يسأل عنه العبد يوم القيامة « عن علمه ماذا عمل به » [رواه الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب رقم (123)]
وضرب – صلى الله عليه وسلم – مثلاً لمن يعلم الناس وينسى نفسه قائلاً : « مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه ، كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه » وفي رواية : « كمثل الفتيلة ، تضيء على الناس ، وتحرق نفسها » [رواه الترمذي ، والطبراني في الكبير وقال المنذري ” إسناده حسن ” وصححه الألباني في الترغيب رقم (126)] .

وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله من علم لا ينفع [رواه مسلم رقم (2722)] .

والعلم وسيلة إلى العمل وليس مقصوداً لنفسه

وقال الشاطبي رحمه الله (العلم وسيلـة من الوسائل، ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعى، وإنما هو وسيلة إلى العمل، وكل ماورد فى فضل العلم فإنما هو ثابت للعلم من جهة ماهو مكلَّف بالعمل به) (الموافقات)
وقال الشاطبي أيضا (العلم الذى هو العلم المعتبر شرعا ــ أعنى الذى مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق ـ هو العلم الباعث على العمل، الذى لايُخَلّى صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيِّد لصاحبه بمَقتضاه، الحامِلُ له علي قوانينه طوعا أو كرها) (الموافقات)
وقال ابن القيم رحمه الله (ومن فَقَّهه في دينه فقد أراد به خيراً إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل، وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه في الدين فقد أريد به خيراً) (مفتاح دار السعادة) .

ويقول المناوي في فيض القدير : (وأقول : هذا وإن كان محتملا لكن أقرب منه أن يراد في الحديث المشروح العلم الذي لا عمل معه فإنه غير نافع لصاحبه بل ضار له بل يهلكه فإنه حجة عليه)
ويقول أيضا: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري ،(ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل (ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي تضمن الحديث الاستعاذة من دنئ أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع)
ويذكر ابن القيم في تفسير قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) قول ابن عباس : ولو شئنا لرفعناه بعمله بها.

ومن لطائف ما قيل في قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) قول شيخ الإسلام ابن تيمية : (كما قال تعالى :{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} فلا يخشاه إلا عالم فكل خاش لله فهو عالم . هذا منطوق الآية .

وقال السلف وأكثر العلماء إنها تدل على أن كل عالم فإنه يخشى الله كما دل غيرها على أن كل من عصى الله فهو جاهل . كما قال أبو العالية : سألت أصحاب محمد عن قوله : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} فقالوا لي : ” كل من عصى الله فهو جاهل ” .

وكذلك قال مجاهد والحسن البصري وغيرهم من العلماء التابعين ومن بعدهم . وذلك أن الحصر في معنى الاستثناء والاستثناء من النفي إثبات عند جمهور العلماء . فنفى الخشية عمن ليس من العلماء ؛ وهم العلماء به الذين يؤمنون بما جاءت به الرسل يخافونه . قال تعالى :{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وأثبتها للعلماء . فكل عالم يخشاه . فمن لم يخش الله فليس من العلماء بل من الجهال ، كما قال عبد الله بن مسعود : ” كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا ” . وقال رجل للشعبي ” أيها العالم ” فقال : ” إنما العالم من يخشى الله [مجموع الفتاوى]
ولهذا قيل في تفسيرها : المراد بالذين يعلمون : هم : العاملون بعلمهم ، فإنهم المنتفعون به ، لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم..

الذي لا يعمل بما يعلم كالحمار يحمل أسفاراً

قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5] يقول ابن كثير: (يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها، فلم يعملوا بها، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، أي: كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه. وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه وحرفوه وبدلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهمَ له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها)
ويقول السعدي :(ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلموها، ويعملوا بما فيها ، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة)
وفي فتح الباري لابن رجب: (وإنما اختص الحمار بالذكر دون سائر الحيوانات على الرواية الصحيحة المشهورة – والله أعلم- ؛ لإن الحمار من أبلد الحيوانات وأجهلها ، وبه يضرب المثل في الجهل ؛ ولهذا مثل الله به عالم السوء الذي يحمل العلم ولا ينتفع به في قوله :{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } [ الجمعة:5 ])
فنعوذ بالله من علمٍ لا ينفع فقد استعاذ منه رسول الله ، وشبه الله حامله بالحمار ، وجاء الوعيد لحامله بالعذاب.


التعليقات