هل يمكن لأجهزة الاستخبارات التنبؤ بالتطورات الاجتماعية؟

مثل الربيع العربي مفاجأة غير متوقعة لأجهزة الاستخبارات الغربية خاصة في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فضلا عن أجهزة الأمن والاستخبارات المصرية، وهو ما دفع العديد من الباحثين في مجال الاستخبارات لتناول مدى قدرة أجهزة الاستخبارات على تتبع التطورات الاجتماعية ومحاولة التنبؤ بالتغيرات السياسية ذات الطبيعة الاجتماعية، وهو المجال الذي يُطلق عليه (الاستخبارات الاجتماعية).

ومن بين من تناولوا هذا الموضوع الباحث الصهيوني إيال باسكوفيتش الذي جمع بين الخبرتين العملية والعلمية، حيث عمل سابقًا كمحلل في جهاز الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي ثم كان عضوًا في مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي من 2004 إلى 2006، كما عمل مستشارا لمكتب رئيس الوزراء الصهيوني خلال الفترة الممتدة من 2006 إلى 2008، فضلا عن حصوله على درجة الماجستير من برنامج الدراسات الأمنية بقسم العلوم السياسية بجامعة تل أبيب في عام 2005 في موضوع بعنوان “الكفاح الأمريكي ضد تمويل الإرهاب منذ 11 سبتمبر وآثاره”، ثم حصل في عام 2009 على درجة الدكتوراه من قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان. حيث كانت أطروحته للدكتوراه بعنوان: “النشاط الاجتماعي – المدني، لحماس وحزب الله – المصادر والأيديولوجية والممارسة: دراسة مقارنة”.

الاستخبارات المتعلقة بالقضايا السياسية، والتي تبحث في نوايا العدو، أو بشكل أدق، تبحث في نوايا الزعيم ودائرة المقربين منه، هي استخبارات معقدة، أما الاستخبارات الاجتماعية المختصة بالبحث في نوايا الجماهير وتتبع التوجهات المجتمعية تكون أكثر تعقيدا.

للإجابة عن السؤال في عنوان المقال كتب باسكوفيتش دراسة بعنوان (تقييم الاستخبارات فيما يتعلق بالتطورات الاجتماعية: الخبرة الإسرائيلية)، وقال في مقدمتها إن مجال الاستخبارات “الكلاسيكية” الذي يختص بالجوانب العسكرية، هو الأقل تعقيدًا من بين مختلف المجالات الاستخباراتية، وذلك لأن أبحاثه تركز أساسًا على “الاستخبارات المتعلقة بالقدرات” أي أنه يرتبط بتقييم القدرة العسكرية للعدو على خوض الحرب بناء على سلسلة من العوامل والعلامات الإرشادية التي تُجمع من الساحة العسكرية والمجالات ذات الصلة، مثل التكنولوجيا والاقتصاد، وذلك بالاعتماد على طرق معروفة لجمع المعلومات مثل استخبارات الإشارة التي تقوم على اعتراض الإشارات بما في ذلك الاتصالات الصوتية، مثل اتصالات قادة الدول أو الاتصالات الإذاعية العسكرية أو الاستخبارات البصرية التي تتضمن المراقبة البصرية في المقام الأول للقدرات العسكرية عن طريق استخدام الأقمار الصناعية أو التصوير الجوي.

بينما الاستخبارات المتعلقة بالقضايا السياسية، والتي تبحث في نوايا العدو، أو بشكل أدق، تبحث في نوايا الزعيم ودائرة المقربين منه، هي استخبارات معقدة، أما الاستخبارات الاجتماعية المختصة بالبحث في نوايا الجماهير وتتبع التوجهات المجتمعية تكون أكثر تعقيدا. ففضلا عن التحديات التي تعترض جمع المعلومات، تواجه الاستخبارات الاجتماعية صعوبات في عمليات معالجة المعلومات، خاصة في مرحلة البحث والتقييم نظرا لاختلاف الثقافات والقيم بين الدولة محل البحث والدولة التي يقوم محللوها بالبحث. كما أن الاستخبارات المجتمعية تتطلب بحثا مفصلا ومتعمقا غالباً ما يُهمل لصالح العمل في القضايا الأكثر إلحاحا.

