عندما يكون الضياع سببا في الحفظ!!

قبيل الحرب العالمية الثانية اجتمع عدد كبير من المستشرقين، منهم أرثر جيفري (Arthur Jeffery) وأوتو برتسل (A. Pertzel) وأنتون شبيتالر (Anton Spitaler) وأ. فيشر (A. Fischer) وغيرهم، واتفقوا على إعداد نسخة (منقحة) من القرآن الكريم، تعتمد على المخطوطات القديمة للقرآن، يثبتون فيها الخلاف، ويرجحون ما يرونه منه، على طريقتهم المعتادة في التعامل مع الكتاب المقدس، ولم ينتبهوا، أو انتبهوا وتجاهلوا، أن النقل القرآني يعتمد على النقل والمشافهة المتواترة من جيل لجيل، فالمشافهة حاكمة على النُّسّاخ وليس العكس، فإذا خالف الناسخ النقل المتواتر المستقر حكمنا على رسمه بالخطأ والوهم الذي يعتري العمل البشري الآحادي…

على كل حال اجتمع المستشرقون وقرروا جمع هذه المخطوطات، فاجتمع لهم عدد هائل من مخطوطات القرآن في جامعة ميونخ وبدأوا العمل على المقارنة وإثبات الفروق، وأصدروا تقريرا مبدئيا بعد فترة من العمل أشاروا فيه لعدم وقوفهم على فروق (جوهرية) أو ما يؤدي (ثورة) أو (مفاجأة) في النص القرآني (المتداول بين المسلمين)…

هنا لابد أن ترى بين عينك قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. وتوقن أن حِفْظ الله قد يتخذ أشكالا متعددة… منها… الضياع!!!

وفجأة يحدث ما لم يكن متوقعا… تصاب الدار التي تم تجميع المخطوطات بها في جامعة ميونخ بقنبلة شديدة أتت على معظم هذه المخطوطات ويتوقف المشروع، ولم يبق منه غير التقرير الذي يؤيد القراءة المتواترة المنتشرة…

تُرى .. هل كان استمرار المستشرقين في العمل بهذه الطريقة المعوجة ووقوفهم على ما في المخطوطات وتحليله بحسب أهوائهم، وعدم قدرتنا على الوقوف على ما وقوفوا عليه – أو صعوبته على الأقل – واتخاذ ذلك ذريعة لضعاف النفوس من الاعتماد على تقاريريهم، وما كانوا يريدون عمله من طباعة نسخة (مختلفة) عن النسخة المتداولة، واحتمال ما كان سيحدث من ضغوط (سياسية) عليهم لوضع نسخة تثير البلبلة أو إصدار تقرير يخالف الواقع، أو على الأقل يضخم هذه الإشكالات – إن وجدت – إلى غير ذلك من احتمالات .. هل كان استمرارهم يدخل في حفظ القرآن أو محاولة خدش هذا الحفظ؟

مع التأكيد على عدم احتياجنا – نحن المسلمون – لمثل هذه النسخ لأن القرآن منقول بالتواتر ولا يحتاج إلى هذه (الأبحاث)…. هنا لابد أن ترى بين عينك قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. وتوقن أن حِفْظ الله قد يتخذ أشكالا متعددة… منها… الضياع!!!


التعليقات