مدخل إلى نظريات العلاقات الدولية

بدأت معالم مجال (العلاقات الدولية) تتبلور عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى في محاولة لدراسة أسباب اندلاع الحرب وإيجاد آليات تمنع اندلاع حرب عالمية جديدة. وبمرور الوقت ووقوع أحداث عالمية بارزة مثل الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، تشكلت عدة نظريات غربية في مجال العلاقات الدولية من أبرزها الواقعية والليبرالية فضلا عن المدارس النقدية مثل الماركسية والنسوية و البنائية والنظرية الخضراء. وتمثل كل نظرية من تلك النظريات امتدادا لإرث تاريخي وفلسفي وفكري معين.

نظرا للهيمنة الغربية على حقل السياسة العالمية خلال القرون الأخيرة فقد انصب التركيز على دراسة المدارس السياسية الغربية في مجال العلاقات الدولية على حساب دراسة المدارس الإسلامية أو الآسيوية وما شابه.

تلعب تلك النظريات دور العدسات التي يمكن من خلالها تفسير الأحداث التاريخية، وتحليل الواقع، واستشراف المستقبل. ونظرا للهيمنة الغربية على حقل السياسة العالمية خلال القرون الأخيرة فقد انصب التركيز على دراسة المدارس السياسية الغربية في مجال العلاقات الدولية على حساب دراسة المدارس الإسلامية أو الآسيوية وما شابه.

قامت نظريات العلاقات الدولية الغربية الرئيسة مثل الواقعية والليبرالية على مبدأ تنحية العقائد والتصورات الدينية، واعتمدت على العقل الإنساني في تصور خصائص الإنسان وميوله، ومن ثم اختلفت حول:

  • هل الإنسان ذا طبيعة ثابتة لا تتبدل أم هو ذا طبيعة متغيرة يتأثر بالعوامل الاجتماعية المحيطة به ؟.
  • هل الإنسان كائن أناني حريص على مصلحته الذاتية و تحركه غرائزه فقط؟ وهل النزاع بين البشر هو حقيقة لا يمكن تجنبها أم الإنسان لديه ميول اجتماعية تدفعه لتغليب العقل على الغرائز من أجل تحقيق مصلحته، وحل النزاعات عبر الحوار والتفاوض؟.

أبرز نظريات العلاقات الدولية

أولا الواقعية:

تتسم النظرية الواقعية بالتشاؤم، حيث تقوم على الافتراضات التالية:

ترى الواقعية أنه عندما تنضم الأنانية البشرية إلى فوضى النظام الدولي تصبح القوة هي صمام الأمان للحفاظ على مصالح الدولة. ومن ثم تشدد الواقعية على حرص الدول الكبرى على تعظيم نصيبها من القوة العالمية..

طبيعة الإنسان ثابتة تتسم بالأنانية وحب الذات، وبالتالي فإن الصراع بين البشر خصيصة مستمرة. لكن على المستوى المحلي تتيح سيادة الدولة على مواطنيها توجيه الصراعات بين المواطنين عبر قنوات مقبولة اجتماعيا.
الدول هي الفواعل الرئيسة في السياسة الدولية، ويتسم النظام الدولي بالفوضى حيث لا توجد جهة عليا تتمتع بالسيادة فيه وتستطيع حماية الدول من عدوان الدول الأخرى عليها، لذا تعتمد الدول على مواردها الذاتية من أجل تحقيق مصالحها. وتتسم العلاقات بين الدول عادة باللا يقين والشك.

ترى الواقعية أنه عندما تنضم الأنانية البشرية إلى فوضى النظام الدولي تصبح القوة هي صمام الأمان للحفاظ على مصالح الدولة. ومن ثم تشدد الواقعية على حرص الدول الكبرى على تعظيم نصيبها من القوة العالمية، كما تركز على مفهوم توازن القوى.

توجد داخل النظرية الواقعية عدة مدارس، مثل الواقعية الكلاسيكية التي تتبنى الفرضيات المذكورة أعلاه، وتذهب إلى أن الدول تسعى لزيادة قوتها لأن لديها رغبة فطرية في ذلك. في حين تذهب الواقعية الجديدة إلى أن بنية النظام الدولي الفوضوية هي التي تجبر الدول على التصرف بطرق عدوانية تجاه الدول الأخرى سعيا منها لزيادة قوتها من أجل تحسين أمنها وفرص بقائها. ويوجد خلاف داخل الواقعية الجديدة حول هل النظم الدولية متعددة الأقطاب أكثر عرضة لاندلاع الحروب أم النظم ثنائية القطبية.

تتعامل الواقعية مع الدول باعتبارها صناديق سوداء، فترى أن سلوك الدول يتأثر ببيئتها الخارجية لا بظروفها الداخلية، وبالتالي تتجاهل طبيعة النظام الحاكم للدولة هل هو ديمقراطي أم ديكتاتوري، وتتجاهل كذلك توجهات حاكم الدولة. ووفقا للواقعية الجديدة فإن ألمانيا كانت ستخوض الحرب العالمية الثانية حتى لو لم يكن هتلر هو الحاكم، وذلك لأن بنية النظام الدولي كانت تدفع ألمانيا للصراع مع منافسيها.

وكذلك توجد داخل الواقعية الجديدة مدرسة تُدعى الواقعية الدفاعية تشدد على حرص الدول العظمى على تعظيم أمنها من خلال حفاظها على الوضع الراهن وتوازن القوى، بينما تذهب الواقعية الهجومية إلى حرص الدول العظمى على تعزيز وزيادة قوتها لتحقيق الهيمنة.

يؤمن الواقعيون بأن المصلحة الشخصية تتقدم على المبادئ الأخلاقية، ويرون أن السياسات الخارجية ينبغي ألا تلجأ للمبررات الأخلاقية سوى لتسويغ السياسات الدولية التي تحقق مصالح الدولة وإضفاء الشرعية عليها.