ومع استصحاب أن التطورات الاجتماعية والاقتصادية غالبا ما تكون متداخلة؛ فالمشاكل الاقتصادية تولد عدم الاستقرار المجتمعي، والعكس صحيح، فالاستقرار الاقتصادي قد يسهم في تعزيز النظام الاجتماعي، ومن ثم يدعم استقرار النظام. لكن أبحاث الاستخبارات الاقتصادية لا تنتج عادة تحليلًا اجتماعيًا مفصلًا، فهي تساعد فقط بشكل أساسي في أبحاث الاستخبارات العسكرية لتجيب عن أسئلة من قبيل ما إذا كانت لدى العدو القدرة الاقتصادية على شن الحرب أم لا.

يذهب باسكوفيتش إلى أن أجهزة الاستخبارات تتمتع بمهارة في تحديد الحقائق لكنها ضعيفة في تحديد اتجاهات الأحداث، وبالتالي فإن قدرتها على التنبؤ بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكاد تكون معدومة.

تناول باسكوفيتش ضمن دراسته 3 حالات تقع ضمن نطاق يتمتع بأولوية قصوى لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ورغم ذلك فقد فشلت الاستخبارات الإسرائيلية بأجهزتها المتنوعة في استشراف حدوثها فضلا عن توقع تداعياتها، وهي:

  • اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987 بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
  • انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006.
  • موجة الربيع العربي.

ففي المثال الأخير، قال الجنرال آفي كوهافي، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية في تصريح أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست في 25 يناير 2011 أن نظام مبارك مستقر وليس في خطر، لكنه سرعان ما قال بعد تنحي مبارك إن تصريحاته أمام اللجنة قد أخرجت من سياقها.

يذهب باسكوفيتش إلى أن أجهزة الاستخبارات تتمتع بمهارة في تحديد الحقائق لكنها ضعيفة في تحديد اتجاهات الأحداث، وبالتالي فإن قدرتها على التنبؤ بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكاد تكون معدومة. وهو ما يُلزم رؤساء أجهزة الاستخبارات بالتواضع بشكل كبير عند إجراء تقييمات بشأن هذا النوع من التطورات، في حين يتطلب الأمر من صانعي القرار الذين يستمعون إلى قادة الأجهزة الاستخبارية أن يضعوا ذلك المعيار في اعتبارهم. وقد عبر شمعون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، عن هذه الحقيقة قائلا (كقائد للدولة، قرأت تقارير الاستخبارات بنفس الطريقة التي أقرأ بها تقارير الإيكونومست أو اللوموند أو نيويورك تايمز. حيث يمكن للمرء أن يتعلم الكثير من قراءة الصحف. فمصدر الاستخبارات المفتوح يكون في بعض الأحيان أكثر فائدة من المصدر الخفي. لذلك، ينبغي على قائد الدولة أن يسعى جاهداً للحصول على معلومات متنوعة قدر الإمكان…وفي النهاية عليه أن يثق في حكمه).

وفي خاتمة الدراسة يوصي باسكوفيتش بعده من توصيات من بينها:

تعزيز العلاقة بين مجتمع الاستخبارات (الإسرائيلي تحديدا) والمؤسسات البحثية والخبراء الأكاديميين، وحث محللي الاستخبارات على قراءة جديد الإصدارات الأكاديمية في المجالات التي تتقاطع مع أعمالهم، والسعي لتشكيل قائمة من العلامات الإرشادية الخاصة بالتطورات الاجتماعية كوسيلة للتحذير من أي خطر محتمل على استقرار النظم الحاكمة في البلاد العربية. ومن بين العلامات الإرشادية المقترح إدراجها في تلك القائمة:

  • تدهور الظروف الاقتصادية للبلد.
  • التغيرات في مواقف الجيش.
  • مستوى عدم الرضا العام.
  • قوة الشارع .
  • قوة المعارضة.
  • درجة تصميم النظام على اضطهاد وقمع خصومه.

ويؤكد باسكوفيتش على أن تلك التوصيات قد تساهم في تقليل مخاطر التقييمات المعيبة لأجهزة الاستخبارات فيما يتعلق بالتطورات الاجتماعية، لكنها بالتأكيد لن تقضي عليها تماما حيث أن الصعوبات التي تعيق التنبؤ بالأحداث الدرامية التي تنجم عن التطورات الاجتماعية ستواصل عرقلة عمل وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم.

مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات