هل ترتبط الأخلاق ارتباطا حتميا بالدين؟

قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) دليل قاطع على أن الأعمال الصالحة قد تتواجد ويتلبس بها المكلف بغير دين، والأخلاق قد توجد بغير دين.. لكن الإشكال أن هذه الأعمال الصالحة والأخلاق الراقية إذا خلت عن (نية) وهو توجيهها للباري تبارك وتعالى، والعمل بها امتثالا لأمره؛ فإنها تخرج عن حد الإثابة عليها..

والإشكال الأكبر من هذا الإطلاق هو ظن أن التدين بمعناه الضيق (الالتزام بالعبادات الظاهرة) مؤذن وحتمي بوجود الأخلاق الراقية، فتأتي هذه الفرضية كمُسَلَّمة في التعامل مع المتدين الظاهر، فتحصل الصدمة على كلا الطرفين..

ولأن الله تبارك وتعالى عادل بلا شك، ولا يظلم الناس شيئا، فإن أجر العمل الصالح من المسلم غير المكلف لابد أن يصل إليه، لكن في صورة تختلف عن الصورة التي وعد الله بها عباده إذا اقترن العمل الصالح والأخلاق، مع الدين..

فلا تتعجب إن وجدتَ رجلا يعمل العمل الصالح، وترتقي أخلاقه بغير دين، أو بدين غير الإسلام، فقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم في حديثه السابق، وقد تكاثرت الأدلة على أن بعض الأفعال قبل ورود الشرع محمودة في ذاتها، كمدح النبي صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول، لكن الإشكال أن بعض أصحاب الديانة يربط ربطا حتميا بين الدين والأخلاق، فعنده أنه لا أخلاق بلا دين، وقد نُسلم بهذه القاعدة إن قصد بها التغليب، لكن الإطلاق منقوض بالأدلة الشرعية ذاتها..

والإشكال الأكبر من هذا الإطلاق هو ظن أن التدين بمعناه الضيق (الالتزام بالعبادات الظاهرة) مؤذن وحتمي بوجود الأخلاق الراقية، فتأتي هذه الفرضية كمُسَلَّمة في التعامل مع المتدين الظاهر، فتحصل الصدمة على كلا الطرفين، بوجود غير مسلم صاحب خلق، وبوجود متدين ظاهر فيه رقة في أخلاقه، وقد أتت آيات الذكر الحكيم بالاقتران بين الإيمان والعمل الصالح، ومدح اجتماعهما، فأكد ذلك على أن الملازمة الحتمية بينهما منتفية، إذ العطف يقتضي المغايرة..

نعم .. قد يكون العمل الصالح أثر من آثار الإيمان، لكنه ليس بحتمي، ولهذا يُمدح من اجتمع فيه الخصلتان.


التعليقات