ثانيا: النظرية الليبرالية

تتسم الليبرالية بالنظرة المتفائلة، وتستند إلى مبدأ (الانسجام بين المصالح المتنافسة) للأفراد والدول، وتقوم على الافتراضات التالية:

تركز النظرية الليبرالية على مفاهيم مثل: الفردانية، والحرية، والعقلانية، والمساواة، والتسامح، والتوافق. وتميل الليبرالية إلى تقليل تدخل الدولة في الحياة العامة لأقل حيز ممكن..

طبيعة الإنسان ثابتة تتسم بالأنانية وحب الذات، لكن يمكن لعقل الإنسان أن يتغلب على غرائزه بما يمكنه من تحقيق مصالحه من خلال التعاون مع الآخرين.

الدول هي الفاعل الرئيس في السياسة الدولية، وتتمتع الدولة بالسيادة على أرضها، لكن سلوك الدول يتأثر بظروفها الداخلية، فالدول الديموقراطية لا تحارب إحداها الأخرى، كما أن تقل الحروب بين الدول ذات الاعتماد الاقتصادي المتبادل.

يمكن حل الصراعات الدولية عبر الحوار والتفاوض بينما تُستخدم القوة في حالة الدفاع عن النفس أو الحرب العادلة.
يمكن من خلال بناء المؤسسات الدولية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل والشراكة والإدماج في الاقتصاد العالمي، زيادة مساحة الاستقرار والسلام الدوليين. فالحروب تبدد الثروات، وتضر الجهات المنخرطة فيها.

تركز النظرية الليبرالية على مفاهيم مثل: الفردانية، والحرية، والعقلانية، والمساواة، والتسامح، والتوافق. وتميل الليبرالية إلى تقليل تدخل الدولة في الحياة العامة لأقل حيز ممكن بحيث يقتصر دور الدولة على توفير الأمن للمواطنين، كما ترى الليبرالية أن الأسواق الحرة البعيدة عن التدخل الحكومي تجعل الاقتصاد يعمل بشكل أفضل.

توجد عدة مدارس داخل النظرية الليبرالية، منها الليبرالية الكلاسيكية التي سبق عرض أبرز أفكارها، والليبرالية الحديثة التي ترحب بمساحة أكبر من التدخل الحكومي في الاقتصاد لتحقيق الرفاهية الاجتماعية، أما الليبرالية الجديدة فترى أن تقليل دور الدولة في الاقتصاد سيسمح بمزيد من الازدهار، ومن ثم تروج لأهمية اعتماد الأفراد على ذواتهم وريادة الأعمال.

ثالثا: النظريات النقدية:

تأتي الماركسية في مقدمة النظريات التي تنتقد الليبرالية والواقعية باعتبارهما نظريتان محافظتان، وترى أن الرأسمالية نظام طبقي يخدم مصالح الرأسماليين..

استندت النظريتان الواقعية والليبرالية إلى الفلسفة الوضعية التي ترى أن المعرفة العلمية تنبثق من جمع بيانات يمكن رصدها واختبارها مما يتيح التعرف إلى أنماط تتيح بدورها صوغ قوانين عامة.

أما النظريات النقدية فقد قامت معظمها – عدا النظرية الماركسية وبعض مدارس النظرية الخضراء- على نقد الفلسفة الوضعية، حيث رفضت فكرة محاكاة العلوم الطبيعية في دراسة العلوم الاجتماعية، ورأت أن الأفكار والمعتقدات والمعاني واللغة أمور غير قابلة للفحص التجريبي. وأن دور البحث الاجتماعي هو الكشف عن المعاني الخفية تحت السطح الخارجي للواقع. ورأت كافة النظريات النقدية أن الواقعية والليبرالية تعملان على إضفاء الشرعية على اختلالات القوة في النظام الدولي القائم. ومن ثم حرصت النظريات النقدية على الانحياز إلى الفئات المهمشة.

تأتي الماركسية في مقدمة النظريات التي تنتقد الليبرالية والواقعية باعتبارهما نظريتان محافظتان، وترى أن الرأسمالية نظام طبقي يخدم مصالح الرأسماليين، وأن الأفراد لا يتصرفون نتيجة لطبيعتهم المتأصلة لكن نتيجة للطرائق التي أنتجوا فيها أنفسهم وحياتهم الاجتماعية. ومن رحم الماركسية ظهرت الماركسية الجديدة التي بلورت عدة نظريات من أبرزها نظرية التبعية التي ترى أن الاختلالات الهيكلية في الرأسمالية تدفع باتجاه فرض التخلف والتبعية على الدول الفقيرة.

أما النظرية النسوية فترى أن النظام الدولي يستند في مؤسساته ومنظماته إلى بنية هرمية ذكورية تخضع المرأة، ومن ثم تركز النسوية على المطالبة بمساواة المرأة بالرجل، ونقد ما تسميه بالمفاهيم الذكورية مثل السيادة والدولة. كما تركز النظرية الخضراء على المشاكل البيئية، وتتخذها كمدخل في دراسة العلاقات الدولية.

تلك هي بعض أبرز الفوارق بين تلك النظريات. حيث نجد أن الليبرالية والواقعية تعتمدان على الوضعية في حين أن معظم النظريات النقدية تنتقد الوضعية، وتنحاز إلى القوى المهمشة وفق منظورات متنوعة نسوية وبيئية وماركسية.

المراجع:
– Andrew Heywood. Politics. 2013.
– Andrew Heywood. Global Politics. 2011.
– تيم دوان وآخرون. نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع. (ترجمة: ديما الخضرا). ط. المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات.
مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات