الفاعلية الإنسانية (الإنسان والدعوة)

إن فاعلية الإنسان الداعية تكون من حيث الطبيعة والفهم والمشاعر، ولهذه الفاعلية أثرها الهائل في الفكر والمنهج والحركة.

فمن حيث الطبيعة:

فالإنسان بطبيعته يحب أن يكون الناس على ما هو عليه، ومثال ذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت تحب أن تزوج نسائها في شوال قائلة: إنه الشهر الذي تزوجت فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهذه أخص خصائص الطبيعة الإنسانية. وهذا مجرد مثل لتلك الطبيعة.

ولكن الطبيعة الإنسانية تبلغ حدها النهائي اللازم لممارسة الدعوة ببلوغ مرحلة الربانية، وهي المرحلة التي يتوافق فيها الإنسان بطبيعته مع الحق ليصبح الإنسان بذاته وكل حياته دليلاً على الحق والدعوة إليه، وعندئذٍ يكون الإنسان ربانياً.

ومن هنا ارتبطت مرحلة الربانية بالدعوة في قول الله: عز وجل (… وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) [آل عمران : 79].

وأول ما ينشأ عن الطبيعة المتوافقة مع الحق.. الفهم الإنساني الصحيح.

الإنسان أول ضرورات العلم ولوازمه إلى درجة بيّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن نزع العلم لا يكون إلا بموت العلماء، ولا انفصال بين العلم والعالم إلا بالموت.

ومن حيث الفهم:

فالإنسان بفهمه هو الذي ينشيء الحقائق المنهجية في الدعوة. ولذلك يقول علي بن أبى طالب: “ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله، وفهماً أتاه الله إنساناً في كتاب”*.والحد النهائي للفهم هو كمال العلم.

وكما إن الفهم كانت له طبيعته الإنسانية؛ كان العلم كذلك له طبيعته الإنسانية. ولذلك كان الإنسان أول ضرورات العلم ولوازمه إلى درجة بيّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن نزع العلم لا يكون إلا بموت العلماء، ولا انفصال بين العلم والعالم إلا بالموت.

قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”**.

ونلاحظ في هذا الحديث تسمية الذين يفتون بغير علم “رؤوساً” لأنهم يتكلمون من عند أنفسهم ويبتدعون برؤوسهم ما لم يأذن به الله.

إن الفاعلية الإنسانية في واقع الدعوة يمثلها بصفة أساسية الحديث الذي رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “و الذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة، أكلت طيباً ووضعت طيباً، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد”***.

إن المثل الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مثل الإنسان في الدعوة، فالدعوة ليست مجرد نصوص ولكنها إنسان يمتص رحيق هذه النصوص.

ملاحظة: منقول من كتاب في النفس والدعوة للشيخ رفاعي سرو (رحمه الله) بتصرف يسير من أ. محمد المصري.

——————————–
* متفق عليه.
** متفق عليه.
*** أخرجه أحمد في المسند.


التعليقات